انصرف الطالب طه حسين عن مواصلة دراسته بالأزهر، وتوجه إلى الجامعة المصرية منذ أن فتحت أبوابها عام 1908، كما بدأت صلته بجريدة «الجريدة» وعند مديرها أحمد لطفى السيد «كان يلقى من شيوخ المطربشين وشبابهم قوما كثيرين، وكانت أحاديثهم تفتح له أبوابا من العلم والمعرفة لم تكن تخطر له ببال من قبل»، حسبما يذكر فى سيرته «الأيام».
فى عام 1909 يتعرف طه حسين على الشيخ عبدالعزيز جاويش، المولود عام 1876 أى أنه يكبر طه بنحو 13 عاما، ويصفه فتحى رضوان فى كتابه «مشهورون منسيون»، قائلا: «الحق أن عبدالعزيز جاويش رجل فكر، خلق ليعلم الناس، ويأخذ بيدهم، فى رفق الأبوة، وحنو المرشدين، وليناقش أصعب من مشكلات العلم فى أناة وصبر، وسيلته الحجة، ولكنه نزل إلى حلبة السياسة، فلبس دروعها، وامتشق سيوفها، واختار أن يكون قائدا من قوادها فى فترة من الزمن اشتد فيها أوار النزاع السياسى فى مصر، وتعددت معسكراته، وأصبحت معاركه حياة أو موت».
يضيف «رضوان» أن «جاويش» بدأ فى عام 1905 دوره الذى استمر فيه حتى فارق دنيانا، حيث تعرف على الزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد، وبعد وفاة مصطفى كامل يوم 10 فبراير 1908، استقال من وظيفته الحكومية، وتولى رئاسة تحرير «اللواء» خلفا للزعيم الشاب، ونشر فى اللواء مقاله السياسى الأول يوم 3 مايو 1908، وقال فيه: «أستقبل هذه الحياة المحفوظة بالمخاطر منبريا فى ميدانها، فإما إلى الصدر، وإما إلى القبر».
أصبح «جاويش» من أكبر قيادات الحزب الوطنى، ويصدر العدد الأول من مجلة «الهداية» فى فبراير 1910، ويضعها طه حسين ضمن مآثر «جاويش» عليه، حيث يذكر فى «الأيام» أنه «طلب إليه أن يشارك فى تحريرها، ثم ترك له أو كاد يترك له الإشراف على هذا التحرير، وكان له الفضل كل الفضل فيما تعلم من إعداد الصحف وتنسيق ما ينشر فيها من فصول»، ويؤكد «طه» أن «الهداية» لم تخلو من جدل عنيف، ويستشهد بالمعركة بينه وبين «جاويش» حول «السفور» و«الحجاب»، وبدأت فى 1 يناير 1911 حتى 3 مارس من العام نفسه.
يذكر الكاتب والناقد رجاء النقاش فى دراسته «طه حسين والأحزاب السياسية» المنشورة ضمن كتاب «طه حسين كما يعرفه كتاب عصره»: «أن هذه المعركة تكشف لنا كيف كان هناك اختلاف واسع بين التفكير العصرى المتحرر الذى آمن به طه حسين، وبين التفكير المحافظ الذى كان يعيش فى ظل الحزب الوطنى».
يضيف «النقاش»: «كان طه حسين يدافع عن سفور المرأة وتحريرها من الحجاب، وهى فكرة عصرية، أخذها من تفتحه على الثقافة الغربية والحضارة الغربية، وكتب عام 1911 سلسلة من المقالات يدعو فيها إلى هذا الرأى، وهو يلخص مقالاته فى هذه الكلمات، فيقول: «لا فرق بين المرأة والرجل فى الحرية، وكلاهما مأمور بمكارم الأخلاق منهى عن مساوئها، محظور عليه أن يتعرض لمظان الشبه، فالمرأة لا تخلو بالأجنبى ولا تسافر وحدها ولا تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، ولها بعد ذلك أن تفعل ما تشاء فى غير إثم ولا لغو، لها أن تطرح النقاب وترفع الحجاب، وتتمتع بلذات الحياة كما يتمتع الرجل، وليس عليها إلا أن تقوم بما أخذت به من الواجب لنفسها وزوجها والنوع الإنسانى كافة، هذا هو حكم الإسلام، وهو رأينا الذى لا نحيد عنه، ولا نعدل به رأيا آخر».
يعلق «النقاش»: «كان هذا الرأى الذى قال به طه حسين يعتبر رأيا تقدميا، مفرطا فى تقدميته، يحسب ضمن آراء المدرسة المتطرفة - آنذاك فى تحرير المرأة - وعلى رأسهم قاسم أمين»، يضيف النقاش: «رد على هذا الرأى الشيخ عبدالعزيز جاويش، قائلا: «رأى الأستاذ طه يعتمد على أصلين أوليين: الأول: ظنه أن الحجاب إنما اصطنع ليكون عقوبة على المرأة، والثانى قوله إن المرأة والرجل إذا نشآ على قواعد الدين وأصوله وهذبت أخلاقهما أمنا عادية الشر ولم نحتج إلى حجاب ونقاب».
يضيف «جاويش»، أما الأصل الأول فنحن نخالف الأستاذ فيه، نقول إن الحجاب لم يتخذ عقوبة للمرأة ولا حجرا عليها، وإنما اتخذ تكريما لقدرها وتعظيما لأمرها، ودفعا للأذى عنها، فإننا لا نخاف المرأة على نفسها فقط، بل نخافها نخاف معها الشبان وما يتصفون به من سوء الخلال وكواذب الأخلاق، وأما الأصل الثانى فنحن نوافق الكاتب عليه، نقول إن تهذيب الأخلاق وتربية النفوس على أصول الدين يغنيان أكثر من غناء الحجاب والنقاب، ولكن أين السبيل إلى ذلك؟، تلك هى المسألة التى لا يستطيع أحد أن يجيب عنها إلا بالقول، حتى إذا آن له أوان العمل وحان حينه وقف منه موقف الحائر، لا يدرى أيقدم أم يحجم، ولا يعرف إلى أين يذهب ولا من أين يجىء؟