اعتزمت المقاومة الفدائية فى بورسعيد توجيه ضربة موجعة إلى قوات العدوان الثلاثى «إنجلترا، فرنسا، إسرائيل»، التى بدأت عدوانها على مصر بغارة إسرائيلية على سيناء يوم 29 أكتوبر 1956، فحددت الهدف، وعقدت الاجتماعات، ووزعت التكليفات، وكان الحصار كبيرا، حسبما يذكر عبدالفتاح أبوالفضل فى مذكراته «كنت نائبا لرئيس المخابرات».
كان عبدالفتاح أبوالفضل ومحمد فائق، الرئيس السابق للمجلس القومى لحقوق الإنسان، ضمن القيادة الرئيسية للفدائيين فى الإسماعيلية أثناء العدوان الثلاثى، وفى يوم 16 نوفمبر 1956، انتقل الاثنان إلى بورسعيد ودخلاها متنكرين فى ملابس الصيادين، تنفيذا لقرار بتوجه نصف القيادة الرئيسية للفدائيين من الإسماعيلية إلى بورسعيد، لتعظيم العمليات الفدائية ضد القوات المعتدية من إنجلترا وفرنسا، التى دخلت المدينة منذ بدايات شهر نوفمبر،
بدأ «أبوالفضل» فى ممارسة مهامه ببورسعيد، ويكشف أنه عقد اجتماعا بحضور الرائد سمير غانم قائد المقاومة السرية، والرائد جلال هريدى قائد الصاعقة، ومصطفى الصياد المشرف على الجماعات الفدائية، لوضع خطة مشتركة لضرب مركز الدبابات البريطانية، الذى يقع فى شارع 23 يوليو أمام المبرة.
يكشف «أبوالفضل» أن الخطة قضت بأن تقوم قوات الصاعقة، بقيادة الملازم حسين مختار على، بمهاجمة المركز بالتنسيق مع قيادة المقاومة الشعبية، فتتولى المقاومة تأمين انسحاب قوات الصاعقة بعد تنفيذ الهجوم، ويذكر كتاب «الأطلس التاريخى لبطولات شعب بورسعيد 1956»، إعداد ضياء الدين حسن القاضى، أسماء مجموعة الصاعقة وهم «الرائد جلال هريدى، ملازم إبراهيم الرفاعى، نبيل الوقا، حسين مختار، أحمد الطاهر، محمد أحمد الجيار، محمد أحمد وهبى، عبدالعزيز منتصر، أحمد عبدالله إسماعيل، طاهر الأسمر، فاروق الأسمر، مدحت الردينى، سيد حطبة، صبرى شلبى، عصام إبراهيم، محمود عادل أحمد، عبدالمجيد إدريس، مازن مشرف، ومن ضباط القوات المسلحة رائد صلاح زعزوع، محمد أبونار، نعمان رجب، ملازم منير موافى، محمد فرج».
يؤكد «أبوالفضل» أنه فى المساء احتلت أطقم الفدائيين مواقعها المختارة بدقة، وكان الملجأ به سبعة عشرة دبابة وعربة مدرعة بريطانية، وتقوم على حراسته نقط بريطانية مسلحة، وكان مبنى السجن قريبا من مركز الدبابات، وقام الرائد سامى خضير بمهمة تسجيل مجموعة الصاعقة التى ستهاجم الملجأ فى دفتر المساجين، كان سامى ضابط اتصال مع المقاومة، وفى الوقت نفسه كان السجن يقع ضمن مهامه الأمنية الرسمية، ولهذا بدا تصرفه طبيعيا، وحسب «الأطلس التاريخى»، فإنه تم تسجيل الضباط، طاهر الأسمر، ومدحت الدرينى، ونبيل الوقاد، وجلال هريدى وآخرين.
يذكر «أبوالفضل» أن الخطة قامت على أن يتم إطلاق سراح رجال الصاعقة من السجن بعد موعد منع التجول، وكان الطريق المؤدى إلى الموقع المستهدف يصعب سير العربات فيه، نظرا لكثرة أنقاض المنازل المهدمة، لذلك تم اختيار هذا الطريق ليكون طريق تقدم وانسحاب المهاجمين، وبدأ التنفيذ فى منتصف الليل بهجوم رجال الصاعقة على الدبابات الرابضة فى ملاجئها بأسلحتهم المضادة للدبابات، فتمكنوا من تدمير أربع دبابات وجميع العربات المدرعة، كما أصابوا معظم أفراد الحراسة البريطانية.
دوت فى أرجاء بورسعيد أصوات تبادل إطلاق النار، وانطلاق المدافع وانفجار الدبابات البريطانية، وحسب وصف «أبوالفضل»: «أخذت المدينة تهتز من تأثير الانفجارات»، وفور إتمام العملية انسحبت قوات الصاعقة مستخدمة الطريق المهدم حسب الخطة الموضوعة، وكان من المقدر أن يعود إلى السجن أفراد القوة المشاركة فى العملية والمسجلين فى الوقت نفسه بدفاتر السجن كمساجين للمبيت حتى الصباح، وقامت الدوريات البريطانية بالتجول لقطع خط الرجعة على المهاجمين ومطاردتهم، فاشتبكت معهم قوات المقاومة الشعبية، حسب الخطة، لتعيق تقدم الدوريات التى تطارد أفراد الصاعقة، وحدثت بعض الخسائر فى الأفراد.
يؤكد «أبوالفضل» أن هذه العملية كانت آخر عمليات قوات الصاعقة فى بورسعيد، والسبب أن السلطات البريطانية استشعرت أن عملية «مركز الدبابات» وغيرها من العمليات المخططة تمت بيد رجال مدربين على مستوى عال، فتمكنت من معرفة مكان مبيتهم وداهمته فى ليلة 15 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1956، واعتقلت سبعة من ضباط الصاعقة ومعهم الدكتور حسن جودة، الذى كان يقيم معهم فى عيادته المطلة على شارع صفية زغلول ورمسيس.
كانت عيادة الدكتور حسن جودة هى المكان السرى الذى يختبئ فيه هؤلاء الأبطال، وبعد القبض عليهم أخذتهم القوات البريطانية كأسرى، ويذكر «أبوالفضل» أنه تم ترحيلهم عند بدء الجلاء عن بورسعيد على البوارج البريطانية، وأنزلوهم فى قبرص ثم عادوا منها إلى القاهرة بعد إتمام عملية الانسحاب من بورسعيد.