فن

خفة الممثل التى لا تحتمل

علا الشافعى تكتب : عودة الأسطورة "دانيال دى لويس" بعد غياب 4 سنوات

السبت، 01 أكتوبر 2016 10:00 ص

علا الشافعى

لماذا دانيال دى لويس؟ هل عودته حقا للعمل فى فيلم سينمائى جديد هو حدث يستحق الاحتفاء؟ الإجابة بالقطع نعم.. حيث إنه بمجرد الإعلان عن عودته بفيلم جديد بعد غياب 4 سنوات قال النقاد والمتابعون إن هذا العمل سيكون الأهم فى 2017، وهو الفيلم الذى سيتناول عالم وأسرار وكواليس موضة الملابس بلندن فى الخمسينيات، والمقرر عرضه جماهيريا العام المقبل، ورصدت الجهة المنتجة للفيلم ميزانية 35 مليون دولار له، ويتعاون دى لويس من خلاله مع المخرج بول توماس أندرسون للمرة الثانية، بعد أن قدما معا فيلم "there will be blood" عام 2007، تلك الحفاوة بعودة النجم الكبير والممثل المخضرم تعود لأنه واحد من النجوم القلائل على مستوى العالم الذين من الممكن توصيفهم بالنجمة "الفلتة" أو الظاهرة التى لن تتكرر، دانيال هو واحد من هؤلاء النجوم الذين ينفخون فى روح الشخصية التى يقدمونها، أيّا كانت هذه الشخصية، ليحولها إلى أسطورة يصعب معها تخيل نجم غيره يؤدى هذا الدور، هو من هؤلاء النجوم المتفردين الذين لا يتوقفون عن إدهاشك كمتلقٍ وليس كناقد أو متابع أو مهتم بالسينما، هو من النجوم الذين بمجرد إطلالتهم على الشاشة تشعر أن هناك نورا أو هالة تحيط بهم وجوده فى أى لقطة سينمائية.


دانيال دى لويس

 

ويشعرك أيضا بحالة من التشبع الفنى، وفى كل مرة تشاهد أى من أفلامه ستجد أنك تكتشف تفصيلة جديدة.. لذلك لا تمل أبدا من تكرار مشاهدة أعماله.. بدءا من  شخصية "نيولاند آرشر"فى فيلمThe Age Of Innocence    1993مع المخرج مارتن سكورسيزى، ودور بيل كاتنج "الجزار".. فى فيلم - Gangs Of New York عام 2002 مع نفس المخرج،  وشخصية "غيري كونلون" فى فيلم In The Name Of The Father""  ، 1989، وفيلم My Left Foot والذى قدم فيه السيرة الذاتية عن المؤلف والرسام "كريستى براون. ودوره فى فيلم "Lincoln"

 

أحد أبرز أفلام المخرج ستيفين سبيلبيرج فى السنوات الأخيرة، والذى جسد فيه دى لويس دور الرئيس الأمريكى إبراهام لينكولن بعبقرية، وكان الفيلم يناقش السنوات الأخيرة من الفترة التلا قضاها لينكولن رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وجهوده فى إلغاء العبودية.


دانيال دى لويس في شخصية ابراهام لينكولن

 

شخصيات كثيرة ومتنوعة قدمها "دى لويس"، وحقق فيها إنجازات ليس على مستوى الجوائز أو الإشادات النقدية فقط ولكن على مستوى الأداء وتكنيك التمثيل والذى يتعامل معه بروح الهواية وكأنه ينسج قصيدة شعرية، وهذا متوقعا فوالده شاعر أيرلندى، وأبدا لم يلجأ إلى الاحتراف فى ممارسة مهنته، لذلك فهو يفاجئ متابعيه دوما ويقدر على إدهاشهم.

 

وإذا توقفنا مثلا عند دور جون بروكتر، والذى جسده دى لويس فى فيلم The Crucible هو رجل تُتهم زوجته (جون آلين) من قبل إحدى عشيقاته السابقات (وينونا رايدر) بأنها ساحرة.. وهو الفيلم المأخوذ عن مسرحية لآرثر ميللر عن وحشية المحاكمات التى كانت تتم للساحرات فى عام 1692، وفى هذا الفيلم المتميز قدم دى لويس واحدا من أهم أدواره.. لرجل بسيط تتعقد حياته فجأة وذكرت الكثير من المواقع الإخبارية أن دى لويس وأثناء تصوير الفيلم لم يفكر فى الاستحمام مرة واحدة ليتماهى مع الشخصية إلى درجة كبيرة.. وهو ما جعل المشاهد يشعر ويتوحد مع المرارة والتعاسة التى تعيش فيها الشخصية. وهى الشخصية التى تختلف تماما عن  دور "دانى فلين"، الملاكم  المشهوربفيلم The Boxer، والذى قدمه فى عام 1997 وقضى بالسجن 14 سنة لارتكابه جريمة متعلقة بالجيش الجمهورى الأيرلندى. وفى محاولة منه لنسيان الماضى، يؤسس ناديا رياضياً  يبعد عن العنصرية ويرحب بكل الثقافات والأديان ويعيد تواصله مع صديقته السابقة والتى تزوجت بعد دخوله السجن، وتؤدى شخصيتها الممثلة إيملى واتسون.. وجاء أداء دى لويس شديد الهدوء لينقل كل انفعالات الشخصية الداخلية وصراعاتها بدون مبالغة أو افتعال، فى محاولة نقل إحساس الشخصية برغباتها فى نسيان ماضيها المظلم ومحاولة بناء مستقبل مختلف.


دانيال دى لويس

 

ويظل فيلمه The Unbearable Lightness Of Being واحدا من أجمل وأهم أفلامه التى قدمها فى مشواره السينمائى وهو الفيلم المأخوذ عن النص الروائى البديع والفلسفى للكاتب التشيكى ميلان كونديرا، بعنوان "خفة الكائن التى لا تحتمل".. ورغم جمال الرواية وعمقها وأبعادها الفلسفية عن الحياة وكيف تعيشها بخفة دون أن تثقل نفسك وأنه رغم تركيب الحياة وتعقيداتها وتعقيدات النفس البشرية، إلا أنك من الممكن أن تتعاطى معها بتلك الخفة التى ناقشها كونديرا وجسدها بعبقرية "دى لويس"، كما أن الفيلم أضاف إلى الرواية ولم يأخذ من جمالها، وتدور أحداث الفيلم أثناء فترة "ربيع براغ" سنة 1968 فى تشيكوسلوفاكيا التى احتج وتظاهر خلالها الطلاب ضد الاحتلال الروسى لبلادهم، ويركز الفيلم على علاقة حب ثلاثية بين الطبيب توماس (داى لويس) وتيريزا (جوليت بينوش) وسابينا (لينا أولن)، وهو الدور الذى يقف عنده الكثيرون من المتابعين لهذا الممثل العبقرى، والذى فطن إلى عمق الرواية ونقله إلى روح الشخصية التى جسدها.


دانيال دى لويس