أطلعتنا بعض الفضائيات الأسبوع الماضى على حلقة فى سلسلة الإهمال واللامبالاة التى باتت تنحر فينا خراباً. ليلى وعلىِّ اللذان قضيا فى مستشفى النيل بدراوى. نعم, الموت علينا حق وعندما يأتى قضاء الله فلا راد له. ولكن عندما تعبث يد الاستهتار والإهمال بحياة أولادنا وأخواتنا متسترة بقضاء الله، فهذا ما سئمته عقولنا وضاقت به نفوسنا.
والدة علىّ لا تقوى على الحديث، تحدثت إلى والده، لم أتفوه بأى كلمة عن مشاعر الحزن والإحباط. فمن السخافة الحديث عن حزنى وحزن الكثيرين غيرى مهما بلغ, لنفس أعلم أن قلبها يعتصر وروحها تكاد تنسحق على فراق فلذة كبدها، لم يصرخ الرجل، لم يعبر عن غضبه. لم يلعن الحياة، لم يسُب الدنيا، لم يتوعَد المسئولين، لم يهدد العاملين بالمستشفى، لم يطالب بالقصاص، لم يقل أو يقم بأى مما توقعت، سألته: علمت أن غضبك يضاهى حزنك، على من أنت غاضب؟ قال قويا: «لست غاضب من شخص، أنا غاضب من حالة.. حالة البلاهة التى وصلنا إليها. أنا غاضب على كل ما هو خطأ القضية ليست قضية دكتور بشخصه أو أنبوبة بها عيب، إنها قضية مسئولية وحق! رضيت أن يُشرَّح جسد ولدى! ولا أريد شيئا إلا الحق وأن يتفادى أى أب آخر مثل هذه المصائب، وأقسمت أن أصل إلى الحقيقة، وإذا حصلت على تعويض مادى فأنا متبرع به لمستشفى أبو الريش».
نعم يا سيدى أتفق معك. فإذا كنا عبيداً للاستهتار حتى إن بعضنا لا يكترث لحياته وحياة الآخرين، فإن هذه بالفعل حالة من التخلف مغلفة بالحماقة والبلاهة، ولا يزيدها تخلفا إلا تقاعسنا فى تحديد المسئولية والمسئول. لا نعلم إن كان المسئول موظفا بالمستشفى أو عاملاً بالشركة المنتجة لأنابيب غازات التنفس أو أى جهة رقابية بينهما، لن نستبق التحقيقات، ولكن هناك جانيا مستهترا أو عدة جناة، فلن نحتمل أن يُحفظ الملف أو تتوه المسئولية، ليس للانتقام ولكن لقدر بسيط من الاطمئنان، وإن أخفقت الحكومة فى تحديد الجانى فإنها كلها جانية، إن لم ينعم جسد علىِّ الصغير بأن يوارى الثرى دون أن يُشرَََََََّح فمن حق روحه أن تنعم بالسكينة إذا اطمأنت أن والديه حصلا على أدنى حقوقهما.
من حق والدى ليلى وأخيها اللذين كانت تعولهما فى مرضهما أن تبقى ذكراها مقرونة ببعض الأمل والحق ليس فقط بالظلم. من حق مئات الأرواح التى قضت على يد الإهمال والتسيّب أن تطمئن بأن المهزلة التى قضت بسببها ليست أزلية.
من حقنا جميعاً ألا نعيش لحظات رعب إذا اضطر أحد أبنائنا أن يخضع إلى جراحة بسيطة.
لا أحلم بحياة خيالية تخلو من المصائب والحوادث، ولكن فقط أتمنى أن يكون قَسَم والد علىّ بداية لتقويض حالة الاستهتار واللامبالاة التى تقتلنا كل يوم. وياليتنا نقسم كلنا معه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة