د. محمد مورو

أزمة الرأسمالية.. عابرة أم بنيوبة؟

الخميس، 30 أكتوبر 2008 02:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعترف رئيس المفوضية الأوروبية جوزية مانوى باروز بأن الأزمة المالية العالمية هى أزمة طارئة، وأن كل ما يأمل فيه أن يرى ضوءًا فى نهاية النفق، لكننا لم نصل إليه بعد، وربما يكون هذا الضوء المزعوم، هو ضوء خادع أو كاذب، أو نوع من الأمانى والاحلام غير الحقيقية، وأننا بالفعل أمام أزمة طاحنة للرأسمالية، ومسألة أن هذه الأزمة أزمة طاحنة، هو أن يتفق عليه كل خبراء الرأسمالية والمسئولين الكبار فى الدول الصناعية الكبرى، ومن ثم فأقصى ما يتمنونه أن تمر الأزمة، ولا تدمر الرأسمالية تماما، حتى ولو حدثت خسائر باهظة.

فى الإطار نفسه أكدت السيدة الأمريكية جانيت بلين رئيس فرع الاحتياطى الفيدرالى فى مدين سان فرانسيسكو الأمريكية أن الاقتصاد الأمريكى دخل مرحلة الركود، وقالت بلين فى كلمة ألقتها فى بالو التو غرب كاليفورنيا إن المؤشرات المتوفرة حاليا تظهر أن الاقتصاد الأمريكى كان أضعف مما هو متوقع خلال الربع الثالث من العام الحالى، ولم يحقق أى معدلات نمو جوهرية.

وتوقعت المسئولة الأمريكية استمرار معاناة الاقتصاد الأمريكى من الضعف خلال الفترة المقبلة، مؤكدة أنه حالة ركود، وأضافت أن إنفاق الشركات تراجع بسبب آثار الأزمة الاقتصادية الحادة،ضعف الطلب على منتجاتها، وصعوبة حصولها على السيولة المطلوبة لمواصلة أعمالها، وأن قطاع تكنولوجيا المعلومات الذى كان يعد من القطاعات السنوية فى الاقتصاد الأمريكى بدأ يتراجع.

من جهتهم أكد 52 اقتصاديا استطلعت آراءهم صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية أن الاقتصاد الأمريكى دخل مرحلة الركود وسيبقى كذلك مدة من الزمن، وأن ذلك يعنى تراجع إجمالى الناتج المحلى الأمريكى لثلاثة فصول متتالية على الأقل، وهذا لم يحدث منذ نصف قرن على الأقل، وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فى تقريرها السنوى عن تزايد عجز الميزانية الأمريكية إلى 445 مليار دولار ما يشكل 3.2 من الناتج المحلى الأمريكى.
وهكذا فنحن أمام أزمة رأسمالية وأمريكية خاصة، باعتراف كل الخبراء، وبديهى أن الرأسمالية تمر بأزمات واستطاعت أن تجتازها من قبل، ولكن ذلك غير متاح بسهولة هذه المرة.

كانت الرأسمالية عموما، والرأسمالية الأمريكية خصوصا تحل أزماتها عن طريق المزيد من نهب القارات والدول والشعوب، أو طبع المزيد من الدولارات وتصديرها، وهى عملية نصب ولصوصية واضحة، ووصلت قيمة الدولارات المصدرة للخارج، ومن ثم دعم الآخرين لأمريكا بلا مقابل حوالى 5 تريليونات دولار، موجودة كاحتياطى فى بنوك الدول الأخرى، وكذا فإن الودائع الأجنبية فى البنوك الأمريكية زادت عن 15 تريليونا، وهكذا نحن أمام رقم يزيد عن الدخل السنوى الأمريكى الذى يبلغ 13.8 تريليون دولار، وبديهى أن هذه أمور تم استنفادها بالكامل، فلم يعد بمقدور الآخرين أخذ المزيد من الدولارات والاحتفاظ بها ومن ثم دعم الخزانة الأمريكية بقيمتها، ولا ادخار المزيد من الدولارات فى البنوك الأمريكية، وفى الأزمات السابقة للرأسمالية ولأمريكا، كان يتم إثارة حروب عقب كل أزمة، ومسألة إثارة الحروب الآن لم تعد متاحة، فالحرب العالمية تعنى نهاية البشرية!!، ويمكننا أن نقول إن الأزمة الرأسمالية الأمريكية كانت معروفة وواضحة منذ نهاية القرن الماضى وبداية القرن الحالى، وأن قرار غزو العراق جاء فى إطار محاولة حل هذه الأزمة عن طريق السيطرة على البترول واحتواء روسيا والصين، ومن ثم التحكم فى الرأسماليات الأخرى فى أوروبا والصين وروسيا، ولكن المقاومة العراقية أفشلت هذا المشروع، وأسقطت ما كان يسمى الحلم الامبراطورى الأمريكى.

نحن إذن أمام أزمة طاحنة، ليس هناك لا وسيلة ولا طريقة للفكاك منها، لأن كل الوسائل تم استنفادها بالفعل، فلم تعد الخزانة الأمريكية قادرة على طبع دولارات بلا مقابل إنتاجى وتصديرها، لأن العالم اكتفى وزيادة من هذا النصب الدولارى، لوا يمكن إثارة المزيد من الحروب وكذلك لم يعد من الممكن السيطرة على العالم أمريكيا بعد فشل المشروع الامبراطورى الأمريكى بفضل المقاومة العراقية، ومن ثم فإن الحديث عن نهاية الرأسمالية، أو نهاية أمريكا حديث جدى وليس حديث أمانٍ وأحلام، وصحيح أن ذلك لن يتم غدا ولا بعد غد، فهو قد يستغرق عشرات السنين على الأقل، ولكنه حقيقى وموضوعى، وقد تجتاز أمريكا هذه الأزمة، وكذا الرأسمالية العالمية، ولكنها ستترك بصمات قرب النهاية على الجسد الأمريكى، أنها أشبه بذبحة صدرية رأسمالية وأمريكية قد لا تؤدى إلى وفاة المريض، ولكنها ستدمر أجزاء من المخ أو القلب أو غيرها، وهى مقدمة للموت ولو بعد حين.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة