ما زلت أذكر أن أعمق رؤية انتقاديه قرأتها عن التعديلات الدستورية، كانت للدكتور عبد المنعم سعيد، ورغم حالة الاستقطاب الحادة لدى النخبة وقتها، فالمعارضون كتبوا مؤكدين أن هذه التعديلات هى كارثة الكوارث، والمؤيدون كانوا يرونها إنجازا تاريخيا و«محصلشى»، وبينهما التقط الرجل العيب الأخطر وهو أنه لا يوجد وراءها فلسفة ورؤية، ولكن يمكن القول أنها تغييرات بالقطعة، مادة هنا وأخرى هناك، ولم ينس أن ينتقد عدم تحديد مدد للرئاسة، رغم أنه عضو مهم فى لجنة السياسات بالحزب الوطنى الحاكم.
هذه هى طريقة رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام، البعد بقدر ما يستطيع عن الهتافية التى ملأت الساحة، والإخلاص العميق لما يؤمن به حتى لو اصطدم مع ما تطرحه الحكومة أو الحزب الوطنى، ناهيك عن أنه من الكتاب القلائل فى بلدنا، الذين لا يعيدون إنتاج الأفكار الملقاة على الأرصفة، ولكنهم صُناع للأفكار، يقدمها بسلاسة تحول كتاباته إلى متعة للقراءة.
يمكن الاختلاف مع الدكتور عبد المنعم فى الكثير، مثل التطبيع مع إسرائيل، فهو واحد من الذين تبنوه ودافعوا عنه، والذين دفعوا ثمنا غاليا بسببه، فكثيرون على الساحة يرون أن مثل هذه الدعوات خيانة، لا تقبل المناقشة، بل وسعى بعض الزملاء فى نقابة الصحفيين منذ عدة سنوات لتحويله إلى لجنة تأديب، تمهيدا لفصل الرجل مع آخرين، وتناسوا أن الجهة الوحيدة التى يحق لها أن تحدد من هو الخائن هى القضاء، وأن ما كتبه ويكتبه دكتور عبدالمنعم وآخرون، هو وجهة نظر يؤمن أصحابها أنها لصالح البلد، ومن حقهم أن يدافعوا عنها، ومن حقنا، نحن الرافضين للتطبيع أن نفندها ونكشف خطورتها.
ومع ذلك فلن تجد فى كتابات الدكتور عبد المنعم أى ثأرية تجاه مخالفيه، بل هناك أدب جم، يذكرنى بأدب الأستاذ هيكل، حتى مع الأعداء التاريخيين لليبرالية التى يؤمن ويبشر بها، فالرجل لا يريد تحقيق الانتصار الساحق على أحد، فقط كل ما يريده أن تتسع دائرة النقاش العام حتى نطور الأفكار والممارسات.. حتى تصبح بلدنا أكثر حرية وعدلا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة