عصام شلتوت يكتب من غانا

فقراء ساحل الذهب يحلمون بملايين نادى تشيلسى

الخميس، 30 أكتوبر 2008 03:27 ص
فقراء ساحل الذهب يحلمون بملايين نادى تشيلسى عصام شلتوت يشترى «الفوفو» الوجبة الغانية الشعبية -تصوير حسام دياب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ابتسم أنت فى أكرا وغانا..جملة يرددها كل من يقابلك منذ أن تطأ قدماك مطار أكرا الدولى، وربما الحدود البرية لكل غانا أيضاً. كان لى حظ زيارة غانا فى مناسبة سعيدة للجميع هناك، فقد كانت تحتفل بالعرس الكروى 2008، وكنت ضمن الوفد الإعلامى المصرى، ولذا كان الترحيب بنا شديداً والابتسامات ترتسم على وجوه كل من يقابلنا، زاد منها أن الزعيم الغانى نكروما حبيب كل الشعب هناك تزوج من السيدة «فتحية المصرية» أو «فتحية ناصر» كما يطلقون عليها وهم يستقبلون أى مصرى زائر لبلادهم، أما اسمها التقليدى فهو «فتحية نكروما»، وما أدهشنى أن السؤال عن مصر ناصر مازال يتردد على ألسنة الغانيين لأن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وكما عرفت، يذكره بكل احترام جيل يحكم الآن أو يترأس عددا من المصالح الحيوية التى يمر عليها الزائر بدءا من المطار.

ربما لا يدرك من يزور غانا لأول مرة، أنه فى لحظة خروجه من المطار سيجد شوارع أكرا تحمل العديد من الملامح أهمها حالة النظافة والالتزام المرورى برغم انتشار الباعة الجائلين فى إشارات المرور التى تعد سوقاً مهمة لهم، حيث يطاردون الزبائن من راكبى الميكروباص والتاكسى وأصحاب السيارات الخاصة، والبضاعة.. ماء مثلج ومرطبات ووجبة خفيفة من البطاطس، تعدها السيدات البائعات وتغلفها بأكياس بلاستيكية.

أكرا وكل المدن الغانية، لديها ساعات ذروة، تبدأ منذ السادسة وحتى العاشرة صباحاً، بسبب ذهاب الموظفين سواء إلى أعمالهم الحكومية التى تبدأ فى السابعة والثامنة، أو العمل الخاص الذى يبدأ فى التاسعة والنصف، بعد العاشرة تبدأ الانفراجة المرورية التى تستمر حتى الساعة الخامسة مساء، موعد عودة العاملين والموظفين الرسميين وتستمر حتى الثامنة موعد انتهاء الأعمال الخاصة.

الشباب من الجنسين فى مدن غانا يعيشون نهجاً أوروبياً، ورغم انخفاض المستوى المعيشى هناك، لكنك تلاحظ استمرار العمل طوال الأسبوع حتى مساء السبت، عندما يذهبون للسهر سواء فى الديسكوهات المعروفة مثل «البكارى» فى أكرا و«فيينا» فى كوماسى وتكلفة الفرد تصل فى تلك الأماكن إلى ثمانية دولارات للسماح بالرقص فقط. أما المشروبات فيتراوح سعر الواحدة منها بين 2 و5 دولارات سواء كانت غازية أو كحولية، فى حين يكون يوم الأحد إجازة حتى بالنسبة لأماكن السهر.

المواطن الغانى يعتد كثيراً بنفسه، ويحاول العيش بكرامة كارهاً من يستعلى عليه، وما يدهش زائر المرة الأولى هو تلك التركيبة الغانية الشخصية، فحتى من يسألك، كزائر - إن بدا عليك ذلك - المساعدة، تجده لا يكرر الطلب، بل يتركك سريعاً بكل حياء إذا لم تستجب لطلبه.

المرأة فى غانا تعمل بجد فى كل الأماكن والشوارع والخدمات العامة والفنادق والتجارة، أما الرجل فهو مشغول دائما بالبحث عن عمل يوفر له دخلاً أكبر، كما أن البحث عن وظيفة حكومية تناسب مؤهل الشخص عملية صعبة، والبديل هو العمل الخاص خاصة فى محال «السوبر ماركت» وهى التجارة التى يسيطر عليها أبناء الجالية اللبنانية، بالإضافة لانتشار مطاعمهم وأكلاتهم، وحتى المطاعم الإيطالية هناك يديرها اللبنانيون، ولا ينافسهم إلا الهنود لكن على استحياء.

أفراد قبيلة الاشانتى هم الأكثر حصولاً على فرص عمل خاصة مع المستثمرين الأجانب، عرباً كانوا أو أوروبيين أو الجاليات اللاتينية القليلة نسبياً، ويرجع السبب فى ذالك إلى أن قبيلة الأشانتى هى الأهم والأكبر وملوكها هم الأقوى، وعلى بعد منها تأتى قبيلة «الإيوى» لكن دون سطوة، تليهما قبيلتا لمامبروسى واليوريا .

مناطق الأشانتى عامرة بالزراعة سواء الفاكهة أو محصول «المومو» الذى يعد الوجبة الشعبية التى تشبه إلى حد كبير الفول فى مصر. «المومو» يشبه «القلقاس» ويتم أكله نيئاً بعد تقيشره، فقط دون أن يدخل النار، وإلى جواره «الفوفو» وهو نوع من المحاصيل مثل الذرة يتم «دقه» فيصبح مثل الدقيق يتناوله الجميع كوجبة سريعة مع «الصوص»، وبأنواع كثيرة، وتشمل الوجبة أيضاً البرتقال والتفاح، وثمن التفاحة فى الشارع 20 بيسوس، وهذا البيسوس يساوى «1» من «100» من قيمة العملة الغانية التى يطلق عليها «سى دى»، أما البرتقالة فبنصف هذا السعر، وكل «100» دولار أمريكى تساوى «96» غانا سي دى، وبالنسبة لدخل الفرد فالمهن والوظائف التى يصل راتبها إلى «500» سى دى، يعد صاحبها من المحظوظين حيث يؤمن هذا المبلغ له ولأسرته - إذا كانت لديه أسرة - حياة كريمة. أما الشباب من الجنسين فهم يعملون من أجل الحصول على دخل يتراوح بين «100» إلى «250» غانا سى دى.

ملك الأشانتى الحالى أوسى توتو الثانى يعد الرجل الأقوى فى البلاد فهو يحكم تقريباً ثلث غانا، بحكم انتشار قبيلته، بالإضافة لوجودها فى البلدان المجاورة، مثل ساحل العاج فى الغرب، وتوجو فى الشرق، وتعود تلك القوة التى تتمتع بها تلك القبيلة إلى فترة ولاية الملك السابق الراحل أبوكووارى الثانى»، الذى استطاع أن يسيطر على عملية تعيين الوزراء والمحافظين وكبار موظفى الدولة، لدرجة أن الملك الحالى هو الذى يعتمد الرئيس شعبياً، فمثلاً الرئيس الحالى «جون كوفور»، الذى أصبح معبود الجماهير بعدما عدل الدستور بنفسه، وتم وضع نص يمنع أى رئيس من البقاء أكثر من فترتين رئاسيتين، قام ملك الأشانتى باعتماده، شعبياً وليس رسمياً، بمعنى أنه بعد انتهاء المراسم الرسمية لتولى الرئيس تبدأ المراسم الشعبية الأشانتية لتنصيب نفس الرئيس قبل انطلاق فترة رئاسته. فى الوقت نفسه يسيطر ملك الأشانتى على 25% من تجارة الذهب بالتفاهم مع الحكومة، لأن الموروث الغانى يؤكد أن أغلب المناجم فى أراض أشانتية، كما أن الملك وأسرته ومن ثم قبيلته يسيطرون أيضاً على زراعة الكاكا، خاصة بعد بناء «سد فولتا».

الحصول على صورة فوتوغرافية للذكرى عند قصر ملك الأشانتى «أوسى توتو الثانى» يكلف طالبها نحو 150 دولاراً للصورة الواحدة، ومع ذلك سعينا للحصول على واحدة، وما حدث أنه بمجرد وصولنا لقصر الملك وظهور كاميرا زميلنا المصور، والتى بدا عليها بسهولة أنها كاميرا لمحترف تم رفض طلبنا، وعندما حاولنا أن نؤكد لهم أننا مستعدون لدفع أى مبلغ يفوق ما يدفعه السياح لم يتغير الحال، وعلمنا أن تداول صورة الملك ممنوع وقتها.
الجالية المصرية بغانا لا تتعدى الـ500 شخص بمن فيهم أعضاء السفارة البالغ عددهم 23 فرداً، يعمل أعضاء الجالية فى القطاع الخاص ولدى بعض الشركات فى وظائف منها المهندس والمدرس وعالم الأزهر.

فتحية الغانية
مدحت خليل رجل أعمال مصرى ملقب بـ«عمدة المصريين» يعمل فى مجال الألومنيوم ولديه عدة مصانع، متزوج من سيدة غانية اسمها فتحية، ربما تيمناً بالسيدة فتحية المصرية زوجة الزعيم نكروما، ولديه 3 أولاد أكبرهم يتعلم فى جامعة أكسفورد كلية الطب، وطفلان فى الابتدائى. السيدة فتحية زوجة خليل وصلت إلى «نائبة» فى البرلمان هناك، قبل أن يطالبها زوجها باعتزال السياسة، رغم إلحاح مستشاريها عليها للمنافسة على الرئاسة، حيث اعتادت النجاح فى دائرتها بالتزكية بعد أن أدخل زوجها الكهرباء والماء وبعض الخدمات الأخرى لها، لكنه خشى من تقلبات الأوضاع، وأن يحدث تطور سياسى ما فيتهم بأن ثروته نتاج خلط السياسة بالبيزنس، ووافقت السيدة فتحية الغانية، واعتزلت السياسة. «خليل» أكد لى أن كل المصريين الذين حضروا معه للعمل اكتفوا بتكوين مبالغ تتراوح بين 100 أو 150 ألف جنيه والعودة لمصر، برغم محاولاته معهم حتى يبقوا، بل ووعده بمساعدتهم ليبدأوا تجارة خاصة بهم، لإحداث توازن مع الجالية اللبنانية لكنه فشل.

الجالية اللبنانية فى غانا تتعدى الـ 350 ألف نسمة، 95 % منهم يحملون الجنسية الغانية، قيادات الجالية يعدون قافلة سيارات كل 10 شهور، محملة بما لذ وطاب من أنواع الخمور والمأكولات اللبنانية والكافيار والملابس الحديثة، بالإضافة لمبلغ من المال يصل إلى 5 آلاف دولار تقدم جميعها للملك فى حفل راقص حرصاً على مصالحهم، بالإضافة لاستعانتهم بنسبة 99 % ممن يعملون لديهم من الأشانتى ونسبة الـ1 % المتبقية لقبيلة «الإيوى» ومقرها أكرا، ومعروف عن ملك الأشانتى أنه صديق شخصى للعقيد معمر القذافى قائد الثورة الليبية، وعندما كنا فى غانا كان الملك قد غادرها إلى ليبيا لقضاء عدة أيام مع صديقه القذاقى المجتمع الغانى لا توجد فيه طبقة وسطى إلا نادرا،ً وهم بعض من استطاعوا نيل قسط من التعليم خارج الحدود، فهناك إما أن تجد أثرياء يملكون فيلات لا تقل فخامتها عن فخامة القصور، ويعيشون حياة ترف ويبدو ذلك من ملابسهم وسياراتهم الفارهة، أو شعبيين يعملون فى دوائر وخدمات تدور حول الأثرياء.

الطبقة العليا تعمل بالمشاركة مع الأجانب فى الماس والذهب والألومنيوم والنيكل وتصدير الكاكاو، والأخشاب، أما الدنيا فتعمل فى الوظائف وتجارة الخدمات، وحتى فى الأماكن العامة تجد النموذجين، ففى الملاعب الترابية غير المستوية، تجد الأطفال من أبناء الطبقة الدنيا يحملون حلم النجومية فى عالم كرة القدم، ويحملون صوراً «لمايكل أيسن» نجم غانا المحترف فى نادى «تشيلسى الإنجليزى».. ومنساه وأجوجو زميليه المحترفين فى أندية ألمانية ومصرية.

أما أولاد الطبقة العليا فتجدهم يحملون اشتراكات فى حمامات سباحة الفنادق، أو يتنزهون فى كفيا أو يسافرون للتعليم فى إنجلترا، فى حين أن بنات الطبقة الدنيا، تجد منهن من تحاول العمل فى الخدمة العامة، والمهن المتعلقة بتجارة خدمات السياحة والمحال التجارية، أو بعضاً ممن يهجرن أسرهن بحثاً عن المتع فيتحولن إلى فتيات ليل يعملن فى النوادى الليلية، ويلاحظ وجودهن فى الشوارع فى كل ساعات الليل والنهار، ولعل دخول الدول المانحة بعد تعديل الدستور ساهم فى زيادة عدد فتيات الليل، بعد كثرة عدد موظفى الشركات الدولية.

الأكثر إثارة للدهشة لزائرى غانا، هو أن الحالة الاقتصادية الصعبة وضيق العيش، جعلت الأسرة الغانية البسيطة تأكل كل الكائنات الحية التى يراق منها دماء، حتى إذا كانت «وطاويط» وهذا ما حدث معى، فقد لاحظ أحد أصدقائى الغانيين انخفاض وزنى بعد وعكة مرضية، وعلى الفور دعانى على وجبة مغذية، فاكتشفت أنها مكونة من جوز «وطاويط» بالأرز الأبيض والصوص الحار، فرفضت فى أدب فما كان منه إلا أن قال إنهم يأكلون كل ما يذبح وأن الوطاويط وجبة شهية ومكلفة.

لمعلوماتك..
10% من صادرات غانا من الذهب، كما يستخرج منها الماس
1957 عام استقلال غانا عن الاستعمار الإنجليزى
18 مليونا و500 ألف نسمة عدد سكان غانا.
الإنجليزية لغة غانا الرسمية، ونظام حكمها جمهورى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة