بعد شهور قليلة من الافراج عنه فى أواخر عام 2004، أجريت حوارا تليفزيونيا مع أنور إبراهيم نائب رئيس الوزراء , وزير المالية السابق فى ماليزيا، كان من أثرى الحوارات. وفى بداية حديثه عن احتمالات تقدم الدول الإسلامية قال: «اقرأ»، أول ما نزل به الوحى على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. نحن لا نقرأ، والكلام مازال له، فالمقصود ليس قراءة الكلمات بل ما وراء الكلمة، فهم المعنى، تحليل المعنى والبحث.. القراءة والفهم.
وقبل أن يتساءل أحد لماذا أستشهد برجل أتُهم باللواط والفساد المالى؟ أذكركم بأن محاكمته كانت فى نظر غالبية الشعب محاكمة سياسية، أكسبته تعاطفاً كبيرا، وهو الآن على رأس حزب المعارضة الأول. وكان ابراهيم من أهم المشاركين مع رئيس الوزراء مهاتير محمد فى رسم السياسة الاقتصادية، التى جعلت ماليزيا من أقوى النمور الآسيوية. كما كان على رأس التيار الإسلامى فى مواجهة التيار العلمانى داخل حزب« امنو» الحاكم فى ذلك الوقت.
تذكرت كلمات أنور إبراهيم وأنا أتابع تعليقات القراء على مواقع مختلفة، منها التى وردت على كتابات إسلام البحيرى، ومقال سعيد شعيب «جحيم دولة القرضاوى» على موقع «اليوم السابع.» لا أدافع عن الأول ولن أتطرق إطلاقا إلى رأيى فى الثانى، وهو من تداعيات تحذير شيخنا الجليل يوسف القرضاوى من المد الشيعى.
فإذا كانت رسالة المفكر الدكتور كمال أبو المجد بقدره ومكانته، لم تنجح فى إنهاء التداعيات حتى الآن, وإن كانت ردود فعل المفكر الكبيرد.محمد سليم العوا، الأمين العام للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين الذى يرأسه الشيخ القرضاوى، قد انتهت باستقالته من منصبه، فماذا يتبقى لى أنا الأمة الفقيرة؟ لكن ما يعنينى هنا هو أسلوب نقاشنا وما يعكسه.
ما هذا الغضب المتشنج فى حوارنا؟ لا، عفوا، ليس حوارا بمعنى الكلمة فى القاموس. هناك كلام، استفزاز، إهانات، هجوم شخصى ليس فقط على الكاتب، ولكن فيما بين القراء أنفسهم. لماذا نستسهل الهجوم الشخصى الذى يصل إلى حد الإهانة والتوبيخ والاستفزاز دون الدخول فى صلب الموضوع بالتحليل والشرح وطرح البديل؟ لماذا لا «نقرأ»؟ مع كل احترامى لكل المعلقين من القراء، فمشاركتهم فى حد ذاتها فى غاية الأهمية لإثراء مبدأ حق التعبير. ولكن ملاحظتى أن هذه الحالة من الصدام المتشنج تعكس حالة من التعصب الشديد للمؤيد والمعارض.
حالة إن لم تؤد إلى اقتتال، فهى تـهدى أرضا خصبة لأى طرف، إذا أراد لا سمح الله إشعال الاقتتال الذى أشار إليه الشيخ القرضاوى نفسه فى بيان الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين. يرى البعض أنه كان من حق بل من واجب الشيخ القرضاوى أن يحذر أُمته من أى خطر يراه. وقد هب بالفعل، وأصر على التحذير من خطر المد الشيعى.. خطر لم تنخرط فيه بل لم تستشعره، لا بل لم تسمع عنه على الإطلاق الغالبية الكاسحة من المصريين، إلا بعد أن حذر منه. فهل سيهب الشيخ الجليل قريباً ليحذرنا من خطر جلى، نراه ونستشعره، وتنخرط فيه مجموعة كبيرة منا وقد نكون بسببه عُرضة للاقتتال فى يوم من الأيام؟ أم أن الشيخ القرضاوى له رؤية أخرى؟ وإذا كان لديه النية فعلاً فهل ستنطلق تحذيراته على الملأ أيضاً، على صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون التى شهدت تحذيراته السابقة؟ أليس من حقنا على علمائنا أن يأخذوا بيدنا ويعلمونا كيف «نقرأ»لا أن نتصارع؟.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة