اليوم السابع

أكرم القصاص- علا الشافعى
اليوم السابع

متاهة العملات المشفرة تبدأ بـ"لايك"

"اليوم السابع" يحاول فك شفرة عالم "بيتكوين وأخواتها" عبر 6 مراحل من البحث والدراسة

تجربة مع "شبكة نصب" تكشف طرق الاحتيال والنصب عبر إنشاء منصات تداول وهمية.. والنتيجة ضحايا يخسرون مبالغ طائلة

تحليل بيانات حجم السرقات فى عالم العملات المشفرة عالميًا بالمقارنة مع حجم نمو السوق يشير إلى أنها تسير فى طريقها رغم العقبات

استكشاف وضع المصريين على خريطة هذا العالم ومناقشات القرارات المستقبلية بخصوص دخول المجال يومًا من عدمه

دراسة الموقف العربى من العملات المشفرة.. أستاذ اقتصاد بالجامعة القاسمية يؤكد: تجربة الإمارات رائدة وناجحة.. وخبير أمن معلومات سعودي: المملكة قادرة على أن تكون مركزًا إقليميًا وعالميًا لهذا السوق

أيهم ماردينى الشريك المؤسس لإحدى منصات التداول يؤكد: "المستقبل للعملات المشفرة".. والتقنين الحل لمواجهة السوق السوداء

ربع مليون جنيه خسارة في 72 ساعة

72 ساعة كانت كفيلة لخسارة محمود - اسم مستعار - 250 ألف جنيه، هى نصيبه من ميراث والده، لصالح شبكة نصب إلكترونية خدعته تحت مظلة الاستثمار عبر منصة تداول عملات مشفرة، بعد إغرائه بمكاسب طائلة وسريعة، ولم يدرك إلا بعد فوات الأوان أنه خسر كل شيء، لأن ما كان يُمنى النفس بدخوله "متاهة" يتخطى حدود عالمها من سرقوا أمواله حتى!

القصة تبدأ بتلقى محمود رسالة من رقم مجهول عبر تطبيق "واتس آب" تشرح إمكانية تحقيق مكاسب مادية عبر أعمال بسيطة كزيارة "لينكات" للترويج لفنادق أو مطاعم، ووضع إعجاب "لايك" على المنتجات، وعملاً بمبدأ "التجربة إن لم تُفيد لن تضر"، اتبع الخطوات والنتيجة مكافأة قدرها 400 جنيه في غضون دقائق!

في المرحلة التالية انتقل محمود من "واتس آب" إلى تطبيق "تيليجرام"، ليجد حسابًا يضع صورة فتاة تحدثه بالإنجليزية، وبعد شرح الخطوات تم إرسال لينك موقع يدخل عليه لمدة دقيقة واحدة عبارة عن منصة تداول عملات مشفرة "وهمية"، وطلب منه عدة أشياء أهمها تحويل 5 آلاف جنيه على "محفظة إلكترونية"، وسيحصل على عمولة قدرها 30%.

اتبع محمود خطوات فتاة "تيليجرام"، لتزيد أمواله من 5 آلاف إلى 8 آلاف في غضون 10 دقائق فقط، ووقتها علم أنه وضع استثماراته على عملة "بى تي سي" أو بيتكوين، ورغم عدم معرفته المسبقة بعالم "العملات المشفرة" سوى القشور لكنه شعر بالرهان على الفرس الرابح، وزاد اطمئنانه عندما أخبرته فتاة تيليجرام أنها مسئولة تسويق عملة "بيتكوين"، وتحصل على عمولة من مكاسبه وبالتالي "المصلحة واحدة"!

لم يواصل الشاب رهانه إلا بعد إجرائه عملية بحث سريعة عن منصات تداول العملات المشفرة ليجد أنها تشبه شكلاً الموقع الذي يأتمنه على أمواله، بعدها بدأت الأحداث تأخذ وتيرة أسرع، وتحويل مبلغ 5 آلاف تلاه تحويل 7 آلاف، ليصير المبلغ 12 ألفًا، وتتحرك الأرقام على المنصة المزعومة لتصل أمواله بعد إضافة المكاسب إلى 20 ألف جنيه.

سيُضاف بعد ذلك محمود إلى مجموعة جديدة عبر "واتس آب" تضم 3 أشخاص لا يفعلون شيئًا سوى تحويل مبالغ مالية وبدأت تحويلاته تصل إلى 70 ألف جنيه، والمفاجأة أن باقي أعضاء المجموعة قادرون على سحب أموالهم على النقيض منه، وبحسب الخبيرة المزعومة فالسبب أخطاؤه في تنفيذ الخطوات، ولتعديل المسار يجب المضاربة بمبالغ أكبر.

بدأ الشك يتسرب إلى نفس محمود إلا أنه قرر المتابعة آملاً فى استرداد أمواله، ولم يستفق إلا بعد وصول تحويلاته إلى 250 ألف جنيه، والصدمة أن "المنصة المزعومة" لم تعد تعمل، وبعد محاولات مع الخبيرة المزعومة أرسلت له رابطًا خاصًا بـ"منصة مزعومة جديدة"، ليدرك أنه وقع ضحية في شبكة نصب!

مراحل فك شفرة المتاهة

محمود ليس الضحية الأولى ولا الأخيرة للنصب باسم العملات المشفرة منذ عام 2009، الذى شهد إنتاج أول عملة مشفرة "بيتكوين"، فهذا العالم بالنسبة للملايين حول العالم يشبه "المتاهة"، والدخول فيه بدون معرفة مخاطرة كبرى، لذا حاولنا "فك شفرة" تلك المتاهة لتقديم المعرفة المطلوبة أو على الأقل توضيح الصورة للبعض حتى لا يقعوا في شباك النصابين.

فى محاولة لفك شفرة المتاهة، قطعنا ست مراحل بداية من تجربة فعلية مع شبكة نصب، وضعنا "لايك" على طريق قضية الضحية المُشار إليها أعلاه، وفى المرحلة الثانية تعرفنا على وضع مصر على الصعيد القانوني والرسمى وطرق التعامل مع حالات النصب.

وفى المرحلة الثالثة، قمنا بتحليل بيانات حجم نمو السوق بالمقارنة مع تأثير عمليات النصب والسرقة واختراق المنصات للتعرف على مدى تأثيرها على مستقبل العملات المشفرة أو الرقمية، وفى المرحلة الرابعة استكشفنا وضع مصر على خريطة هذا العالم، وفى المرحلة الخامسة درسنا الموقف العربى والتركيز على نماذج بعينها باعتبارها صاحبة خطوات متقدمة إقليمية وعالميًا، وفى المرحلة السادسة والأخيرة استعرضنا رأى صاحب تجربة احترافية يعيش خارج حدود مصر والوطن العربى ليطلعنا كيف يرى الصورة من الخارج وما الحلول المقترحة؟

المرحلة الأولى: مغامرة إلكترونية.. ومكسب نعتذر عنه!

البحث عن طرف الخيط للوصول إلى شبكات النصب لم يكن صعبًا، بفضل "الخوارزميات" يكفي فقط تكثيف البحث بعنوان "شركات تبحث عن موظفين بدوام جزئي والمهام بسيطة"، لتنهال الإعلانات عبر منصات التواصل، وبعدها تصل الرسائل سواء قصيرة، أو عبر تطبيق "واتس آب".

اخترنا مجاراة رسالة صوتية عبر تطبيق "واتس آب"، وصلتنا من رقم روسى، تقول فيها سيدة بلهجة مصرية إنها تعمل في شركة توظيف والعمل عن بعد، والمهام عبارة عن ضغط إعجاب "لايك" على فيديوهات عبر إحدى منصات التواصل مقابل 20 جنيهًا لـ"الفيديو الواحد"، والمرتبات تتراوح بين 2500 و8 آلاف جنيه يوميًا.

لطمأنة صاحبة الرسالة بأن المتحدث معها فريسة سهلة، طرحنا سؤالاً ساذجًا عن كون الأمر حقيقيًا أم مجرد احتيال، لترد بأنه حقيقى، ويمكن البدء فورًا وهناك 3 مهام سهلة لفهم آلية العمل ولن تستغرق أكثر من خمس دقائق، وبعد إتمام المهام تحصل على 60 جنيهًا مصريًا كـ"مكافأة" لكنها استدركت ووجهت عدة أسئلة من نوعية هل لديك تطبيق تيليجرام؟، وهل لديك حساب أو محفظة إلكترونية؟، وكم عمرك؟

بعد الدخول إلى مجموعة الشركة على تطبيق "تيليجرام" بدا العالم أوسع، حيث يوجد أكثر من 9 آلاف مشترك إلا أن عدم وجود تفاعل كبير أثار الشكوك عن إمكانية وجود حسابات وهمية.

حساب آخر على تيليجرام يحمل اسم وصورة فتاة بدأ الحديث معنا، وطلب عدة معلومات منها الاسم بالكامل باللغة الإنجليزية، ورقم محفظة إلكترونية ورقم واتس آب للتواصل، وبعد استيفاء البيانات باسم وهمي بدأ العمل.

أول المكاسب تحققت عندما تم تحويل مبلغ 60 جنيهًا إلى رقم المحفظة الإلكترونية الخاصة بنا من أخرى تحمل رقمًا مصريًا، بعدها حدثتنا عن ضرورة استكمال جميع المهام لكسب مزيد من الأموال، وهى عبارة عن 16 مهمة في اليوم ما بين كل ثلاث مهمات ما يسمى بـ"مهمة استثمار".

بعد إرسال خطط عمل تتضمن المهام والأرباح، وقع اختيارنا على برنامج المبتدئين، ويتمثل فى استثمار مبلغ 390 جنيهًا ليصبح بعد تحقيق الربح 910 جنيهات، وبالفعل تم تحويل المبلغ المطلوب على محفظة إلكترونية.

بعدها دخلنا مرحلة الاستثمار فى العملات المشفرة، وتم إرسال رابط موقع وكود دعوة، وفي الوقت نفسه بدأ حساب آخر على "تيليجرام" يحمل صورة سيدة، يتحدث معنا، وعرفت نفسها على أنها محلل بيانات، ودورها تعليم كيفية الاستثمار.

الحساب الجديد بدأ دورة عمله بشكل يُوحي بالجدية الكاملة عبر إرسال عقد عمل، وطلب التوقيع عليه إلكترونيًا، وبعد توقيع العقد الوهمى، بدأت دورة العمل على منصة التداول المزعومة بإرسال عدة خطوات يتم إجراؤها في 180 ثانية حتى يتم تفعيل صفقة الاستثمار، وبعد ذلك أبلغتنا بنجاح العملية وأن الأرباح أضيفت ووصل المبلغ إلى 507 جنيهات، وهو ما ظهر فعليًا على الشاشة.

لم تترك محللة البيانات المزعومة الوقت يمر طويلاً، وأرسلت عدة مهام أخرى، اخترنا منها المهمة الأولى، وتتمثل فى دفع 110 جنيهات، نحصل عليها 650 جنيهًا بعد إكمال المهمة، بعد ذلك فاجئناها بأننا نريد أموالنا مضاف إليها الأرباح، ورغم معارضتها فى البداية بأن هناك مهمة ثالثة يجب تأديتها أولاً وإلا لن يتمكن المستخدم من سحب أمواله، لكنها رضخت أمام إصرارنا وطلبت الرجوع لموظفة الاستقبال "صاحبة رقم واتس آب" لاستلام الراتب وتحويل الأموال على محفظتنا، وهو ما تحقق بالفعل!

استلام الراتب المتفق عليه "650 جنيهًا" أو الأرباح حتى لو قليلة، يفتح الشهية لمزيد من الاستثمارات، وبالتالي كان ضروريًا السؤال عن إمكانية تنفيذ مهام أخرى خلال اليوم، والتأكيد على فكرة أن استلام الأرباح، بمثابة رسالة اطمئنان بأن القصة حقيقية وليست خداعًا، لترد محللة البيانات بأن هناك مواعيد محددة للدوام، ويمكن استكمال العمل في اليوم التالي.

وبما أننا نعلم ماذا سيحدث في اليوم التالي، لم نعد رغم الرسائل المتواصلة من الحسابات المختلفة عبر "تيليجرام" أو "واتس آب".

المرحلة الثانية.. الموقف الرسمى فى مصر

بعد خوض التجربة مع شبكة النصب، بحثنا عن كيفية تعامل الجهات الرسمية المصرية مع عالم العملات المشفرة، وما يتعلق بها من حالات نصب، واستكشاف الوضع القانونى ودراسة أبرز القضايا المعلنة.

البداية مع الهيئة العامة للرقابة المالية، وقالت إنها أصدرت بيانات تحذيرية بشأن عدم الانسياق وراء دعوات التعامل بالعملات الافتراضية المشفرة، لما يمثله من مخاطر عالية، إضافة إلى استخدامها في الجرائم المالية والقرصنة الإلكترونية، وافتقارها لأي غطاء مادي يضمن استقرارها وحماية المتعاملين فيها، وتعرض مستخدميها للاحتيال والمساءلة القانونية، لمخالفتها القانون المصرى.

أمّا قانون البنك المركزى الجديد رقم 194 لسنة 2020، يحظر إصدار العملات المُشفرة أو النقود الإلكترونية أو الاتجار فيها أو الترويج لها أو إنشائها أو تشغيل منصات لتداولها أو تنفيذ الأنشطة المُتعلقة بها بدون الحصول على ترخيص.

بالنسبة لموقف الأجهزة الأمنية، فقد رصدنا أبرز القضايا المعلن عنها منذ عام 2020 بشأن "العملات المشفرة" سواء كان اتجارًا أو عمليات نصب، لنجد أن معظمها تتعلق بشبكات وتطبيقات وهمية توهم ضحايا بالثراء السريع، إضافة إلى وجود قضايا أخرى تتعلق بما يسمى بعمليات تعدين العملات أغلبها "وهمى"، وأبرزها القضية المعروفة باسم "هوج بول".

حكاية قضية هوج بول

وفى 4 مارس 2023، أعلنت وزارة الداخلية القبض على ما عرفته بـ"شبكة أجنبية" استولت على أموال مواطنين، مؤكدة تحركها إثر بلاغات من مواطنين تضرروا من القائمين على إدارة تطبيق "Hogg Pool" بعد إيهامهم باستثمار مدخراتهم فى عدة أشياء على رأسها التعدين فى العملات المشفرة إلا أنهم فوجئوا بغلق التطبيق، والاستيلاء على أموالهم.

قضية "هوج بول" أثارت جدلاً واسعًا وقتها مع وجود تقديرات إعلامية عن أموال طائلة تصل إلى ملايين الدولارات جمعها القائمون على التطبيق، ولم يتقدم أصحابها بـ"بلاغات رسمية" خوفًا من المساءلة القانونية.

هنا، يوضح محمد الحارثى استشارى تكنولوجيا المعلومات، أن تطبيق "هوج بول" كان يروج لـ"تعدين مزيف" عبر إقناع المتعاملين معهم باستخدام أموالهم فى التعدين، ولم يكن ذلك سوى حيلة لسحب أرصدتهم المالية.

ويضيف: "الموضوع ببساطة أنهم يجعلون المتعامل معهم يقوم ببعض الألعاب عبر منصتهم، ويربح فى المرة الأولى والثانية ويتم إرسال الأرباح عبر محافظ إلكترونية، وبالتالى يطمع ويضع أموالاً أكثر".

ويتابع: "عملية تعدين العملات المشفرة معقدة، ولا تتم بالأشكال المعلن عنها فى قضايا مثل هوج بول، مع الوضع فى الاعتبار أن مسألة التعدين لم تعد مربحة بشكل كبير، مع وجود مراكز كبرى للتعدين بعد تقنين عدة دول لهذه المسألة، وبالتالى الربح قل عما كان عليه فى الماضى".

المرحلة الثالثة.. تحليل بيانات وتأثير السرقة والاحتيال

بشكل عام فإن عمليات البحث البسيطة، تكشف أن عمليات النصب والاحتيال واختراق منصات التداول، شيء مقترن بعالم العملات المشفرة، بعضها وصل إلى مبالغ خرافية تقدر بمليارات الدولارات، فهل تلك العمليات تؤثر فعليًا على حجم نمو سوق العملات أم أنها أعراض جانبية لها تأثيراتها لكنها لا تقتل؟

رصدنا حجم السرقات وعمليات الاحتيال المتوافر عنها بيانات عالميًا، بالمقارنة مع حجم تطور سوق العملات بداية عام 2020 الذى شهد ذروة جائحة كورونا، وتجاوز القيمة السوقية للعملات المشفرة تريليون دولار لأول مرة، وصولاً إلى عام 2024 الحالى الذى يشهد عالم العملات فيه تحولات كبرى.

اعتمدنا في التحليل على مصادر عدة أبرزها مؤشر "Chainalysis" العالمي لتبني العملات المشفرة، الذى يجرى أبحاثًا سنوية، إضافة إلى منصات أخرى متخصصة، مع الوضع فى الاعتبار أنها كلها دراسات أو مؤشرات ولا يمكن اعتبارها أرقامًا دقيقة أو رسمية.

الناتج النهائى لتلك المقارنة أظهرت أن نسبة حجم السرقات والاحتيال ليست مؤثرة بشكل كبيرة فهى نسبة ضئيلة جدًا من حجم السوق الذى يصل حجم تداوله اليومى فى عام 2024 من 10 إلى 15 تريليون دولار وفقًا لأحدث تقرير لمنصة Kraken، وهي واحدة من أقدم وأشهر منصات تداول العملات.

المرحلة الرابعة.. ما وضع مصر على خريطة العملات؟

بما أن عالم العملات المشفرة يمضى في طريقه رغم كل العثرات، عدنا مُجددًا لاستكشاف وضع مصر على خريطته.

بالنسبة للإحصائيات عن وضع مصر فإن الحصول على أرقام دقيقة يبدو صعبًا، لذا تم الاعتماد على دراسات ومؤشرات مختلفة صدرت في الفترة من عام 2020 إلى 2024 خاصة أنها شهدت إصدار قانون البنك المركزى المتعلق بالمسألة.

عملة رقمية مصرية منتظرة

الأرقام والإحصائيات السابقة تقول إن هناك تواجدًا مصريًا، حتى وإن كان قليلاً فى تقدير بعض المهتمين بالمجال، لذا كان واجبًا تتبع الخطوات الرسمية، وكذا التعرف على الرؤية المستقبلية.

فى 2 يناير 2023، أشار تقرير الاستقرار المالي الصادر عن البنك المركزي إلى دراسة وضع قواعد إطلاق العملات الرقمية بديلاً عن الأنواع الأخرى من العملات المشفرة وما لها من مخاطر.

هنا يقول الخبير المصرفى، هانى أبو الفتوح، إنه يجب التفريق أولاً بين العملات الرقمية مثل الجنيه الرقمى أو اليورو الرقمى والأخرى المشفرة مثل بيتكوين وغيرها من مئات العملات، لافتًا إلى أن اتجاه مصر إلى العملة الرقمية "مسألة وقت".

ودلل الخبير المصرفى على وجهة نظره بأن التقدم فى الرقمنة واستخدام التطبيقات الخاصة بالتجارة الإلكترونية تتطلب سهولة أكثر فى التحويلات، لذا سيكون من الأفضل امتلاك محفظة إلكترونية تحتوى على "وحدات" أو يمكن تسميته بـ"الجنيه الرقمى" الذى سينطبق عليه نفس قواعد العملة التقليدية سواء قوة الإبراء أو الالتزام القانونى.

ويوضح أبو الفتوح أنه لا يتوقع دخول مصر عالم العملات المشفرة على غرار دول أخرى أقرتها لا سيما أنه لا يوجد بنك مركزى فى العالم يساندها وتعتمد على تقنية blockchain أو سلسلة الكتل، ولا يوجد جهة تحمى من مخاطرها وبالتالى سيكون هناك أضرار كبيرة فى الاستثمار فيها.

أمّا الدكتور محمد النظامى، خبير أسواق المال العالمية، يقول: "شئنا أم أبينا فى تقديرى ستدخل مصر عالم العملات المشفرة إلا أننا نحتاج من 5 إلى 10 سنوات للوصول إلى المستوى المطلوب والتغلب على العقبات الحالية".

ويضيف: "عوائق دخول عالم العملات المشفرة في مصر تتمثل في عدم دراية قطاع من الجمهور بالتطورات التكنولوجية وأوضاع أسواق المال ونقص ثقافة التداول الإلكترونى وقضايا أخرى مثل الأمية وعدم دراية كبار السن الكافية بالتكنولوجيا"، لافتًا إلى أن البنك المركزى أو الجهات الأخرى تحتاج لمعالجة هذه الوضع قبل اتخاذ القرار المناسب.

ويتابع حديثه: "دولة الإمارات على سبيل المثال لديها تجربة رائدة فى هذا المجال، وتمتلك قانونًا واضحًا، يمكن أن نستعين به في المستقبل خاصة أنه أقرب قانون موافق لأوضاعنا"، مضيفًا: "في إمارة دبى حاليًا ستجد مكاتب للعملات المشفرة فى الشارع مثل مكاتب الصرافة".

المرحلة الخامسة.. دراسة الموقف العربى

استشراف مستقبل مصر في عالم العملات الرقمية أو المشفرة لا يمكن أن يتم بمعزل عن دراسة موقف الدول العربية باعتبارها الأقرب مثلما أشار خبراء الاقتصاد، لا سيما أن هناك دراسة حديثة صادرة عن منصة "Chainalysis"، تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا احتلت المرتبة السابعة ضمن أكبر أسواق العملات المشفرة عالميًا، بقيمة تعاملات تصل إلى 339 مليار دولار فى الفترة بين يوليو 2023 ويونيو 2024، ما يمثل 7.5% من إجمالي حجم التعاملات عالميًا.

بالنسبة لرصد التشريعيات والقرارات الصادرة من الدول العربية تجاه العملات المشفرة، ستجد تباينًا ما بين التنظيم والتبنى مثلما الحال بالنسبة الإمارات والبحرين، مرورًا بسياسات حذرة مثل السعودية، وصولاً إلى الحظر الكامل مثل عدة دول منها الكويت والجزائر وقطر على سبيل المثال لا الحصر.

النموذج الإماراتي

إذا نظرنا إلى نموذج دولة الإمارات باعتباره رائدًا فى هذا المجال، سنجد أنها أنشأت سلطات تنظيمية مثل سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية "VARA"، وهي أول جهة تنظيمية متخصصة في الأصول الرقمية في العالم، إضافة إلى إنشاء سوق أبوظبي العالمي "ADGM" الذى يوفر بيئة قانونية لمشغلي العملات الرقمية.

أيضًا هناك استثمارات فى تقنية البلوكشين عبر تدشين "استراتيجية دبي للبلوكشين"، ونتيجة إلى تلك الخطوات أشارت عدة دراسات منها مركز "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية" في أبوظبي بأن الإمارات تصدرت دول العالم على صعيد نسبة ممتلكي العملات المشفرة من إجمالي السكان بنسبة 30.4%.

دكتور وليد الوكيل، الأستاذ بكلية الاقتصاد بالجامعة القاسمية فى الشارقة، يقول إن تجربة الإمارات في العملات المشفرة، ما زالت تحت التطور لمواجهة التحديات عبر أطر قانونية وتنظيمية وبيئية تكنولوجية داعمة للابتكار، واصفًا إياه بـ"نموذج ناجح" حتى الآن للدول الصاعدة.

الوكيل أشار إلى أن حجم التعاملات بالعملات المشفرة في الإمارات شهد نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، ما عزز مكانتها كمركز عالمي، مشيرًا إلى أنه في عام 2024، بلغ إجمالي إيرادات العملات المشفرة في الإمارات حوالي 292.1 مليون دولار، مع توقع زيادة الإيرادات بمعدل سنوي يبلغ 7.89% لتصل إلى 395.8 مليون دولار بحلول عام 2028.

وأضاف: "الإمارات نجحت في وضع تشريعات واضحة لتنظيم تداول العملات المشفرة عبر مؤسسات مثل سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية، وكان هذا التنظيم أساسيًا في توفير بيئة آمنة للمستثمرين وأدى إلى جذب العديد من الشركات العالمية، مثل Binance وBitOasis، إلى فتح مقرات في الإمارات"، مضيفًا: "هذه الخطوة أكدت ضرورة وجود إطار قانوني مرن، يجذب الاستثمارات ويحمي في نفس الوقت حقوق المتعاملين".

ولفت الأستاذ بالجامعة القاسمية إلى أن هناك تركيزًا على مراقبة الأنشطة المالية المتعلقة بالعملات المشفرة عبر هيئات مثل مصرف الإمارات المركزي، ما يحفاظ على الشفافية، ويعزز ثقة المستثمرين، لافتًا إلى أنه من المهم أن تكون هناك آليات فعّالة للتصدي للأنشطة غير القانونية مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

الموقف السعودى

أمّا بالنسبة للموقف السعودي من هذا العالم فإن دراسة حديثة صادرة عن مجلة CEOWORLD الأمريكية أشارت إلى أن المملكة في المرتبة الأولى عربيًا على صعيد الأفراد ممتلكى العملات المشفرة بإجمالي 4.2 مليون شخص يمثلون 11.37% من السكان، ما يضعها في المركز السابع عالميًا على صعيد نسبة السكان الذين يمتلكون عملات مشفرة.

ويصنف الخبراء سياسة المملكة تجاه العملات المشفرة بأنها حذرة إلا أنها تستثمر في تكنولوجيا البلوكشين كجزء من رؤيتها 2030 لتعزيز الاقتصاد الرقمي، وفى الوقت نفسه أصدر البنك المركزي السعودي "ساما" تحذيرات متعددة بشأن مخاطر الاستثمار في العملات المشفرة، مشيرًا إلى أنها ليست تحت أي رقابة تنظيمية في المملكة.

سعيد عبد الله الدويغري، الباحث في أمن المعلومات، يقول إن تنظيم العملات المشفرة بالمملكة مرهون بحجم الطلب والمخاطر المدروسة، ومع الاستثمار في البلوكشين، تتزايد فرص تحول المملكة إلى مركز إقليمي وعالمي لهذا السوق، شرط تعزيز القوانين والبنية التحتية الرقمية.

ويشير الدويغري إلى أن تصدر المملكة الترتيب بين الدول العربية في امتلاك العملات المشفرة يعكس تزايد الوعي والاهتمام بتقنيات التمويل الرقمي، ما يشير إلى احتمالية نمو هذا السوق في المستقبل.

المرحلة السادسة.. تجربة احترافية

النظر للأمور من الخارج أحيانًا يكشف بعض النقاط الغائبة عن الغارقين في التفاصيل والتعقيدات، وبالتالي طرحنا عدة أسئلة متعلقة بواقع ومستقبل العملات المشفرة ومشكلاتها على السورى أيهم ماردينى، الشريك المؤسس لإحدى منصات التداول المعروفة.

يُقيم أيهم فى هولندا حاليًا، ومن هذا المنطلق بدأ حديثه بأن العملات المشفرة باتت واقعًا، فهى مرخصة فى البلد الذى يعيش فيه، وكذا الحال فى باقى أنحاء أوروبا وفى الولايات المتحدة، مضيفًا بأن وصفها بـ"مجرد فقاعة ستزول" أمر غير منطقى، وكان مقبولاً مناقشة تلك الفكرة بين عامي 2016 و2017 قبل تطور المجال بشكله الحالي.

ويضيف أيهم أن الأفضل بالنسبة للدول التى تمتلك تكنولوجيا، أن تسارع فى تقنين وضع العملات المشفرة لمحاربة السوق السوداء وتوابعها الخطيرة خاصة عمليات النصب على المبتدئين الذين يدخلون إلى السوق دون دراية عند سماع حجم الأرباح والفرص المتاحة.

ويشير إلى أن دخول الدول عالم العملات المشفرة من عدمه يشبه فى تقديره الفرق بين تطور الهاتف نوكيا وأيفون، فالكل يعلم كيف انتهت ماركة نوكيا بعدما كانت رقم 1 فى العالم، وبسبب عدم التطور اختفت وحل مكانها ماركات أخرى أكثر تطورًا مثل أيفون.