أكدت دراسة للمركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية، أن الحرب فى السودان، ما هى إلا حلقة فى سلسلة من الأزمات الطاحنة التى عصفت بـ السودان منذ استقلاله، ورأت أن الأسباب الحقيقية لتلك الأزمات العاصفة التى دائمًا ما هددت وحدة وتماسك السودان وسلامته الإقليمية واستقراره الداخلى على مدار العقود الماضية تتمثل فى الآتى:
لعنة الموارد الطبيعية: فـ السودان بجانب أنه مثل نموذجًا حيًا لما يُطلق عليه فى أدبيات فقه التنمية الأفريقى لعنة الموارد، بجانب مساحته الجغرافية العملاقة وموقعه الفريد الذى جعل منه نقطة تماس إقليمية شديدة الأهمية خلقت مطامع فيه، وجعلته فريسة لتكالب خارجى بحثًا عن المواد الطبيعية المهولة.
كل تلك العوامل مع أهميتها أن تُصبح ثانوية أمام الاختبار الحقيقى الذى فشلت فيه كافة النخب السودانية التى حكمت السودان منذ استقلاله باختلاف توجهاتها، ألا وهو الفشل فى صياغة مشروع وطنى حاكم يؤسس للدولة السودانية الحديثة؛ مما أوجد خللًا بنيويًا تمثل فى غياب نموذج الدولة الوطنية.
ووفقا للدراسة فإنه منذ استقلال السودان أسهمت عوامل عدة فى إخفاق الحكومات والنخب السودانية فى صياغة مشروع وطنى سودانى يؤسس للدولة الوطنية فى مقدمتها، استئثار المركز النيلى بمُقدرات السلطة والثروة: فقد عمد المركز الحاكم فى الوسط النيلى إلى انتهاج الممارسات الاحتكارية والإقصائية الموروثة من العهد الاستعمارى البريطانى، وتزامن هذا مع الغياب التام للإرادة السياسية من النخب السودانية الحاكمة فى صياغة أطر عادلة لكيفية تقاسم السلطة والثروة بين المركز والأطراف، وهو ما أدخل السودان فى أتون حروب أهلية.
ثانيًا- أزمة تشكيل الهوية الوطنية السودانية الجامعة: يحظى السودان بتنوع وتعدد عرقى وثقافى ولغوى فريد من نوعه لا أن هذا التعدد لم يكن موطن قوة وإثراء للهوية الوطنية فى السودان كما هو مُفترض، بل فشلت النخب الحاكمة السودانية فشلًا ذريعًا منذ استقلال السودان أمام اختبار إدارة هذا التنوع والتعدد، والذى كان بمثابة قنبلة موقوتة انفجرت فى وجه الحكومات السودانية المتعاقبة؛ مما أوجد أزمة هوية داخل المجتمع، والتى أصبحت من أبرز معاول هدم الداخل السودانى، ومصدرًا للعديد من الأزمات الطاحنة.
ثالثًا- التركة الاستعمارية والتكالب الخارجى على السودان: مثل السودان نموذجًا مُصغرًا، وتجسيدًا حيًا للأزمات التى خلفها الاستعمار فى القارة الأفريقية، طمعًا فى مقوماته ومُقدراته؛ الموقع الجغرافى المُميز، الثروات الطبيعية الهائلة. وقد حُسم هذا الصراع الاستعمارى على السودان لصالح الامبراطورية البريطانية، والتى فكرت فى كيفية الاستفادة من هذا التنوع والتعدد العرقى والثقافى فى بسط سيطرتها على كامل الإقليم السودانى، فبدأت تمارس سياسات من شأنها تكريس النزعات الإثنية والعرقية والثقافية فى أرجاء السودان، وتغذية مشاعر الاختلاف والانفصال بين كافة أقاليم السودان.
واختتمت الدراسة أنه من خلال التشخيص السابق للجذور والأسباب التى حالت دون صياغة وتدشين مشروع وطنى سودانى والذى يُعد الصراع الدائر حاليًا هناك أحد أبرز تداعياته ونتائجه، وليس الصراع الحالى فحسب، بل كافة الصراعات التى مزقت السودان وأهدرت مُقدراته، فالسودان الآن أمام مُفترق طرق، يفرض على نخبه السياسية باختلاف توجهاتها أن تجتمع على كلمة سواء، وأن تتخلص من انتماءاتها وتوجهاتها ومصالحها الضيقة لصالح وقف هذه الحرب الكارثية -التى يكفل استمرارها نهاية وشيكة لدولة السودان- وأن تلتقى الإرادة السودانية القومية على وضع أسس راسخة لدستور وطنى يكون بمثابة قاعدة أساسية لتشكيل هوية وطنية سودانية عابرة للاختلافات الثقافية والعرقية والجهوية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة