فى أكثر الأفلام رعبا لن تجد مشهدًا مثل هذا، سيدة لم تعبر بعد منطقة العشرين من عمرها تحمل على يدها فتاة لم تحتفل بعيد ميلادها قط، تشاهد خالها من بعيد فتقفز فرحًا استعدادًا لما قد تحصل عليه من دلع أو قطعة حلوى مختبئة هنا أو هناك، فتسبق فرحتها عدة رصاصات نارية تقتل والدها وتصيب أمها بعاهة دائمة وتشوه لها وجها لم تفرح برؤيته فى المرآة بعد.. الأسبوع الماضى فعلها رامى فى أخته مريم بحجة أنها ترفض العودة للمسيحية.
مريم أسلمت منذ ثلاث سنوات، ورامى الذى ربما لا يعرف للكنيسة بابا تذكرها وقرر أن يرتكب جريمته وفاء للمسيحية التى هى أصلا دين محبة وسلام، مثلها مثل أى رسالة نزلت من السماء.
حجة مفتعلة لشاب ربما لم يقرأ إنجيلاً أو يسمع ترنيمة واحدة بصوت «فيروز»، يمكنك أن تضيفها إلى عنقود الحجج الذى يتفنن المصريون فى حبكته لإيقاظ الفتنة التى يلعن الله من يقلق منامها فى الليل والنهار.
رامى ليس الوحيد الذى بحث عن «حجة» لكى يشهر من أجلها سلاحه، سبقه الكثير من الجانبين اختلفت أسلحتهم ولكن حجتهم تشابهت.. واحدة ست.
شاب مسيحى عاكس فتاة مسلمة.. فتعلن ميكروفونات المساجد الجهاد للدفاع عن عرض الإسلام، مرة أخرى يحدث فيها العكس فتطلب عظة الأسبوع من شعب الكنيسة الانتقام لشرف الصليب، حتى حينما تعلق الأمر بفتاة وظيفتها الرسمية «فتاة ليل» استيقظت الفتنة وراح ضحيتها فى الصعيد العشرات.
هل وصل المسلمون والمسيحيون فى مصر إلى تلك الدرجة من عدم الثقة فيما أوحت به السماء من عقيدة، يرون أنها قد تنهار إذا خسرت واحدة ست، أو يعتقدون أنها قد تسمو إذا أضيف على قوائم المؤمنون بها.. واحدة ست.
الأزمة إذن لا علاقة لها بالدين، لأن بلدا لا يأمن على بناته فى عز الضهر من حفلات التحرش الجماعى كاذب لو قال إن شعبه متدين، هى مسألة قوائم يسعى كل فريق لزيادة تعدادها حتى يقف على الجانب الآخر من الطريق ويخرج لسانه متلاعبا للفريق الآخر، مثلما يفعل جمهور الأهلى حينما يضيف «عدلى القيعى» لقائمته لاعبا كان يرتدى الفانلة البيضاء من قبل،حتى «حوار الأديان» تلك الفكرة المتحضرة حينما حاولنا تنفيذها، بحثنا فقط عن معركة لها فائز ومهزوم فجرينا خلف مناظرات «كشك وديدات و مكدويل وزكريا بطرس» واحتفظنا بها داخل بيوتنا على سبيل الاحتفاء بذكريات انتصار فى معارك وهمية خاضها بالنيابة عنا رجال، الله وحده أعلم بنواياهم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة