عائلات البلد

جدهم كان ضابطا فى جيش عرابى.. وفى منزلهم «اختفى عبدالله النديم»9 سنوات

"الموجى".. العائلة التى رفضت عمل المصريين بالسخرة فى حفر قناة السويس

الخميس، 18 ديسمبر 2008 05:44 م

كتب محمد الجالى وعلاء فياض

صورة جماعية لأفراد من عائلة الموجى أمام مسجدهم بميت خميس بالمنصورة - تصوير أحمد إسماعيل

◄ ورثوا صناعة وتجارة السلاح والبنادق.. وبركات أوليائهم فتحت باب السيد البدوى

قديما قالوا: «العهدة على الراوى»، وحين يكون الراوى هو صاحب الحكاية كلها، فأنت لا تملك حيال ما يرويه إلا أن تنقله على لسانه، لهذا فنحن قد نختلف مع الروايات التالية، لكننا ننقلها كما جاءت على ألسنة أصحابها دون تدخل.

«الموجى» اسم لعائلة عريقة، نسبة لأحد أوليائها، بعد أن ظهرت له كرامة المشى على أمواج النيل, ولهذا يجتمع كل أفراد العائلة على حب الأولياء ويظهر ذلك فى كثرة مقامات العائلة والحفاظ عليها ورعايتها.

عائلة «الموجى» يقدر عدد أفرادها بحوالى ستة آلاف نسمة، موزعين بين محافظتى الدقهلية ودمياط، وينتشر بعض أفرادها فى محافظات: بورسعيد وبنى سويف وكفر الشيخ، ويشتهر فرع الموجى بقرية «ميت الكُرما» فى مركز طلخا، بمواقف وطنية كثيرة، فهو فرع يشتهر بالعمدية، وعندما طلبت منهم المساعدة فى تسخير الناس فى حفر قناة السويس تركوا العمدية، ويقول أفراد العائلة: الأصل عندنا هو الدين والطبع الصوفى البسيط، ووفقا لكلامهم فإن العائلة حتى وقت قريب كانت لا تدخل الجيش.

ويقول محمد السعيد محمد الموجى موظف بهيئة المجتمعات العمرانية-: بعد ثورة عرابى جاءنا عبدالله النديم هاربا مختبئا فى بيت من بيوت آل الموجى بـ(ميت الكُرما) لمدة تسع سنوات حتى قبض عليه، ويروى أيضا أن إبراهيم الموجى الكبير كان ضابطا فى جيش عرابى ضد الإنجليز، وتزوج من السيدة ليلى محمد أبوالفضل أباظة -من أباظية الشرقية- وتوفى عام 1918 بعد أن أنجب ستة رجال هم عصب عائلة الموجى بدمياط، الذين ورثوا عن أبيهم صناعة وتجارة البنادق، حيث كان يستخدمها ضد الإنجليز.

«محمد الموجى» شاب فى الثلاثين من عمره يعمل مدرسا للغة الإنجليزية بدمياط، متزوج وله بنت وولد, اصطحبنا فى زيارة للعائلة فى قرى ميت طويلة وميت الكرما وميت خميس بطلخا والمنصورة، ثم استقررنا فى منزل الشيخ شعبان متولى الموجى بميت طويلة.

الموجى إحدى العائلات هاشمية النسب من نسل الحسن بن على بن أبى طالب، ووفقا للوثائق التى حصلنا عليها، وروايات أفراد العائلة، فإن أصلها يرجع إلى أحمد بن رمضان الموجى الذى جاء من اليمن واستوطن فى ميت خميس، التى تسمى أيضا «كفر الموجى» بمركز المنصورة، وغالبية سكانها من عائلة الموجى، وأحد أصول العائلة يرجع إلى الملوك الأدارسة بدولة المغرب، وهم «أشراف» عن طريق عبدالله المحض الكامل بن الإمام الحسن بن على بن أبى طالب والسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله «صلى الله عليه وسلم».

و«الأدارسة»، قبيلة انتقلت من شبه الجزيرة العربية إلى المغرب، ثم دخلت مصر مع قدوم الفاطميين، وأقامت بها حتى زوال دولة الفاطميين، ثم انتقل قطاع كبير من أبناء العائلة إلى اليمن، ثم عاد إلى مصر مرة أخرى، عن طريق أحمد اليمانى الكبير الذى استوطن «المحلة» بمحافظة الغربية، ثم رحل إلى ميت خميس «كفر الموجى»، وكان ضمن العائدين معه إلى مصر، ابن أخيه محمد شهاب الدين اليمانى، مؤسس عائلة موسى بالمنصورة ودمياط, ثم انتقلت العائلة إلى كفر الطويلة، وإلى ميت طويلة، وتشعبت كذلك فى الصعيد بجانب تشعبها فى شمال مصر، ففى بنى سويف عائلات مثل «فقيه الموجى».

ثقافة العائلة «علوية» ثم تحولت إلى «سنية» مع حروب صلاح الدين الأيوبى ضد الصليبيين، حيث كان بعض الأجداد يجاهد مع صلاح الدين. الشيخ شعبان متولى الموجى يقول: جدى أحمد اليمانى الموجى كانت له كرامات وأبناؤه من الصالحين وأصحاب الكرامات أيضا، ويحكى عنه أنه فى يوم «جمعة» بعثه أبوه ليطحن «الغلة» فى طاحونة القرية فوجدها مزدحمة، فترك الطحين وذهب للصلاة وعندما عاد إلى طاحونة القرية مرة أخرى وجدها توقفت عن العمل، ورفض صاحبها تشغيلها وطحن «الغلة»، فضرب الموجى حجر الطاحونة بيديه فانشطر إلى نصفين، مما أغضب صاحب الطاحونة الذى ذهب إلى أبيه واشتكاه عنده، فحكم عليه والده بأن يجلب حجرا بديلا للذى بدده، فذهب أحمد اليمانى الموجى إلى دمياط التى تباع فيها هذه الأحجار، وهناك كلم بائع هذه الأحجار قائلا: «الحجر مقاس الطاحونة ينزل»، فنزل الحجر من بين العديد من الأحجار وكان لا يعرف كيف سيحمله إلى «ميت طويلة» بعد أن رفض المراكبى شحنه بسبب كبر حجمه، فرد أحمد اليمانى الموجى عليه بأن يربط الحجر بالمركب فقط، فوصل الحجر فعلا إلى صاحبه، وعندما عاد إلى القرية أوصاه أبوه بأن له أرضا فى كفر الطويلة حتى يرحل إليها، فاستقر هناك وكوّن عائلات الموجى بكفر الطويلة وميت طويلة.

الشيخ شعبان فتح لنا بوابة مقام اليمانى، فى إحدى زوايا المقام لوحة كبيرة معلقة على الحائط، مكتوب عليها نسب أحمد اليمانى الموجى: أبوه سيدى أحمد أبوموسى اليمانى الملقب بأبى العباس الكائن مقامه، والمدفون بميت خميس خلف جامعة المنصورة، وجدته هى فاطمة محمد العباس بن على العباس والجميع مدفونون بزاوية العباسة بمحلة أبوعلى بن سيدى المرسى أحمد أبوالعباس الذى ينتهى نسبه إلى سعد بن عبادة «سيد الخزرج».

الشيخ شعبان يواصل كلامه: نحن من العائلات التى تحب الصالحين وتحتفل بهم, ونقيم الموالد احتفالا بهم وبكراماتهم, ومقام اليمانى تم تجديده وإنشاؤه على قطعة أرض، بتوصية ووصية حتى أصبح مقصدا لجميع القرى المجاورة لميت طويلة، فضلا عن أفراد عائلة الموجى الذين يزيدون على ستة آلاف فرد. وأفرع «الموجى» تهتم بتحفيظ أبنائها القرآن الكريم سيرا على خطى الأولياء, ومن الممكن أن يتسرب الأبناء من التعليم فى المدارس لكن لا يمكن ألا يحفظوا كتاب الله.

تنتشر عائلة الموجى على الشريط النهرى للقرى الملاصقة لنهر النيل وتتمركز بها، ففى دمياط تتوزع فى (الزيان شياص الشباطى)، وفى الدقهلية بـ(ميت خميس وكفر الطويلة وميت طويلة ورأس الخليج والزرقا وميت الكرما وشربين). إلى جانب ذلك، توجد أفرع للموجى ببورسعيد، ولها شارع هناك باسم «الشهيد إبراهيم الموجى»، وفى بنى سويف فرع «فقيه الموجى»، ويقدر تعداد العائلة بحوالى ألفين فى دمياط وقراها، وستة آلاف فى الدقهلية، ولا يوجد تعداد تقريبى للعائلة فى باقى المحافظات التى تنتشر فيها.

هناك تشابه ثقافى واجتماعى يطغى على كل فروع «الموجى» رغم اختلاف البيئات التى يقيمون بها، فهم يفخرون بنسبهم الشريف، وكرامات أوليائهم.

«هانم أحمد الموجى» سيدة فى الخمسين من عمرها، تروى بعض المواقف عن بركات أجدادها، قائلة: أنا كنت متزوجة وطُلِّقت، ورفض أهل زوجى أن يعطونى «جهازى»، فبكيت عند بوابة سيدى رمضان الموجى، وقلت له بحُرقة «يعنى انتو مفيكوش فايدة!».. فلقيت واحد لابس لبس عسكرى وقلت له، لأ أنا مش عاوزه أروح قسم الشرطة علشان أشتكى حماتى، فرد: «ماتخافيش هاجبلك حقك»، وتانى يوم لقيت حماتى بتطلب منى آخذ الجهاز، وعشان كده سميت ابنى «أحمد» على اسم سيدى أحمد الموجى، وكنت هاسميه «سعيد» لكن جانى فى المنام من قال لى «أحمد اتسمى خلاص يا أم أحمد».

أحمد أبوموسى أحد الذين تربطهم قرابة بعائلة الموجى يقول: لقد عهدنا أن من يتزوج من عائلة الموجى يجد فى نسائهم بركة وربنا يعطيه من حيث لا يحتسب، ويلتقط منه طرف الحديث محمد مصطفى الموجى وهو يفتح بوابة مقام «أحمد رمضان الموجى» يقول: إن قرية ميت خميس أو كفر الموجى كانت لخواجة، مرض فاستعصى عليه الشفاء، فوصف له سيدى أحمد رمضان «علاجا» فشفى من مرضه فطلب بغلة فأخذت (تتمرغ) حتى وصلت إلى أرض فى المنصورة بنى عليها مقام «سيدى ياسين الموجى».

ووفقا لرواية «محمد مصطفى الموجى» حول الاسم، فإن الشيخ رمضان الموجى جاء من الحجاز إلى ميت الكرما، وأراد أن يعبر إلى ميت خميس ففرش سجادة صلاة فعبرت به النهر لذلك سمى بالموجى لأنه انتقل بالموج. وهناك رواية أخرى تقول: طُلب من أحمد رمضان الموجى أن يتزوج فرفض، فخافت أسرته أن يكون رفضه بسبب عيب فى ذكورته، فأعطوا له جارية أنجب منها ولدا، ويقال إنه ليس ابنه بل ابن صاحبه وتلميذه «موسى» وحبا لهذا التلميذ فى أستاذه أنجب ولدا أسماه على اسم أحمد رمضان الموجى حبا فيه وتبركا به وهى رواية لم يجمع عليها أفراد العائلة.

الباب الخلفى من المقام دفن فيه «محمد النخلة» ويقول عنه محمد مصطفى: إنه امتطى ثعبانا كبيرا تحت نخلة، ويقال إنه كان يذكر اسم الله كثيرا تحت نخلة فسمى بهذا الاسم. أيضا يطلق على أحمد الموجى لقب «العصافيرى» لأن كثيرا من الناس رأوه فى زمن واحد ومكان مختلف كأنه يطير مثل العصافير.

ومن نسل أحمد رمضان الموجى، شمس الدين الموجى، وهو عالم من علماء الأزهر وكان صاحب عمود فى الصف الأول بالأزهر منذ ما يقرب من خمسمائة عام، حيث كانت الدراسة بالجامع الأزهر على حلقات حوله، وكان شمس الدين يدرس المذهب الشافعى فى الأزهر، ومن حبه لهذا المذهب كتب أبياتا من الشعر بالخط الكوفى فى ضريح الإمام الشافعى تصعب قراءتها إلا من المتخصصين فى الخطوط، ورغم تجديد الضريح فإن أبياته مازالت تزينه، ولم يقم أحد بإزالتها.

الحكايات المشهورة لدى العائلة كثيرة، منها أن باب السيد البدوى فى عهد على بك الكبير أغلق لإظهار كرامة لصاحب المكان، فأتوا بالرجال الصالحين لفتح الباب ولم يفتح إلا على أيدى أبناء «أحمد الموجى»، ومازالت العائلة تحتفظ بتراث البدوى وعمامته.

بارزون من العائلة:
إبراهيم الموجى: رئيس رابطة التعليم الابتدائى بدمياط.
صلاح توفيق الموجى: من مؤسسى تجارة الدواجن فى دمياط.
متولى الموجى: كان مأذونا مشهورا، وتحتفظ له العائلة بعقود زواج بخط يده منذ عام 1918.
عادل متولى الموجى: رئيس البنك الزراعى بكفر «بساط».
الشيخ سعيد الموجى: من علماء الأزهر كان له بيت كبير بالدراسة يستضيف كل القادمين إليه من وجه بحرى، ويقال إن له وقفا كبيرا بالمدينة المنورة، تم فكه حاليا.
الشيخ عبدالسلام سعيد الموجى: من علماء الأزهر أيضا.
سعد الموجى: زوج السيدة جمالات الزيات، وهو موظف فى وزارة السياحة وصديق للشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم الذى قال عن الموجية شعرا فى قصيدة «ياحارتنا»:
مدد يا زينة الصحايب.. مدد حاضر وغايب.. ياسادة يا موجية.

العمد:
العمدة محمد الموجى الكبير.
العمدة محمد الموجى الوسط.
العمدة محمد الموجى الصغير.
والثلاثة تولوا العمدية واسمهم جميعا محمد لذلك تم تمييزهم بالـ«كبير والوسط والصغير».

فنانون من عائلة الموجى
◄ محمد الموجى: ولد فى 4 مارس بمركز بيلا بكفر الشيخ، عام 1923، وحصل على دبلوم الزراعة عام 1944، وعمل فى عدة وظائف، ثم ظهرت ميوله إلى الغناء قبل أن يتجه إلى التلحين، وكانت أولى أغنياته «صافينى مرة» التى غناها عبدالحليم حافظ. أسهم فى اكتشاف بعض الأصوات الغنائية الكبيرة مثل «هانى شاكر وأميرة سالم». ومحمد الموجى هو أحد المجددين فى الموسيقى والغناء بعد ثورة يوليو، ويقول عنه بعض أفراد العائلة إن والده كان مقيما فى ميت خميس قبل أن يستقر فى كفر الشيخ وينجب «محمد»، ولا يزال بيت والده موجودا بالقرية حتى الآن. وتوفى «محمد الموجى» فى 28 يونيو عام 1995، تاركا تراثا قيما من الألحان العربية.

◄ نجاح الموجى: اسمه الأصلى «عبدالمعطى»، وشقيقه هو «نجاح» واستبدل اسمه باسم شقيقه لاتساق الاسم فنيا، بدأ حياته الفنية عندما أسند إليه المخرج «محمد سالم» دورا مهما فى مسرحية «فندق الأشغال الشاقة» عام 1969، وهو من فرع «ميت الكرما».

◄ جمال عبدالسلام: مخرج بمسرح العرائس


"دمياط" الحكايات تصنع التاريخ وترسم الجغرافيا
من قلب دمياط، المطلة على البحر المتوسط، تأتى حكايات العائلات، يمتزج فيها التاريخ بالجغرافيا، التاريخ الذى نذكر منه الغزاة الذين جاءوا إلى مصر عبرها وقاومهم أهلها بكل بسالة، كما حدث مع حملة لويس السادس عشر، أما الجغرافيا فتختص دمياط بمزايا هائلة فعندها يلتقى البحر المتوسط بنهر النيل دون أن تتأثر المياه العذبة بالمالحة، فهل كان للجغرافيا والتاريخ أثر فى تكوين العائلات؟

حكايات أبناء العائلات ربما تعطى إجابة شافية لذلك، خاصة إذا كانت العائلات مثل «الجمل وعاشور وأبوالنور وبدوى الطناحى والبدرى وأبوالمعاطى وموسى والشربينى والعجيرى والوحيصى والجوادى والملاح وزاهر والحضرى وهجرس والطرابيلى والنادى وأبوالعز والطويل والسعدنى ونجم الدين وزين الدين وعلوش والجنيدى والكارف وأبوالفتوح والحسينى والخولى والكفراوى ومؤمن وزغلول وجويلى»، وبعض هذه العائلات موزع على محافظات أخرى كما هو الحال مع عائلة الموجى التى يوجد منها فروع فى الدقهلية والقاهرة، وهى عائلة تحتفظ بكثير من الحكايات والمأثورات.