تنوع طائفى وعرقى يشكل فسيفساء سوريا.. السنة الأكثر انتشارا بالبلاد.. انتشار للعلويين والمسيحيين فى الساحل السورى.. هيمنة كردية على الشمال والشرق.. وأقليات الأرمن والشركس والدروز يتخوفون من بطش التيارات المتشددة

الخميس، 26 ديسمبر 2024 05:30 م
تنوع طائفى وعرقى يشكل فسيفساء سوريا.. السنة الأكثر انتشارا بالبلاد.. انتشار للعلويين والمسيحيين فى الساحل السورى.. هيمنة كردية على الشمال والشرق.. وأقليات الأرمن والشركس والدروز يتخوفون من بطش التيارات المتشددة الدروز في سوريا
كتب أحمد جمعة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تتكون الدولة السورية من خليط من مذاهب وإثنيات دينية على مدار العقود الماضية ولعل أبرز مكوناته السنة والمسيحيون والدروز والشيعة والأكراد والتركمان والآشوريين والشركس والأرمن، وكانت سوريا ملتقى حضارات وثقافات متباينة على مر العصور، وتصنف واحدة من أكثر دول منطقة الشرق الأوسط تنوعا طائفيا وعرقيا وثقافيا.

مع اندلاع الثورة السورية فى مارس 2011 خرجت عدد من الطوائف السورية للتظاهر ضد نظام حكم الرئيس السورى السابق بشار الأسد نتيجة سياسات التهميش والقمع والوضع الاقتصادى المتدهور للبلاد، فضلا عن انخراط سوريا فى "لعبة المحاور الإقليمية" حتى شكلت تهديدا لدول الجوار السوري.

وتؤكد غالبية النخب السورية على أن الطائفية فى شكلها المتشدد دخيلةٌ على المجتمع المتسامح بشكل نسبى، وقد ظهرت مظاهر الفرز الطائفى منذ تولى الرئيس الأسبق حافظ الأسد مقاليد الحكم فى البلاد، وتسببت عملية توريث السلطة لنجله بشار فى اللعب على وتر الطائفية، ويحمل البعض آل الأسد انتشار الطائفية وعدم محاربتها خلال العقود الماضية بالعمل على إدارة جذور الصراع بين الإثنيات والطوائف وليس حلها.

العرب

يعد المكون العربى أحد أكبر المكونات المتواجدة فى سوريا حيث يشكلون 80% من مجموع سكان البلاد، ويعود تاريخ تواجدهم فى البلاد إلى ما قبل الإسلام فى شكل قبائل عشائر وقبائل حرصت على توطيد أواصر الإخوة بالزواج بين سكان الشام القدامى والقبائل العربية التى استوطنت سوريا فى العصر الحديث.

وتعد العربية هى اللغة الرسمية للدولة السورية ويتحدث الشعب السورى بلهجته التى دخلت عليها بعض الكلمات الأجنبية المعربة أو الدخيلة، وتتميز بلاد الشام بأنها أرض خصبة للأدباء والشعراء وعلماء اللغة العربية حيث تأسس أول مجمع للغة العربية فى العالم بالعاصمة السورية دمشق.

الطائفية الشيعية

تعود جذور شيعة سوريا إلى القرن الأول الهجرى منذ الفتنة بين على ومعاوية، وازدادت أعدادهم بشكل كبير فى القرن الرابع الهجرى مع ظهور الدولة الحمدانية فى مدينة حلب، ثم دولة الفاطميين التى كثفت من جهودها لنشر التشيع فى سوريا خصوصا فى دمشق، ثم عادت للانحسار مع بداية الدولة الأيوبية التى حاربت التشيع مجددا، وكذلك أيام الدولة العثمانية، إلى أن أصبح الشيعة يمثلون أقلية صغيرة محدودة فى بعض المناطق.

الطائفة السنية

تشكل الطائفة السنية أكبر الطوائف فى سوريا، والمذهب الأكثر انتشارا هو المذهب الشافعى، وتتميز سوريا بوجود لافت للصوفية فى كافة أنحاء البلاد.

وانتشر الإسلام فى سوريا عام 636 فى عهد الخليفة عمر بن الخطاب عقب فتح خالد بن الوليد وأبى عبيدة بن الجراح للعاصمة دمشق بشكل سلمى ودون قتال، وذلك نتيجة للظلم والقمع والطغيان الذى مارسته الدولة البيزنطية ورغبة السوريين فى التخلص من هذا القمع، انتشر الدين الإسلامى فى العهد الراشدى فى المدن الكبرى، فيما بقيت الأرياف والقبائل الكبرى مسيحية حتى القرن العاشر.

ولاحقا أصبحت دمشق عاصمة الدولة الأموية ما أدى إلى ازدهارها على كافة الأصعدة، وشهدت العاصمة السورية تعمير الكثير من المساجد وسكنها عدد كبير من الصحابة والتابعين والعلماء، إلا أن الخلافات القبلية فى مدينتى حمص ودمشق أضعفت سوريا، ما ساهم فى تأسيس الدولة العباسية التى نقلت عاصمة دولة الخلافة إلى بغداد.

