لا أقتنع أبداً حينما أشاهد نفسى نفرا من ضمن أنفار كثيرة تهتف وتشارك فى زفة مفتعلة، أنسحب فى هدوء وأترك للمطبلاتية كل الفرص المتاحة لإظهار مواهبهم، وأستمتع بمشهد النهاية حينما تنفض الزفة دون أن يدخل العريس على العروسة، لهذا لم أسع حتى للتفكير فى الزفة الإعلامية التى صاحبت تصريحات الشيخ القرضاوى حول السنة والشيعة، لأن الموضوع من أصله مفتعل، تتخاطفه صحف تدعو على الفتنة ومن يوقظها فى أول السطر، وتكره من يقول آمين فى آخر السطر بحثا عن إثارة تملأ صفحات الجرايد وشاشات التليفزيون.. حتى تكتمل عملية البيع.
لا أصدق أن من ينشر عناوين بالبنط العريض عن حرب قادمة بين السنة والشيعة، بسبب تصريح لشيخ هنا أو هناك، يضع يده على قلبه خوفا من تلك الفتنة، هو فقط يضع يده على جيبه لحصاد مكاسب المشاركة فى الزفة،وعموما أنا لا أندهش حينما يتوقف الخائفون على شمل الأمة عن الصراخ، بعد مشاهدة صورة تجمع بين قطب سنى وآخر شيعى، يتبادلون الأحضان ويؤكدون أن كل شىء تمام، رغم أنهم قبل الصورة كانوا يتحدثون عن جذور ممتدة للفتنة بشكل يجعلنى أنحنى شكرا لتلك الجذور الشريرة التى تختفى لمجرد ظهور صورة محبة.
هذا عن السادة النافخين فى نار الفتنة أما عن السادة النافخين فى نار الذات، فلم أصدق نفسى حينما شاهدت ما أجمع عليه مجلس أمناء الاتحاد العالمى للمسلمين فى بيانهم الذى ناصر القرضاوى فى موقفه بل وزايد عليه، ثم اختتمه بتنصيب الدكتور يوسف القرضاوى رمزا للأمة الإسلامية مع أننى واحد من أفراد هذه الأمة ولم أنتخبه.
أحترم الدكتور يوسف القرضاوى كثيرا فله من الآراء والحكمة فى التعامل مع المواقف، ما تجعل الكبير فى البلد تلميذا فى حضرة مدرسته، ولكننى لم أحترم بيان الاتحاد العالمى للمسلمين، ربما لأن القرضاوى هو رئيس الاتحاد، وشعرت فى سطور البيان بالكثير من النفاق، أو لأن مابين سطور البيان جاء صادما، لأنه أوحى بشكل أو بآخر أن صفوة علماء العالم الإسلامى المعتدلين، قد صنفوا ماحدث بسبب تصريحات القرضاوى عن الشيعة بأنه معركة اتخذوا فيها جانب القرضاوى.. وأعلنوا بذلك رسمية الصراع المذهبى بين السنة والشيعة، بعد أن ظل طوال السنوات الماضية مجرد مناوشات بسيطة، بين فتية يلعبون على الإنترنت، أو قادة يلعبون فى سيرك السياسة، أو مثقفين وكتاب يتلاعبون بمشاعر القراء.
لم يناصر البيان الشيخ القرضاوى فقط، بل وضعه على رأس جيش السنة، وطلب منه قيادة معركة الخلاص من الشيعة، بعد أن أطلق صفارة البداية لباحثيهم لإثبات أن ساكنى بلاد فارس كفار أولى بالحرب من سكان تل أبيب!.