رحل نجيب محفوظ، منذ 18 عامًا، وبالتحديد 30 أغسطس 2006، لكن إبداعه وأدبه لم يغيبا أبدًا، دائمًا نجد كتاباته حاضره مثل الشمس لا تغيب، ساطعة كل يوم، وكل نهار، لكن كتابات النجيب، العربي الوحيد الذى استطاع أن يكتب اسمه بين الحاصلين على نوبل فى الآداب، لم تكن أعماله صاحبة اهتمام فنى ونقدى وجماهيرى، إذ أن رجال الدين أدلوا برأيهم أيضًا حول أعماله، حتى المؤسسات الدينية رفضت بعضها بحجج نافها هو نفسه.
ولعل أشهر تلك الروايات التي تعرض لأزمة كبيرة من بدأ محفوظ بنشرها في حلقات مسلسلة في جريدة الأهرام، وحتى بعد وفاته، هي رواية "أولاد حارتنا" تلك السردية الرائعة التي استحقت اللقب على أطلقه عليها الكاتب الصحفي محمد شعير "الرواية المحرمة" لما لاقته من رفض ومنع وتحريم من يومها الأول.
أدت الرواية إلى أزمة كبيرة منذ أن بدأ نشرها مسلسلة فى صفحات جريدة الأهرام، حيث هاجمها شيوخ الأزهر، وطالبوا بوقف نشرها، ولكن محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام حينئذ ساند نجيب محفوظ ورفض وقف نشرها فتم نشر الرواية كاملة على صفحات الأهرام، ولم يتم نشرها كتابًا فى مصر، فرغم عدم إصدار قرار رسمى بمنع نشرها إلا أنه وبسبب الضجة التى أحدثتها تم الاتفاق بين محفوظ وحسن صبرى الخولى، الممثل الشخصى للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بعدم نشر الرواية فى مصر إلا بعد أخذ موافقة الأزهر، فطبعت الرواية فى لبنان من إصدار دار الأداب عام 1967 ومنع دخولها إلى مصر رغم أن نسخا مهربة منها وجدت طريقها إلى الأسواق المصرية.
عقدت الحكومة اجتماعا يوم 30 نوفمبر 1988، بعد ثلاثة أيام من تكريم الأديب نجيب محفوظ ومنحه قلادة النيل بمناسبة فوزه بجائزة نوبل.. فرضت الجائزة نفسها على اجتماع الحكومة، فناقشت طبع رواية "أولاد حارتنا"، والممنوعة من النشر فى مصر، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد شعير فى كتابه «أولاد حارتنا.. سيرة الراوية المحرمة".
يذكر "شعير" أن اجتماع الحكومة انقسم إلى فريقين، واحد يتزعمه الفنان فاروق حسنى ومتحمس لنشر الراوية، والثانى رافض ويتزعمه صفوت الشريف وزير الإعلام آنذاك الذى طلب عرض الموضوع على الرئيس مرة أخرى، واستقر الرأى على عدم النشر.
جاءت المفاجأة فى اليوم التالى "1 ديسمبر 1988" بإصدار «مجمع البحوث الإسلامية» تقريرًا يجدد فيه منعه لصدور الرواية، بعد أن أصدر تقريرًا أولا بالمنع قبل عشرين عاما «12 مايو 1968».. واللافت حسب «شعير» أن التقرير الثانى صدر رغم أن أحدا لم يطلبه، أو تقدم بطلب لمجمع البحوث لإبداء الرأى.. يتساءل شعير: «هل كان صفوت الشريف وراء هذا التقرير؟.. يجيب: «لا أحد يعلم الإجابة حتى الآن».
فى أكتوبر 1995 طعن نجيب محفوظ فى عنقه على يد شابين قررا اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل "أولاد حارتنا"، ونظرا لطبيعة نجيب محفوظ علق قائلا: على هولاء الشباب "أنه غير حاقدٍ على من حاول قتله، وأنه يتمنى لو أنهما لم يُعدما"، ولكن فيما بعد أُعدم الشابان المشتركان فى محاولة الاغتيال.
تجدد الجدل حول "أولاد حارتنا" نهاية 2005، حيث أعلنت مؤسسة دار الهلال عن نشر الرواية فى سلسلة "روايات الهلال" الشهرية ونشرت الصحف غلافا للرواية التى قالت دار الهلال أنها قيد الطبع حتى لو لم يوافق "محفوظ" بحجة أن الإبداع بمرور الوقت يصبح ملكا للشعب لا لصاحبه إلا أن قضية حقوق الملكية الفكرية التى حصلت عليها دار الشروق حالت دون ذلك، وأعلنت دار الشروق مطلع 2006 أنها ستنشر الرواية مقدمة للكاتب الإسلامى أحمد كمال أبو المجد أطلق عليها اسم "شهادة" كانت قد نُشِرت فى السابق فى صحيفة الأهرام بتاريخ 29 كانون الأول (ديسمبر) 1994 ونشرت العديد من الصحف نص هذه الشهادة وتم نشر الرواية فى مصر فى آخر 2006.