مع قدوم ساكن جديد فى البيت الأبيض فى يناير المقبل، ومع إجراء الانتخابات الأمريكية 2024 اليوم الثلاثاء،، فإن ملايين من الناس، وعلى بعد آلاف الأميال، فى العالم العربى يترقبون، من سيكون الوافد الجديد، وإن كانوا لا يعولون على تغيير كبير سيحدثه فى القضايا المتعلقة بالمنطقة.
سواء كانت هاريس أو ترامب، فإن مواقفهما المتعلقة بالعالم العربى تظل فى خط السياسة الأمريكية العامة المستمرة منذ عقود طويلة، أساسها الدعم التام والمستمر وغير المشروط لإسرائيل. قد يبدو الاختلاف بين ترامب وهاريس فى هذا الشأن فى الخطاب الذى يستخدمه كلا منهما، لكن السياسة تتشابه إلى حد كبير.
القضية الأكثر أهمية للعالم العربى فى الوقت الراهن هى حرب غزة المستمرة منذ أكثر من عام، ولا يبدو أنها على وشك أن تنتهى قريبا فى ظل استمرار الإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل فى القطاع، لاسيما فى الشمال، وخطاب قيادات الدولة العبرية الذى لا يرجح نهاية قريبة فى الأفق للحرب التى أودت بحياة أكثر من 43 ألف فلسطينيا.
اتسم خطاب هاريس إزاء غزة منذ بالبداية بعدم الوضوح، فى أحسن الأحوال. فرغم أنها كانت أكثر انتقادا لإسرائيل من بايدن، لاسيما فى يتعلق بعرقلة دخول المساعدات الإنسانية واستهداف المدنيين، لكنها لم تكن أكثر حدة فى موقفها فلم تؤيد موقف التيار التقدمى بالحزب الديمقراطى، والذى دعا إلى تعليق المساعدات العسكرية لتل أبيب، وتمسكت دائما بما تسميه "حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها".
كان "حل الدولتين" الذى تبنته إدارة بايدن محركا لهاريس فيما يتعلق بحرب غزة، منذ صعودها كمرشحة ديمقراطية، فتحدثت عن حق الفلسطينيين فى تقرير مصيرهم، لكنها لم تقدم مقترحات واضحة لتحقيق ذلك.
تقول بى بى سى فى تقرير عن تأثير الانتخابات الأمريكية على حروب الشرق الأوسط، إن هاريس كانت أكثر حديثا عن الحاجة لوقف إطلاق النار فى غزة، ووضعت تأكيدا أكبر على القضايا الإنسانية.
فبعد أن التقت نتنياهو فى البيت الأبيض فى يوليو الماضى، قالت إنها لن تظل صامتة إزاء الوضع فى غزة، وأنها أعربت لرئيس الوزراء الإسرائيلى عن مخاوفها الجدية بشأن حجم المعاناة الإنسانية ووفيات المدنيين الأبرياء.
لكن فى مؤتمر الحزب الديمقراطى الذى أعلنت فيه رسميا قبولها الترشيح الرئاسى، والذى عقد فى أواخر أغسطس، لم يكن هناك أى حديث عن قضية غزة، بل لم يتم تخصيص أى فقرة فى المؤتمر الذى امتد على مدار أربعة أيام ولم يكن هناك أى من المتحدثين العرب فيه.
وكان هذا أحد أسباب إحجام العرب الأمريكيين عن تأييد هاريس فى الانتخابات، فتلك الكتلة التصويتية الهامة التى منحت أصواتها لبايدن فى سباق 2020، اختارت إلا تدعم أحدا فى هذا السباق، وهو أمر قد يكون له تأثير واضح فى نتائج الانتخابات الرئاسية، خاصة فى ولاية ميتشيجان المتأرجحة التى يوجد بها عشرات الآلاف من العرب والمسلمين الأمريكيين وتضم أول مدينة ذات أغلبية مسلمة فى الولايات المتحدة.
وفى حال فوزها، من المتوقع أن تسعى هاريس إلى مواصلة محاولات التوصل لوقف إطلاق النار فى غزة، دون ضغط حقيقى يذكر على إسرائيل، سواء دبلوماسيا أو من خلال التلويح بوقف بعض مبيعات الأسلحة الهجومية.
لكن الأمر قد يختلف قليلا فيما يتعلق بالحرب فى لبنان، حيث يبدو أن جهودا حثيثة تبذل من واشنطن لوقف الحرب على الجبهة الشمالية لإسرائيل، والتى بات بشكل واضح أنها تستنزف قدرات الدولة العبرية برغم الضربات القوية التى وجهتها لحزب الله فى الأسابيع الأخيرة. كما أن الوضع فى لبنان أقل تعقيدا عما هو عليه فى غزة، فلا يوجد أسرى يجرى التفاوض بشأنهم، وهناك آفاق لإمكانية إنهاء الحرب فيها. وبالفعل شهدت الأيام الماضية نشاطا للمسئولين الأمريكيين فى لبنان من أجل التهدئة، خاصة بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة لأهداف عسكرية فى إيران.
وكانت هاريس قد أعربت فى كلمة لها فى ولاية ميتشيجان فى 19 أكتوبر الماضى، عن عزمها بذل كل الجهود الممكنة "لتحقيق وقف لإطلاق النار فى غزة وبين إسرائيل وحزب الله فى لبنان"، مؤكدة أنها ما زلت تعتقد أن "الدبلوماسية هى الحل لتحقيق الاستقرار عبر الحدود بين إسرائيل ولبنان".