وفى العصر العباسى ارتفعت أسهم العلويين، الدروز، الإسماعيليون، وتمركزوا فى عدة مدن سورية حتى عصر المماليك الذين اهتموا بدمشق وحدها.

الطائفة العلوية

نتيجة انتماء بشار الأسد إلى الطائفة العلوية، وقف العديد من العلويين إلى جانب النظام السورى السابق خوفًا من الانتقام الطائفى فى حال سقوطه، ورغم ذلك خرجت أصوات معارضة من بين العلويين ضد نظام حكم الأسد ولكنها بقيت محدودة مقارنة بالمؤيدين لحكم آل الأسد.


يعود تشكل المذهب العلوى إلى محمد البصرى فى القرن الثالث هجرية، واستمر المذهب من بعده فى كنف الدولة الحمدانية، حتى تم إنشاء مركزين للطائفة أحدهما فى حلب، والآخر فى بغداد.

دمر "هولاكو" خلال غزوه للعاصمة بغداد مركز الطائفة العلوية فى العراق، بالإضافة لنقل مركز الطائفة من حلب إلى اللاذقية، وظل العلويين يعيشون فى كنف الدول المتعاقبة على حكم سوريا حتى تقسمت البلاد وشكلت الطائفة العلوية دولة لها عام 1920 حتى 1936 إلا أنهم عادوا مجددا ضمن الدولة السورية واندمجوا فيها ضمن خطة حافظ الأسد وأبنائه الذين عملوا على خلق نظام حكم مركب قادر على بسط الطوائف كافة تحت قبضته القوية.

الأكراد

عانت الطائفة الكردية فى سوريا من القمع والحرمان والتهميش من أبسط حقوقهم الأساسية نتيجة عدم اعتراف الحكومات السورية المتتالية بالهوية الكردية، ورفضت مؤسسات الدولة السورية استخدام اللغة الكردية فى مدارس الأكراد أو الصحف والإصدارات المكتوبة.

وبقيت الطائفة الكردية بدون جنسية منذ ستينيات القرن الماضى برفض الدولة منح حوالى 300 ألف من الأكراد الجنسية السورية، وصادرت الدولة السورية أراضى الكرد وأعادت توزيعها على العرب فى محاولة "لتعريب" المناطق الكردية، إلا أن المكون الكردى عمل على الحفاظ على تواجده الجغرافى فى شمال وشرق سوريا خلال العقود الماضية، وغالبية المكون الكردى من المسلمين السنّة، وفيهم أعداد قليلة من المسيحيين واليزيديين.

يعود تواجد الأكراد فى سوريا إلى عام 1952 بسبب الاشتباكات بين الجماعات الكردية والجيش التركى، ويعيش معظمهم فى مدينة الحسكة ومنطقتين صغيرتين شمال حلب، وكثير منهم يعيش فى المدن الكبرى، وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية منذ عام 2015 فى توسيع مناطق نفوذها فى شمال وشرق سوريا.

واتخذت الطائفة الكردية موقفا محايدا مع اندلاع الثورة السورية والمواجهات المسلحة، وفى منتصف 2012 انسحبت قوات الجيش السورى من المناطق الكردية لتركز على قتال المسلحين فى مناطق أخرى، ففرضت القوات الكردية سيطرتها على المنطقة، وأعلنت قوات "قسد" فى عام 2014 إقامة الحكومة الكردية الإقليمية، وأكدوا على أنهم لا يسعون إلى الاستقلال، بل إلى "إدارة محلية ديمقراطية".

الطائفة اليزيدية

يتركز تواجد اليزيديين فى مدينتى الحسكة وعفرين ويتحدثون اللغة الكردية بشكل رئيسى مع عادات وتقاليد عربية، وتعد هذه الطائفة من الطوائف المنغلقة على نفسها ولا تسمح بزواج أبناءها من القوميات أو الأديان الأخرى، ويعود أصل الطائفة ومكان وجودهم فى سوريا إلى العصور القديمة.

المسيحيون

اتخذ المسيحيون فى سوريا موقفا حذرا عقب اندلاع الثورة السورية بسبب تخوفهم من صعود التيارات المتطرفة والمتشددة التى يرون أنها تهدد وجودهم وبقاءهم فى البلاد، وحرص المسيحيون على الوقوف بشكل محايد فى الصراع المسلح الذى استمر فى سوريا لمدة 13 عاما.

ويعد سكان سوريا من أوائل الشعوب التى اعتنقت الديانة المسيحية باعتناق الآراميون وبعض القبائل العربية المقيمة فى سوريا للديانة المسيحية، وتعد سوريا مركزا مهما للديانة المسيحية، إذ يوجد على امتدادها العشرات من الأديرة والكنائس والمراكز المقدسة فى التاريخ المسيحي.

ترتفع نسبة المسيحيين فى مدن ومحافظات دمشق وحمص واللاذقية والجزيرة الفراتية، وقد ازداد عددهم من خلال هجرتين أولهما هجرة الأرمن والثانية هجرة الأشوريين، إلا أن عددهم عاد للتناقص منذ منتصف القرن العشرين بسبب الصراعات الإقليمية والدولية.

الأرمن

نتيجة الحروب والاضطرابات التى عانى منها الأرمن، هاجر كثير منهم إلى سوريا، واستقروا هناك، ويعيش معظمهم فى مدينة حلب وبلدة كسب فى اللاذقية.

وتلعب الكنيسة دورا بارزا فى توحيد الأرمن، إذ أن الغالبية العظمى من الأرمن هم من الديانة المسيحية، خصوصا أن حلب كانت مركزا مهما للحجاج الأرمن الذاهبين للقدس.

ويحظى الأرمن منذ عام 1928 بتمثيل فى الهيئة التشريعية السورية، وسوريا هى البلد العربى الثانى بعد لبنان الذى اعترف بـ "الإبادة الأرمنية".

وقدرت تقارير وإحصائيات غير رسمية عدد الأرمن فى سوريا قبل عام 2011 بحوالى 100 ألف شخص، حيث سكن أكثر من 60 ألف منهم فى حلب، فيما توزع الآخرون على مدن الكسب والقامشلى واليعقوبية وعين العرب ودير الزور والعاصمة دمشق.

الآشوريون

الآشوريون أو السريان أو الكلدان، ينحدرون عرقيا من حضارات قديمة فى منطقة الشرق الأوسط، أهمها الآشورية والآرامية، وهم من أول المعتنقين للديانة المسيحية من القرن الأول الميلادى، ويتميزون بلغتهم السريانية وهى إحدى لهجات اللغة الآرامية.

وتتواجد الطائفة الآشورية فى القامشلى بشكل ملحوظ، ويشكلون حوالى ثلث مسيحيى سوريا.

الدروز

تعرضت الطائفة الدرزية فى القرن التاسع الهجرى لما يسمى بالمحنة من قبل الدولة الفاطمية، وخصوصا فى مدينتى حلب وأنطاكية، مما دفعهم للتحرك نحو جبل العرب فى الجولان الذى أصبح معقلا تاريخيا لهم منذ تلك الفترة حتى اليوم.

وخلال الاحتلال الفرنسى لسوريا اندلعت الثورة العربية الكبرى من جبل العرب بقيادة سلطان باشا الأطرش، ويشكل الدروز نسبة كبيرة من سكان الجولان المحتل من قبل إسرائيل اليوم، إضافة للسويداء الواقعين جنوب سوريا.

ويحاول الدروز الحفاظ على حيادهم النسبى خاصة داخل مدينة السويداء، والأغلبية منهم فضلوا تجنب المواجهة مع قوات النظام السورى بقيادة بشار الأسد، وعملوا على النأى بأنفسهم عن وقوع أى اشتباكات مسلحة فى مناطقهم.

الطائفة التركمانية

يتواجد التركمان فى غالبية مدن سوريا ونجحوا فى الاندماج مع المجتمع مع تمزكزهم فى قرى اللاذقية وحلب التى تتحدث التركمانية حتى اليوم، وانخرط التركمان فى صفوف الفصائل المسلحة وشكلوا ألوية مسلحة قاتلت بشكل رئيسى الجيش السورى وتنظيم داعش الإرهابي.

ويرجع أصل التركمان إلى العائلات التركية الممتدة ممن دخلوا سوريا مع السلاجقة والمماليك والعثمانيين، والذين اندمجوا مع الشعب السورى، كما تعود أصول بعضهم إلى قبائل تركية دفع بهم العثمانيون فى الريف للتخفيف من وجود العشائر التى تعتمد على الرعي.

الشركس

هجر الشركس من بلادهم فى القوقاز قسريا فى نهاية القرن السابع عشر إلى أنحاء الإمبراطورية العثمانية، بسبب تهديدات روسيا بالقتل أو النقل أو التوطين فى معسكرات جماعية، وتحت طائلة التنصير القسري.

ويتواجد عدد قليل من الشركس فى سوريا منذ العصور القديمة مع دولة المماليك كجنود وقادة جيوش، وقد استقر معظمهم فى هضبة الجولان المحتلة، ولهم عدة قرى حول المدن الرئيسية، وبعض الأحياء الرئيسية فى المدن كحى المهاجرين فى دمشق وحى الشراكس فى جبلة.

وتحافظ طائفة الشركس بصورة جيدة على لغتهم وتقاليدهم الشركسية.

إلى ذلك، قدم مراقبون عدة نصائح للإدارة السورية الجديدة كى تحافظ على "فسيفساء سوريا" والتنوع الطائفى فى البلاد بضرورة العمل على تحصين الحدود لمنع تدفق الموارد والمقاتلين الأجانب، تجفيف مصادر التمويل الأجنبى للزعماء والأحزاب الطائفية وأمراء الحرب، إصدار قانون مكافحة الطائفية، تحديد وظيفة دور العبادة وجعلها للشعائر الدينية حصرًا.

وطالب المراقبون بضرورة محاربة الإعلام التحريضى على الطائفية، تشجيع الحوار والتعاون بين جميع الأطراف المعنية لتحقيق السلام والاستقرار فى سوريا، من خلال برامج توعوية تقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى، سنّ قانون لتجريم الطائفية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة