منذ 74 عاما، والنزاع الكوري – الكوري، يتطور بداية من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب عام 1950، مرورا بالصواريخ الباليستية المتبادلة بين بيونج يانج، وسول، ووصلا إلى التهديدات بالحرب النووية، والتعزيزات العسكرية النووية وغير النووية التي تجريها كوريا الشمالية بقيادة الزعيم كيم كونج أون الذي يهدد دائما باستخدام "الزر النووي"، فضلا عن أنه في الفترة التي توقفت فيها الحرب بين البلدين عام 1953، وبعد سنة من المعارك الطاحنة أصبح النزاع الحدودي ما زال مستمرا بين الطرفين حتى هذا اليوم.
وبالرغم من أن الحرب الكورية كانت حربا قصيرة، ولكنها اتسمت بدموية استثنائية، فقد قتل فيها أكثر من 5 ملايين إنسان، أكثر من نصفهم من المدنيين. وكان هذا العدد من القتلى يشكل 10%من مجموع سكان الكوريتين. وكانت نسبة الخسائر تلك أعلى من الخسائر المدنية في الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام، كما قتل في الحرب نحو 40 ألفا من العسكريين الأميركيين وجرح فيها أكثر من 100 ألف.
تجارب كوريا الشمالية النووية
في عام 2002، بدأت كوريا الشمالية في إطلاق تجاربها النووية، وأعلنت في أكتوبر من نفس العام أنها تمتلك برنامجا نوويا عسكريا، وفي 9 أكتوبر عام 2006، أصدرت حكومة كوريا الشمالية إعلاناً بأنها أجرت بنجاح تجربة نووية للمرة الأولى، وحينها كشفت عن أول ثلاثة انفجارات نووية تحت الأرض في موقع بونغي-ري لإجراء التجارب النووية، لكن الولايات المتحدة واليابان ردت على ذلك بأنه غير حقيقي من خلال ما أصدرته وكالة الماسح الجيولوجي الأمريكي وهيئة رصد الزلازل اليابانية أن زلزالاً قوته 4.3 بمقياس ريختر قد هز كوريا الشمالية.
وفي ما من عام 2009، وبعد شهر من المحادثات الدولية بشأن برنامج كوريا الشمالية النووي، أجرت بيونج يانج اختبارها النووي الثاني تحت الأرض، وفي فبراير 2013، إجراء ثالث اختبار نووي باستخدام ما وصفته وسائل الإعلام "جهازا نوويا خفيفا ومصغرا"، أما في مايو 2015، أعلن عن اختبرت إطلاق صاروخ من غواصة، ما يجعل أمر اكتشافه أكثر صعوبة من الأجهزة التقليدية، وفي يناير 2016 قالت إنها اختبرت بنجاح قنبلة هيدروجينية، وأخيرا في سبتمبر 2016 أعلنت أنه أجرت الاختبار النووي الخامس.
العداء الكوري الشمالية مع الولايات المتحدة الأمريكية
وبالرغم من العداء الأمريكي الكوري الشمالي، إلا أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تمكن من إتمام اتفاق بين الكوريتين في عام 2019، وأصبح أول رئيس أمريكي مستمر في المنصب ، يعبر الحدود إلى كوريا الشمالية، وذلك بعد لقائه التاريخي مع زعيمها كيم جونج أون في المنطقة منزوعة السلاح، حينها رحبت دول ومنظمات عالمية بالاتفاق واعتبره العديد بأنه فرصة نادرة للسلام بين البلدين.
لكن بعد ذلك الأمر توترت العلاقات بعض الشيء منذ التقى ترامب وكيم في العاصمة الفيتنامية، هانوي، في فبراير من عام 2019، حيث انتهت القمة فجأة دون تحقيق تقدم في ملف نزع السلاح النووي الكوري الشمالي، وأصر ترامب على أنه يتعين على كوريا الشمالية تفكيك ترسانتها النووية قبل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، ومنذ ذلك الحيان عادة التوترات العسكرية بين الشمال والجنوب، وأيضا تهديدات تصدرا مرارا وتكرارا من زعيم كوريا الشمالية كيم كونج أون، ضد الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت التي تجري "واشنطن" اتفاقيات عسكرية مع "سول"، مع الترجيح بأن "بيونج يانج" تستعد لتجربة نووية سادسة وسابعة وتسعى لإنتاج أسلحة نووية تكتيكية، بالإضافة إلى عشرات الرؤوس النووية التي بات من شبه المؤكد أن بوسعها تركيبها على صواريخ عابرة للقارات لاستهداف البر الأمريكي، أو على صواريخ أقصر مدى لضرب القواعد الأمريكية بكوريا الجنوبية واليابان في حال اندلعت مواجهة عسكرية.
وفي عام 2022، و وخلال إشراف الزعيم الكوري الشمالي كيم كونج أون، على اختبار صاروخ "هواسونج-17" (Hwasong-17) العابر للقارات ضمن عمليات إطلاق للصواريخ وُصفت بالقياسية خلال العام الجاري، قال كيم إنه في حال واصل "الأعداء" تشكيل أي تهديد للبلاد، فإن كوريا الشمالية سترد على الأسلحة النووية بأسلحة مماثلة وبمواجهة أشمل، وفق ما نقلته عنه وكالة الأنباء الرسمية.
توتر النفايات والأصوات بين الكوريتين
بعد أن انتهت الحرب الكورية عام 1953، لم تحدث مواجهات عسكرية بين الطرفين بشكل مباشر، لكن التوتر قائم بوتيرة تنخفض مرة وترتفع أخرى، ويظل ذلك التوتر شبح نووي يخيم على المنطقة بأكملها، ويقوم الطرفين بعمليات إزعاج للأخر بوسائل تنذر بوقوع تلك الحرب، من تلك الوسائل استخدمت "سول" في عام 2018، سماعات ضخمة ونصبتها على الحدود وموجهة نحو جارتها الشمالية، تبث فيها أغاني بوب كورية K-POP ونشرات إخبارية وغيرها من المواد الممنوعة في كوريا الشمالية، ووفقا لجيش كوريا الجنوبية، فإن الرسائل التي تبثها السماعات الضخمة تكون مسموعة خلال أوقات النهار حتى مسافة 10 كيلومترات داخل كوريا الشمالية، وتصل حتى 24 كيلومترا خلال الليل، وتعمل هذه السماعات في إطار الحرب النفسية ضد الجارة الشمالية، وتبث انتقادات للنظام الحاكم وسلالة كيم، وتهدف للتأثير على حرس الحدود بشكل رئيسي وعلى سكان المناطق القريبة من المنطقة منزوعة السلاح.
لكنها "السماعات" ليست حكرا على كوريا الجنوبية فقط، فكوريا الشمالية أيضا توجه سماعات ضخمة باتجاه جارتها الجنوبية تبث خلالها انتقادات لكوريا الجنوبية وحلفائها خاصة الولايات المتحدة.
وفي 2021، قدمت كوريا الجنوبية قانونا يجرم إرسال منشورات عبر الحدود إلى جارتها الشمالية، ومن يخالفه فقد يتعرض لعقوبة الحبس لمدة أقصاها 3 سنوات أو دفع غرامة تقترب من 23 ألف دولار، وتم إرسال منشورات تحمل آراء معارضة لحكم عائلة كيم لكوريا الشمالية، وكذلك تنتقد سجل حقوق الإنسان، ومواد دعائية أخرى عبر البالونات إلى كوريا الشمالية إحدى وسائل الحرب النفسية بين البلدين، ويشارك في هذا النشاط جمعيات نشطاء من كوريا الجنوبية وكوريين شماليين منشقين عن النظام.
وفي أول يونيو الجاري 2024، أرسلت كوريا الشمالية حوالي، 260 منطادا محملة بأكياس نفايات تشمل بطاريات مستهلكة وأعقاب سجائر وما يبدو أنه روث، إلى كوريا الجنوبية، في حين حذرت سول من أنها ستتخذ إجراءات مضادة لتحركات مماثلة.
وتعليقا على ذلك قال وزير الدفاع الكوري الجنوبي شين وون-سيك، إن إرسال كوريا الشمالية مناطيد محملة بالنفايات هو "تصرّف تافه ودنيء بشكل لا يمكن تصوره".
من جهتها، علّقت بيونج يانج على الحادث بالقول إن "العطايا الصادقة" تلك كانت ردا انتقاميا على المناطيد التي أرسلتها كوريا الجنوبية إلى كوريا الشمالية للقيام بدعاية ضد الزعيم كيم جونج أون.
وبعد كل تلك التوترات، أعلنت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية الثلاثاء الموافق 4 يونيو 2024، أن بلاده ستستأنف جميع أنشطتها العسكرية بالقرب من خط ترسيم الحدود العسكري وجزرها الحدودية الشمالية الغربية مع التعليق الكامل لاتفاقية خفض التوتر بين الكوريتين لعام 2018.
وجاء هذا الإعلان بعد أن وقع الرئيس يون سيوك-يول على اقتراح يدعو إلى التعليق الكامل للاتفاقية العسكرية الشاملة ردا على حملة البالونات التي تحمل القمامة والتشويش على إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) من قبل كوريا الشمالية في الأيام الأخيرة.
توترات عسكرية متزايدة بين الشمال والجنوب
وقال جو تشانغ-ريه، نائب وزير الدفاع لشؤون السياسة، في مؤتمر صحفي: "هذا الإجراء يعيد جميع الأنشطة العسكرية لجيشنا إلى طبيعتها، والتي كانت مقيدة بموجب اتفاق 2018"، متعهدا باتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لحماية حياة الشعب الكوري الجنوبي وسلامته.
وقالت الوزارة: "المسؤولية الكاملة عن التسبب في هذا الوضع تقع على عاتق النظام الكوري الشمالي، وإذا حاول الشمال القيام باستفزازات إضافية، فسوف ينتقم جيشنا بشدة بناء على الموقف الدفاعي المشترك الصارم بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة".
وتضمنت الاتفاقية المعلقة، التي تم توقيعها في 19 سبتمبر 2018، إنشاء منطقة برية عازلة، يتم بموجبها تعليق تدريبات المدفعية والمناورات الميدانية على مستوى الفوج، وإنشاء مناطق عازلة بحرية، كما يتم حظر إطلاق المدفعية والتدريبات البحرية.
كما حددت مناطق حظر الطيران بالقرب من الحدود لمنع الاشتباكات العرضية للطائرات.
ومع تعليق الاتفاقية، ستتمكن كوريا الجنوبية من إجراء تدريبات لتعزيز دفاعات الخطوط الأمامية، مع السماح للوحدات المعنية الآن بوضع خطط تدريبات بالقرب من خط ترسيم الحدود العسكري والجزر الحدودية.
و يسمح التعليق أيضا لكوريا الجنوبية باستئناف البث الدعائي عبر مكبرات الصوت تجاه الشمال، وهي أداة رئيسية للحرب النفسية التي تنطوي على انتقاد انتهاكات نظام كيم جونج-أون لحقوق الإنسان، والأخبار وأغاني البوب الكورية، والتي أثارت ردود فعل غاضبة من بيونج يانج
وقال المتحدث باسم هيئة الأركان المشتركة لي سونغ-جون إنه يمكن اتخاذ تدابير مختلفة بعد التعليق، مشيرا إلى أن الجيش قام بتشغيل مكبرات الصوت الثابتة والمحمولة على الخطوط الأمامية.
وقال المتحدث في مؤتمر صحفي دوري: "يجب توصيل مكبرات الصوت الثابتة بالطاقة وقد يستغرق تركيبها ساعات إلى بضعة أيام. ويمكن إجراء عمليات البث بمكبرات الصوت المحمولة على الفور".
ورفض مسؤولون حكوميون توضيح موعد استئناف الإجراءات التي تم تقييدها بموجب اتفاق 2018، لكنهم لم يستبعدوا إمكانية إجراء عمليات بث استباقي عبر مكبرات الصوت اعتمادا على الظروف.
وقال مصدر حكومي إنه لا توجد خطة على ما يبدو لتركيب المعدات الثابتة على الفور لأن مثل هذه الأنشطة قد تزيد من التوتر العسكري، مشيرا إلى أنه من المرجح أن يقوم الجيش بتشغيل المعدات المحمولة أولا إذا تم استئناف مثل هذا البث.
وقالت كوريا الشمالية إنها ستتوقف مؤقتا عن إرسال بالونات تحمل القمامة عبر الحدود، رغم أنها هددت بالرد ببالونات تحمل قمامة بـ 100 ضعف في حالة قيام نشطاء في سيئول بإرسال المزيد من المنشورات المناهضة لبيونج يانج.