ويؤكد: منتجاتنا مميزة وتطلبها دول الخليج
فى مبنى عتيق يحكى عن أصالة الماضى وعراقته، يجتمع أفراد أسرة "الملك" بورشتهم الصغيرة، يُطعمون الخشب بقطع صغيرة من الصدف، تمثل فى تداخلها أشكالًا هندسية معقدة ورسومات من وحى الطبيعة، تسحرك بجمال تصاميمها ودقة صنعها، حيث تقطيعها بمقاسات متناسقة دون الحاجة لاستخدام وحدات قياس، وتجميعها ورصها بدقة ومهارة وحرفية، لتخرج منها مزهريات وبراويز وكراسى وترابيزات ذات ألوان وتصاميم تجسد الجمال والرقى والفخامة.
برعت الأسرة على مدار سنوات طويلة فى تطعيم الخشب بالصدف وتحويله إلى تحف فنية، تلك المهنة التى يعود تاريخها لمئات السنين بحى الدرب الأحمر، أقدم مناطق القاهرة التاريخية، وتعد من أجمل وأشهر الفنون التراثية وأجود الصناعات اليدوية وأعرقها، فبأفكار ممزوجة بالأصالة والمعاصرة، حافظوا على حرفتهم التى ورثوها عن آبائهم وأجدادهم وواكبوا التطور والحداثة بتحف فنية غاية فى الروعة والجمال.
مراحل تطعيم الخشب بالصدف
وبينما كانت تلتحف يداه بقطع من الصدف، مختلف ألوانه ما بين الأبيض والأزرق، وبجواره روائعهم الخشبية التى انتهوا من تعشيقها بالصدف، قال علي الملك: "تعلمنا الحرفة منذ الطفولة على يد خالي، واكتسبنا شهرتنا منه، إذ عملنا في ورشته وعمرنا لا يتجاوز الـ10 سنوات، كنا نعمل معه وفى الوقت نفسه نواظب على الذهاب إلى المدرسة ومن بعدها المعهد، حتى نجحنا في تعلم الحرفة واحترافها ومواصلة العمل بها والتطوير منها بما يواكب العصر ومتطلبات الزبون"، مضيفًا: "تخطى عملى فى المهنة الـ45 عامًا".
ورشة أسرة الملك
.jpeg "تطعيم الخشب بالصدف (2)")
تطعيم الخشب بالصدف
تعبق المنتجات الخشبية المزينة بالأصداف البحرية برائحة التراث الشرقى الأصيل، التي تجعلك تحلق بالنظر إليها حيث العراقة والجمال: "حرفة التطعيم بالصدف تدخل فى الشغل العربى، ومنه الأرابيسك، والذى يستخدم فيه الصدف وبعض الخامات الأخرى، التى تعمل على إظهار ألوان الصدف وتصاميمه الهندسية المتداخلة على قطع الخشب، فالحرفة تقوم على تعشيق قطع الصدف باختلاف أنواعها وألوانها يدويًا على قطعة الخشب، والتى قد تكون قطعة أثاث، شكمجية، برواز، مرايا، صينية، صندوق حفظ الحلى، صندوق لعبة الطاولة أو الشطرنج، مضيفًا: "الحرفة صناعة فنية حرفية تراثية، تضفى بريقًا طبيعيًا خاصًا على الخشب".
مهنة التصديف
وضع قطع الصدف الصغيرة على الخشب
مراحل عديدة تجمع بين الفن والصناعة، يتقاسمها حرفيو المهنة بحس فنى وذوق جمالى، حتى يطعٍمون الخشب بآلاف القطع من الصدفات يدويًا وتتحول قطعة الخشب الصماء لتحفة فنية قيمة تنطق جمالًا بالصدف البحري: "يمر تطعيم الخشب بالصدف بعدة مراحل مختلفة نقوم بها فى الورشة حتى يظهر المنتج فى شكله النهائى، منها تحديد الشكل أو التصميم الهندسى المطلوب تنفيذه، وصنفرة الصدف حتى يصبح أملسًا، وتقطيع الصدف لقطع صغيرة بمقاسات متساوية ومتناسقة، وتعشيقه بالخشب بناءً على التصميم المطلوب، والذى يتنوع بين تصميمات هندسية وأشكال ورسومات نباتية بدقة وحرفية عالية وغيرها، مضيفًا: "الحرفة تتطلب الكثير من الوقت والمجهود لتقطيع الصدف إلى قطع صغيرة".
وضع قطع الصدف الصغيرة على الخشب
تجسد الحرفة سحر الطبيعة بألوان الصدف الجذابة وتصاميمها الفريدة: "الصدف منه المحلى والمستورد، الصدف المصرى الأبيض كان يستخدم قديمًا فى تزيين المساجد، واليوم نستورد أنواعًا أخرى من الصدف، من اليابان ونيوزيلاندا وأستراليا، فسبحان الخالق كل بحر وله شكله وطبيعته فى الصدف، ولكل نوع صدف جماله الخاص، فالصدف اليابانى يجمع كل ألوان الطيف، والصدف المصرى، الذى يستخرج من اللؤلؤ، ناصع البياض، وهناك الصدف الأزرق النيوزيلاندى، الذى يصل كيلو الخام منه 1500 جنيه".
علي الملك صانع منتجات الصدف
لا تزال صناعة منتجات الصدف، تحتفظ بأسسها وتصاميمها العربية القديمة، رغم تطور أساليب التصنيع: "تعتمد الحرفة على مهارة الحرفى وحسه الفنى، وقدرته على الابتكار والتجديد فى التصميمات والرسومات والأشكال الهندسية، اليابان بإمكانياتها وما تستخدمه من ماكينات وآلات حديثة تطورت كثيرًا فى المهنة، وأصبحت تستخدم الصدف فى تطعيم وتزيين منتجات أخرى، منها الساعات وحمامات السباحة، المهنة تحتاج إلى تسويق جيد يبقيها صامدة، مؤكدًا: "الحرف اليدوية قائمة على الوراثة، واللى مش هيطور من نفسه فى المهنة هيفضل فى مكانه ومش هيتقدم خطوة".
تطعيم الخشب بالصدف
يتميز الحرفى المصرى بجودة ودقة المنتج الذى يقدمه، ومنتجاته تعكس مهاراته وحسه الإبداعى على خلق تحف فنية مميزة: "كفاءتنا فى الشغل عالية جدًا، وأعمالنا مميزة ومشرفة وتصدر لدول كثيرة، كالسعودية، والإمارات، وقطر، والكويت، فجميع الدول العربية تحب وتهوى شغل الصدف الذى ننفذه، والعامل المصرى يمتلك مهارة وخبرة كبيرة، كل ما ينقصه الإمكانيات والتسويق، فبالنظر إلى الصدف المستخدم فى محراب مسجد السلطان حسن، تكتشف الإعجاز الذى وصل إليه الصنايعى قديمًا، وكأنه كان فى حالة عشق وهو يُطعم المحراب بقطع الصدف.. بمهارة وحرفية وحب صنع تحفة فنية، أصبحت فيما بعد من الآثار وتراثًا تتحاكى به الأجيال".
