عرض تلفزيون بى بى سى الدولى يوم السبت الماضى حلقة جديدة من مناظرات الدوحة التابعة لمؤسسة قطر للتربية وتنمية المجتمع والذى يقدمها ويرأس مجلس إدارتها أيضاً الإعلامى البريطانى تم سباستيان، صاحب الجوائز الصحافية الدولية الذى كان يقدم لعدة سنوات أجرأ برامج البى بى سى الحوارية «هاردتوك»، عنوان المناظرة «عرب الخليج يهتمون بالربح على حساب البشر».
كان العنوان قد أثار اهتمامى عندما عرفته من سباستيان خلال زيارته الأخيرة للقاهرة منذ عدة أسابيع، أولاً، حوالى مليون مصرى وأسرهم يعملون بالخليج، ثانياً، العمال وجزء منهم مصريون، يعانون من أوضاع معيشية مهينة، كما أن نظام الكفالة وغياب ضمان الحقوق والحريات يمثل حبلاً حول رقاب الكثيرين، ثالثاً أن مثل هذه الموضوعات لا تٌناقًش أبداً بهذه العلانية لشدة حساسية الحكومات الخليجية منها. سألت تِم: كيف تعمل تحت ضغوط الرقابة السياسية بعد هذا التاريخ من الجرأة الصحافية؟ فقال: «لا رقابة، ما أذهلنى هو الحرية التامة. لم أكن أتوقعها ولكننى لما كنت أستطيع العمل بدونها، سأروى لكِ ما يصدمك؛ حاولت إقامة حلقة من هذه المناظرات فى جامعة هارفارد الأمريكية، تعلمين كيف تسير الأمور هناك بعد أحداث سبتمبر، بدأت الاتصالات اللازمة. استمرت أسئلتهم السخيفة عن أدق تفاصيل المناظرة لستة أشهرحتى قلت لأحد المسئولين هناك: لماذا أجد فى قطر مستوى حرية أعلى من الذى أجده فى الولايات المتحدة!؟».
حضرت التسجيل الحى لهذه المناظرة فى مقر مؤسسة قطر.. سأظل أتذكر بعض الصور؛ نصف دائرة من ثلاثمائة شخص ثلثهم تقريباً غربيون، والباقى من جنسيات عربية وآسيوية متعددة، فريق تصوير فى قمة المهنية، يسيطر على كل صوت وحركة بدقة، تمنيت أن أستنسخه لاستوديوهاتنا.. وزيران قطريان سابقان يتضاربان بآرائهما المتناقضة.. تبدأ المناظرة بحرية تعبير كاملة تحت سقف مبنى شاهق الارتفاع كأنه يفسح للنقد والهجوم كل ما يلزمه من مساحة.. شاب مصرى من الحضور يقول باستنكار وحماسة ساخرة إن حال المناطق التى يعيش بها العمال يجعل بعض المخيمات الفلسطينية يبدو وكأنه منتجعات سبع نجوم! الوزير القطرى المؤيد للعنوان ينتقد العاهل السعودى نفسه! الفريق المعارض للعنوان يحاول دون جدوى الدفاع عن الحكومات.. المناظرة تنتهى بالتصويت و75 % من الحضور يؤيد العنوان.
اليوم التالى لم أجد مشهدا واحدا من كل ذلك على أى شاشة تليفزيون قطرية.. ألا تفتخر دولة ليس بها حتى الآن صحيفة مستقلة واحدة بأن يكون على أرضها هذا النقاش الحر المفتوح لتعرضه على جميع العرب؟ أم أن فى مثل هذه الموضوعات يبقى سقف قاعة المناظرة أعلى بكثير من سقف الحرية فى الجزيرة والقنوات القطرية؟.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة