الشجرة عنصر طالما تواجد في الميثولوجيا الشعبية وفى أساطير الأولين، دائمًا ما كان لها حضور في الحضارات والثقافات القديمة، وبنى عليها الإنسان تصورات كبيرة، وفي الكثير من الحضارات قدست الشجرة كإله ورمز مقدس كبير، ونظر إليها البشر في الأزمنة البعيدة نظرة تبجيل وتقديس.
ولعلها لم تختف في الأديان السماوية، إذ يقدس أصحاب الديانات الإبراهيمية الثلاث بعض الأشجار مثل شجرة البقيعاوية في الأردن، والتي تعرف أحيانًا بشجرة الرسول، إذ يعتقد أنّ النبي محمد ﷺ استظل تحتها أثناء أحد رحلاته إلى الشام. وبالرغم من عدم ثبوت ذلك، إلا أن الشجرة يزورها العديد من الناس كل عام إحياءً لذكرى النبي محمد وللتّبرّك بها حيث يعلقون عليها قطع القماش الخضراء، وكذلك شجرة مريم في حي المطرية الذي يعتقد أن السيدة مريم استراحت تحتها هي وطفلها يسوع المسيح عند زيارتهما لمصر، ويوجد أيضا شجرة العليقة بدير سانت كاترين، وترجع قدسية "العليقة" إلى كونها الشجرة التى ناجى سيدنا موسى ربه عز وجل عندها.
وفي الحضارات القديمة كانت تعبد الشجرة إما بمفردها أو مع مجموعة من الأشجار، حيث أن معبودات (آلهة) الأشجار وجدت في العديد من المناظر على جدران المقابر، اللوحات، البرديات والتوابيت، إلا أنه في هذا البحث تركز الباحثة على تلك المناظر على جدران التوابيت، ومن أبرز الحضارات التي قدست الشجر:
الفراعنة
وفقا لدراسة بعنوان "مناظر المعبودة الشجرة على التوابيت في مصر القديمة" للباحثة شيرين محمد حافظ: أن أصول فكرة آلهة الشجرة ترجع إلى نصوص الأهرام، ولكن من الملاحظ أنها لم تكن شائعة الظهور حتى بداية الدولة الحديثة (أول ظهور لها في مقبرة تحتمس الثالث) ثم استمرت وشاع ظهورها في توابيت الأسرة 21، وظهرت مؤخرا في برديات كتاب الموتى. وتمثل المعبودة الشجرة في مصر القديمة أهمية كبري للمتوفي في العالم الآخر حيث عرفت الحضارة المصرية القديمة العديد من معبودات الأشجار مثل حتحور، نوت، نيت، مريت سجر وإيزيس، وهي تتمثل في أغلب المناظر وهي تخرج من قلب الشجرة وتقدم للمتوفي في العالم الآخر أنواعا عديدة من القرابين مثل الماء البارد، الطعام، الخبز، اللبن.
الأكادية والبابلية
وفقا للكاتبة والباحثة اللبنانية كلود أبو شقرا، ففي بابل، كانت الشجرة تمثل كل أشكال الشجرة الكونية ومقر إله الخصب والعلوم الحضارية، وهي مقر راحة الإلهة الأم، إلهة التكاثر والخصب للماشية والزراعة؛ وفي الرسوم البابلية الدينية تحيط النجوم والعصافير والحيّات بالشجرة الكونية.
وتستشهد الباحثة اللبنانية بما قال الأب سهيل قاشا حول مفهوم الشجرة في هذه الحضارة: “الأكادية تعني الألوهة، لأن الكلمة (ايلانا) مركبة من إيل – آنا، وتعني الاله أنا، وهذا بالفعل هو الحقيقة حيث إيلانا – إيل آنا – اله – الآله – الله حيث أن الانسان الأول في وادي الرافدين إن صح التعبير أول ما عبد، تعبّد للشجرة التي يأكل من ثمارها، ويبني بيته من جذعها وسعفها (اغصانها) ويتدفأ بحطبها، ويصنع من خشبها كل أدواته البيتية، فكانت بالنسبة له هي الحياة.
العرب قبل الإسلام
بحسب دراسة بعنوان " عبادة الاشجار عند العرب في الجاهلية" فأن العرب عبدوا الاشجار والنخيل كعبادتهم للانصاب والاصنام والحيوانات والكواكب والنجوم والشمس والقمر، وجاء في كتاب "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" لجواد علي، أنه :"من مظاهر الشرك المتجلي في التعبد للأمور الطبيعية الملموسة، عبادة الشجر، وهي عبادة شائعة معروفة عند الساميين. وقد أشار "ابن الكلبي" إلى نخلة "نجران" وهي نخلة عظيمة كان أهل البلد يتعبدون لها، "لها عيد في كل سنة. فإذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه وحلي للنساء، فخرجوا إليها يومًا وعكفوا عليها يومًا". ومنها العزى وذات أنواط. يحدثنا أهل الأخبار عن ذات أنواط، فيقولون: "ذات أنواط: شجرة خضراء عظيمة، كانت الجاهلية تأتيها كل سنة تعظيمًا لها، فتعلق عليها أسلحتها وتذبح عندها، وكانت قريبة من مكة. وذكر أنهم كانوا إذا حجوا، يعبقون أرديتهم عليها، ويدخلون الحرم بغير أردية، تعظيمًا للبيت، ولذلك سميت "ذات أنواط"، "وقد روي أن بعض الناس قال: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط".
أما ابن اسحق فيوضح لنا دين العرب آنئذ في كلامه عن ابتداء وقوع النصرانية بنجران: يقول: " وأهل نجران يومئذ على دين العرب يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم لها عيد كل سنة، إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه، وحلي النساء، ثم خرجوا إليها فعكفوا عليها يوما" (4).
المكسيكيون القدماء
وورد في كتاب " فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره" أن أهل المكسيك قبل اكتشاف الإسبانيين بلادهم أنهم كانوا يقيمون في كل سنة حفلة عظيمة على جبل فيه أشجار كثيرة من اليو كساستين، فيأتي كاهنهم بأضخم رجل من أسرى الحرب الذين لديهم ويُلقيه تحت الشجرة، ثم يضع على صدره شيئًا مثقوبًا ويأتي بغصن شجرة، ثم يأخذ بحكِّه في ذلك الثقب حكًّا عنيفًا شديدًا متتابعًا، حتى تظهر النار ويلتهب العود بشدة الاحتكاك، فيشقُّ حينئذٍ صدر الأسير ويستخرج قلبه؛ ليكون هدية للنار المقدسة الجديدة. ويكون الشعب مجتمعًا في سفح الجبل، فعندما تظهر له النار الجديدة يتعالى هتافه وصراخه؛ لأنه يتخذها في كل عام علامة لعدم انطفاء الحياة في هذا العالم.
الهنود
وفي الحضارة الهندية القديمة تظهر الشجرة المُقدَّسة أو المُطهَّرة أو الربانية أو الإلهية، هي شجرة تعتبر مقدسة، أو تستحق الاحترام أو التبجيل الروحي. تظهر مثل هذه الأشجار عبر تاريخ العالم في ثقافات مختلفة بما في ذلك الأساطير الهندوسية القديمة والأساطير اليونانية والسلتية والجرمانية. كما أنها لا تزال تحمل معنى عميقًا في الثقافة المعاصرة في أماكن مثل اليابان (شجرة شينبوكو)، وكوريا (دانغسان نامو)، والهند (شجرة بودي)، والفلبين، وغيرها. وعبادة الأشجار هي جزء أساسي من الأديان التي تشتمل على جوانب أرواحية كعناصر أساسية في معتقداتها، وهذا الاعتقاد هو اعتقاد البيئة الصديقة القائل بأن الأشجار والغابات والأنهار والجبال وما إلى ذلك لها قوة حياة ("أنيما anime" أي حية) وتحتاج إلى الحفاظ عليها واستخدامها بطريقة مستدامة.