تدخل سوريا مرحلة جديدة في تاريخها السياسي والعسكري، مع إعلان الفصائل المسلحة السيطرة على العاصمة دمشق وأكبر المدن في البلاد لا سيما حلب وحماة وحمص، وذلك بعد صراع مسلح ممتد منذ حوالي 13 عاما في سوريا التي تعاني من صراعات طائفية وإثنية.
ويترقب المجتمع الدولي ما ستسفر عنه التحركات التي تقودها الفصائل المسلحة في سوريا مع احتدام الصراع بين مكونات المعارضة التي تقيم بالخارج، وعدم اتفاقها على رؤية أو خطة موحدة لتفعيلها عقب سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما يستلزم تحركا فاعلا من الدول العربية لدعم السوريين في هذه المرحلة الصعبة.
وأكد مراقبون أن الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية التي فرضت حصارا على سوريا بسبب استمرار الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم، ستعمل على دعم التحركات التي يقودها المسلحين للسيطرة على كامل التراب السوري وتشجيعها على تشكيل جسم سياسي يقود المرحلة الانتقالية في البلاد إلى حين إجراء انتخابات في سوريا.
وأوضح المراقبون أن المرحلة الانتقالية التي سيجري الحديث عنه تفاصيلها خلال الأسابيع المقبلة قد تمتد لعامين يتم فيها العمل على تهيئة الأجواء في معالجة آثار الصراع المسلح، مؤكدين أن التحدي الأكبر للدولة السورية سيتمثل في الصراع على النفوذ بين الفصائل المسلحة المتباينة في الرؤى والمواقف حول نظام الحكم في البلد الذي يذخر بطوائف وإثنيات مختلفة.
وأشار المراقبون إلى أن المكون الكردي الذي يسيطر على 25% من مساحة سوريا سيكون لاعبا رئيسيا خلال المرحلة المقبلة حيث يخطط الأكراد لإقامة نظام حكم فيدرالي في المناطق التي يسيطرون عليها وهو ما ترفضه الفصائل المسلحة التي تقودها ما تسمى بـ"هيئة تحرير الشام" وجماعات أخرى مسلحة، وهو ما تسبب في اشتباكات عنيفة ستسمر خلال الفترة المقبلة لحسم السيطرة على الحدود التركية السورية المشتركة.
ومن المتوقع أن تعمل الفصائل المسلحة في سوريا على تفكيك المؤسسات الأمنية والعسكرية بذريعة تبعيتها الكاملة للرئيس السابق بشار الأسد، وهو ما يهدد بفوضى أمنية وعسكرية عارمة في ظل عدم وجود خطة سورية لإعادة هيكلة المؤسستين الأمنية والعسكرية في البلاد، فضلا عن إمكانية تضرر دول الجوار السوري من هذا القرار.
وستركز بعثة الأمم المتحدة في سوريا خلال الفترة المقبلة على تنظيم حوار سياسي سوري والدعوة لكتابة دستور جديد للبلاد ينظم الحكم في البلاد، ويمكن أن تكون المسودة التي وضعتها اللجنة الدستورية المشكلة من الأمم المتحدة أساسا في وضع دستور جديد للبلاد.
ويعد ملف المرتزقة والمقاتلين الأجانب أحد أبرز التحديات التي ستواجه الدولة السورية في كيفية إخراج هؤلاء المتطرفين من البلاد خلال الفترة المقبلة، وذلك في ظل دعم أطراف إقليمية ودولية لهذه العناصر التي تلعب دورا خطيرا بمحاولتها تغيير ديموغرافية سوريا وتقسيمها على أساس طائفي وعرقي.
ويسود المشهد السوري تعقيدات كبيرة في ظل الانهيار الاقتصادي بالبلاد وعدم وجود أي رؤية مستقبلية لإعادة الإعمار، وهو ما يتطلب دعما كبيرا من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية الذين دعموا إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، وسيركز الجانب الأمريكي على الدفع نحو بناء نظام جديد في سوريا يميل إلى المحور الأمريكي ضد المحور الروسي لكن تبقى القواعد العسكرية لروسيا أحد أبرز المعوقات لتحقيق ذلك، مما يدفع نحو صراع ممتد بين الجانبين تكون نتائجه فوضى إقليمية.
وأوضح مراقبون أن اللاجئون السوريون لن يقدموا على العودة إلى بلادهم في ظل عدم وجود نظام حكم مستقر وقوي، مشددين على أهمية وجود دور عربي فاعل في بناء سوريا الجديدة وعدم ترك بلاد الشام للقوى والأطراف الخارجية التي تسعى لتنفيذ مخططاتها في منطقة الشرق الأوسط، وذلك في إطار تحركاتها لرسم حدود دول المنطقة من جديد.