عصام سلطان

ولماذا لا نوزع صكوك الدولة سياسياً؟!

الجمعة، 21 نوفمبر 2008 03:01 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما الذى يمنع أن نعمم تجربة توزيع صكوك الملكية، الذى أعلنته الحكومة إن كانت هناك نوايا حسنة فى المشروع، الدولة توزع الصكوك لتوسع المشاركة اقتصادياً، لكنها أغلقت كل السبل للمشاركة السياسية.

الدولة لاحظت أن تذمر المواطنين فى ازدياد من هذه الحالة الكئيبة، وأن هذا التذمر قد اتخذ أشكالاً جديدة، فعمت الاضرابات والتظاهرات والاعتراضات والوقفات الاحتجاجية، وشملت مؤسسات عديدة كانت مأمونة الجانب، مثل مؤسسة القضاء، والضرائب العقارية، وعمال المحلة وخلافه. حين أدركت الدولة أن الخطر الداهم يتهدد البلاد، وأن كل الأوراق مكشوفة، لجأت إلى الاستعانة بالخبرة الأجنبية، وعرض حال البلاد عليها، الذى هو فى غنى عن أى شرحٍ أو بيان.

وعلى الرغم من أن هؤلاء الخبراء متعددو الأعراق والأجناس والمذاهب والأفكار، إلا أنهم أجمعوا على أمرٍ واحد، وهو أن الحل الوحيد للخروج من مأزق الانهيار الحضارى، الذى تغرق فيه مصر، هو تمليك الشعب المصرى أصوله السياسية، حتى يستشعر هذا الشعب أنه يدافع ويتحمل ويعانى وينمى ويطور فى ممتلكاته هو، وحتى ينتقل المواطن من مربع المتفرج إلى مربع المالك، الراغب فى التطوير والتحسين، ثم يبدأ بعد ذلك، باقى خطوات العملية الإصلاحية اقتصادياً واجتماعياً وصحياً وتعليمياً وبيئياً وغير ذلك، التى هى فى حقيقتها انعكاس لعملية تمليك الشعب أصوله السياسية.

وكان مشروع إدارة الأصول السياسية المقترح من هؤلاء الخبراء، متمثلاً فى أمور ثلاثة، تداول السلطة بالانتخاب المباشر، وصناعة القرار، وآليات المحاسبة، بمعنى أن يتملك كل مواطنٍ سهماً فى اختيار رئيس بلده، بالطريق الحر المباشر وبغير قيود، كالمنصوص عليها فى المادة 76 من الدستور، وبشفافية، وبانتخاباتٍ حرة، وبذلك يشعر كل مواطن بأن الرئيس الذى يأخذ القرارات، هو رئيسهم الذى يعبر عنهم، ويتحملون آثار قراراته برضى وبطيب خاطر.

كما يتملك ثانياً كل مواطن بلغ الثمانية عشرة من عمره، سهماً فى قراره السياسى، وغير السياسى، الصادر عن مجلس الشعب، أو الشورى، أو المحليات، أو النقابات المهنية، أو حتى اتحادات الطلاب، فلا يحرم شاب من التصويت فى الجامعة، لأن صوته سيذهب لأى قوى معارضة سواء الإخوان أو غيرهم، ولا تزور إرادة فى دائرة انتخابية، لأنهم سيختارون معارضاً شيوعياً، ولا تقطع وتجمد وتمنع الأموال عن نادى القضاة نكاية فى المستشار أحمد مكى، وهكـذا يملك الشعب قراره عبر مجموع الأسهم المكونة لهذا القرار.

ثم نأتى إلى الأصل الثالث وهو المحاسبة، إذ يجب إسناد هذا الأصل إلى الشعب، ليأخذ قراره فى شأن المرتشين والفاسدين، فيقدمهم إلى محاكماتٍ منصفة، بدلاً من الدفع بهم لمجلس الشعب، حيث الحصانة، ويسأل كل منهم عن ماله، من أين اكتسبه وكيف، ويتتبع كل مصدر أو مورد من موارد الدولة من حيث حصيلته، وإلى أين ذهب، من أول أكشاك المجمعات الاستهلاكية، التى كانت مملوكة للدولة، وحتى دخل قناة السويس. هذه هى أهم ملامح مشروع إدارة أصول الدولة السياسية، والذى كان وبمنطق اللزوم العقلى، ستدار من خلاله الأصول الاقتصادية وأى أصولٍ أخرى.

إلا أن الدولة لم يعجبها نصيحة الخبراء، وتفتق ذهنها عن فكرة جديدة تؤدى ذات الغرض، وفقاً لوجهة نظرها، ولا تقترب من المحظور، فاستبدلت كلمة السياسية بكلمة الاقتصادية، مستفيدة من ذلك بخبرتها الطويلة فىهذا المجال، فخرج مشروع إدارة الأصول الاقتصادية وتوزيع الصكوك بدلاً من المشروع السياسى، وكان القرار بأن يوزع على عددٍ من المواطنين بضعة جنيهات، ثم يجمعها مرة أخرى، ليشعر كل مواطن فى النهاية براحة وهمية، وسعادة وقتية، وتؤول الأصول حسب الأصول لأصحابها.

إنها لعبة استبدال الأولويات، من توسيع المشاركة السياسية إلى استرضاء الناس بالعطايا الاقتصادية المؤقتة، للحفاظ على الوضع القائم، مع أن الحل الذى يرضى الجميع هو أن تكون المشاركة سياسية واقتصادية معاً، بدلاً من أن تطير مصر بجناح واحد فقط، هذا إن كان هذا الجناح الاقتصادى قادر على الطيران أصلاً.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة