كأننى دخلت إلى سيناريو مكتوب مسبقًا، أشرت إلى الميكروباص، فتوقف بشكل طبيعى، تمامًا كما يتوقف أى ميكروباص يشير إليه أى راكب، انفتح الباب، كأى باب، وركبت، ككل مرة، وتنحى أحد الزملاء الركاب فدخلت وجلست إلى جوار الشباك، الذى لا يختلف فى شىء عن أى شباك آخر. وضعت يدى فى جيبى، كالعادة فى مثل هذه الظروف، وأخرجت ورقة بعشرين جنيهًا، وناولتها للجالس أمامى، وبمجرد أن أشهرتها فى الهواء، ضج الركاب بالضحك، كأننى أخرجت نكتة من جيبى، حاولت استيضاح الأمر، فلم أفهم، ونظر إلى الركاب نظرات ملؤها الشفقة والعطف وأشياء أخرى.
الجالس بجوارى، الذى كان قد تنحى منذ قليل، مال على أذنى ونصحنى:
- لو معاك فكة اديهاله أحسن.
ثم اعتدل، كأنه لم يقل شيئًا، وكأنه أدى كل ما عليه فى الحياة وبإمكانه أن يموت مرتاح الضمير. لم أتعمد تجاهل نصيحة جارى الطيب، لكن ما باليد حيلة، وما بالجيب فكة أقل من العشرين جنيهًا، أعطاها الراكب الذى أمامى للذى أمامه فى تسلسل منطقى للأحداث، وما إن وصلت إلى يد السائق حتى نظر إليها بوله، ونظر إلى فى المرآة نظرة معناها: يا أهلاً وسهلاً. الركاب الأعزاء، الذين ضاعت من قلوبهم أسباب التعاطف مع راكب زميل، أوقعه حظه العثر فى موقف كهذا، ضجوا بالضحك مرة أخرى، وارتفع الضحك جدًا، والسائق يشهر قبضة ممتلئة من بالجنيهات وأنصاف الجنيهات المعدنية، 15 جنيهًا، و8 أنصاف جنيه معدنية، وصلت إلى بنفس التسلسل المنطقى للأحداث الذى ذهبت به العشرون جنيهًا العزيزة
الراكب الطيب الجالس بجوارى أشار لى الذى يجلس ورائى، رفع يده أمام وجهى، قائلاً:
- أنا كمان خدت باقى العشرة جنيه فضة.
لم أعرف ماذا ينبغى عليّ أن أفعل، فى حين تعالت تعليقات الركاب:
- حرام عليك طب حتى كنت تديله فى وسطهم ربع جنيه ورق.
- خلى بالك بس لحسن يشخللوا ويلموا عليك الحرامية. كان ذهنى يعمل بسرعة كبيرة.
أولاً: سأؤسس جروبًا على الفيس بوك أجعل عنوانه: تضامنوا للقضاء على الجنيه الفضة.
ثانيًا: سأشترى صرة قماشية، لأحمل فيها الدنانير، أقصد الجنيهات، إذا تعرضت لمثل هذا الموقف مرة أخرى.
ثالثًا: على جنب يا أسطى، خد فلوسك، وهات العشرين جنيه بتاعتى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة