تحل اليوم، 24 نوفمبر، الذكرى السابعة للحادث الأليم الذى استهدف مسجد الروضة فى قرية الروضة بشمال سيناء، فى حادث وحشى لم يُسبق له مثيل. ففى هذا اليوم من عام 2017، اختار مجموعة من الإرهابيين المسلحين أن يستهدفوا المصلين الأبرياء وهم يؤدون صلاة الجمعة فى مشهد مأساوى راح ضحيته 309 شهداء وأصيب 128 آخرون.
وقع الحادث فى وقت كانت فيه سيناء تمر عملية تطهير من الإرهاب، وتحديدا فى منطقة كانت قد عرفت بترابطها الوطنى العميق، حيث سكنها أهلها من أبطال المقاومة الذين وقفوا جنبًا إلى جنب مع الدولة فى مواجهة الاحتلال فى الماضى ومن ثم فى الحرب على الإرهاب.
قرية الروضة، التى تقع ضمن نطاق مركز بئر العبد بشمال سيناء، تقع على مسار الطريق الدولى الساحلى شمال سيناء، وتبعد حوالى 20 كيلو مترًا عن مدينة العريش، وهى ملاذًا آمنًا للعديد من أهالى سيناء والمحافظات الأخرى، حيث تمثل مكانًا يستقر فيه السكان لممارسة أنشطتهم المتنوعة مثل الرعى، وزراعة النخيل، والصيد، والعمل فى مجال تصنيع الملح.
على الرغم من الجراح العميقة التى تركها الحادث فى قلوب الأهالى، إلا أن روح الصمود والتحدى تظل سائدة فى قريتهم. فلا يمكن أن تُخفى شوارع القرية وملامح أهلها الذكرى الأليمة لأولئك الذين استشهدوا فى الحادث، وعزائهم أن أرواحهم قد ارتقت إلى الله شهداء.
القرية معروفة بمسجدها المميز الذى يطل بمأذنته المرتفعة على الطريق السريع، وبجواره تقع "الزاوية"، مقر الطريقة الجريرية الأحمدية الصوفية، التى ينتمى إليها أغلب أهل القرية وفيها يجتمعون لتلاوة القرآن الكريم وترديد الأذكار، ويأتى إليه المريدون من مختلف المناطق.
يقول الشيخ مسعد حامد أبو جرير، شيخ الطريقة الجريرية الأحمدية، أن "قرية الروضة كانت دائمًا عامرة بذكر الله، وكان أهلها يعيشون فى أمن وسلام". وأضاف: "رغم ما تعرضوا له من إرهاب وغدر، فإنهم يواصلون دعم وطنهم، ويدفعون بالراية الوطنية إلى الأعلى". واصفًا الحادث بأنه كان "رسالة صمود وتحدٍ، ولن يتزعزع أحد عن موقفه فى دعم الوطن".
وفى شهادته عن الحادث، روى الشيخ محمد رزيق، إمام مسجد الروضة، الذى كان أحد شهود العيان على الحادث، قائلاً: "كنت على المنبر ألقى السلام فى بداية خطبتى عن 'محمد رسول الإنسانية'، وإذا بى أرى مجموعة من الإرهابيين يتقدمون نحو المسجد ويطلقون النار". وأضاف: "فى غضون دقائق قليلة، دخلوا المحراب وأطلقوا النيران على المصلين، وتحولت الأجواء إلى فوضى وصراخ".
وذكر الشيخ رزيق أنه فور وقوع الحادث، لجأ إلى ركن بجانب المنبر، حيث ظل ينطق بالشهادتين وسط الفوضى وحركة المصلين الذين كانوا يحاولون الهروب من الموت. وحين هدأ الموقف، اكتشف أنه أصيب برصاصة فى الركبة، إلا أنه ظل صامدًا إلى أن تم نقله إلى المستشفى حيث تلقى العلاج وتابع مراحل التعافى حتى تماثل للشفاء.
على الرغم من فظاعة الحادث، عادت الحياة إلى مسجد الروضة بعد فترة من الألم، وأصبح المسجد يستقبل المصلين كما كان من قبل. وأكد إمام المسجد أنه قد اجتهد بعد الحادث ليحصل على درجة علمية جديدة، وساهم فى الأنشطة التى تقام فى المسجد. وأضاف: "قمت بتأليف كتابين، أحدهما يروى قصائد شعرية تتناول شهداء الروضة، والآخر يروى فيه شهادته عن الحادث وكيف عاش الناجون منه".
من بين القصص المحزنة التى لا تزال حية فى ذاكرة أهالى قرية الروضة، تبرز حكاية الطفل "فارس" الذى كان فى الرابعة من عمره، وهو أصغر شهداء حادث مسجد الروضة. الطفل الذى طالته يد الغدر فى ذلك اليوم المأساوى، حيث استشهد هو وشقيقه "هشام" البالغ من العمر 10 سنوات، مع جديهما، بينما أصيب والده.
يحكى عمه، الدكتور يوسف سلامة القرم، تفاصيل الحادث قائلاً: "كان يوم الجمعة، مثل كل جمعة، عندما اصطحب والدى (سلامة سالم القرم) أحفاده فارس وهشام لأداء صلاة الجمعة فى المسجد، كما كان يفعل دائمًا. ومعهم كان والدهم عبدالرحمن، وجدهما الآخر (سلمان موسى القرم)".
ويضيف: "قبل مغادرتهم منزلهم فى جنوب قرية الروضة، كان الطفل فارس عازماً على وداع جدته بكلمات وقبلات، وكأن قلبه الصغير كان يشعر بأنه لن يعود". وكأن هذا المشهد كان بمثابة تحذير للمأساة التى ستقع لاحقًا.
فى داخل المسجد، اصطف المصلون لأداء صلاة الجمعة، وكانت لحظات الإيمان والصلاة هى آخر لحظات العائلة قبل أن تطالهم رصاصات الغدر من الإرهابيين. فقد استشهد الطفلان فى حضن جديهما، اللذين كانا فى السبعينيات من العمر إلى جانب أكثر من 300 شهيد من كل الأعمار، بينما أصيب والدهم عبد الرحمن ليهرعوا به لتلقى العلاج مع اكثر من 100 من الناجين الذين اصيبوا.
وأضاف الدكتور يوسف: "كانت المفارقة أن والدى وأخى عبدالرحمن اصطحبا الأطفال إلى المسجد فى يوم جمعة عادى، ولم يكن أحد منهم يتوقع أن تلك ستكون آخر لحظات حياتهم".
و شهدت قرية الروضة شمال سيناء زيارة هامة لكل من الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، واللواء دكتور خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، وادى الجميع صلاة الجمعة فى مسجد الروضة، بحضور الشيخ مسعد حامد أبو جرير، شيخ الطريقة الأحمدية الجريرية، والدكتور محمد أبو هاشم، أمين سر اللجنة الدينية بمجلس النواب.
فى كلمته، أكد وزير الأوقاف أن هذا اليوم يمثل "يومًا عزيزًا على قلوبنا" ويعد ذكرى مؤلمة لا تُمحى من التاريخ، إذ تذكرنا به الحادث الإرهابى الذى استهدف المسجد وأودى بحياة 309 شهداء من الأبرياء أثناء تأديتهم صلاة الجمعة. وأضاف قائلاً: "لقد انتهكوا الحرمات بيد الإثم والعدوان، لكننا اليوم نحيى ذكرى شهدائنا الأبرار، ونحن على يقين أن صفحة الإرهاب الأسود قد طويت إلى غير رجعة". وأكد وزير الأوقاف أن سيناء ستظل أرض البطولات والأبطال الذين ضحوا بأرواحهم فداءً للوطن.
من جانبها، قامت الدولة بجهود كبيرة لتحسين حياة أهالى قرية الروضة بعد الحادث الأليم، حيث أعلنت محافظة شمال سيناء عن تنفيذ مشروعات تطوير شاملة فى القرية، شملت إنشاء 51 منزلًا جديدًا بتكلفة 15.2 مليون جنيه، ورفع كفاءة 584 منزلًا بتكلفة 68.8 مليون جنيه. كما تم توفير مبنى خدمى بتكلفة 2.9 مليون جنيه، بالإضافة إلى مشروعات أخرى فى القطاعات الخدمية مثل إنشاء محطة مياه، ومركز شباب، ومزرعة سمكية، ومشروع تصنيع الملح.
وأوضحت بيانات جهاز تعمير سيناء أن قيمة ما تم تقديمه لأهالى القرية من تعويضات ومشروعات بلغ 164 مليون و700 ألف جنيه، من بينها 65 مليون جنيه من وزارة التضامن الاجتماعى، 81 مليون و200 ألف جنيه من وزارة الإسكان، و16.5 مليون جنيه من وزارة الأوقاف، إضافة إلى مليونين من الأزهر الشريف.
كما أشارت البيانات إلى أنه تم صرف تعويضات مالية لأسر الشهداء بمبلغ 62 مليون جنيه، إضافة إلى مساعدات مالية للمصابين. ودعمت مؤسسة الأزهر الشريف الأهالى من خلال مساعدات مالية عاجلة وتقديم الدعم المعنوى لهم فى هذه اللحظات الصعبة، بما فى ذلك تأشيرات الحج لعدد من أهالى الشهداء.
هذه الجهود الحكومية والشعبية تأتى فى إطار تقدير التضامن الكبير مع أهل الروضة، وتجسد إرادة مصر فى مواجهة الإرهاب والتطرف، وتؤكد أن سيناء ستظل درة تاج الوطن.
هنا مسجد الروضه
من الانشطة والفعاليات بالقرية
من شباب القرية
من فن انتاج اهل القرية
مسجد الروضة الذي شهد الحادث
اطفال من قرية الروضة
ابناء الشهداء
قرية الروضة
اهال الروضه
من محيط مسجد الروضة
المسجد تحول لمسجد الشهداء