السابعة إلا الربع صباحا كان الموعد، توقيت لا يصلح إلا للنوم، ومع هذا منا من «طبق»، ومنا من نام ساعة أو ساعتين، كنا جميعا واثقين أننا سنجمع المجد من أطرافه.كان مشهد البشر فى الشوارع يؤكد لك أن «عيدا» صباحيا قديما يعلن عن نفسه من جديد، الصحف منذ عشرة أيام أكدت أن فريق النادى الأهلى تجاوز باتشوكا المكسيكى بالفعل، والخبراء وموقع الفيفا غرروا بنا، ونفخوا فينا، وأصبح الكلام - فى كل مكان - ماذا سنفعل مع مانشيستر يونايتد فى النهائى!
فى السابعة والنصف كنا «تمام التمام»، الأهلاوية - أمثالى نفخوا صدورهم وتحدثوا بثقة عن إحساس الأهلى بالمسئولية، وعن إمكانية الاحتفال بعد المباراة كنا قد أحرزنا هدفين، وكنا رائعين، وقال طاهر أبوزيد بثقة «أقدر أقول إن الأهلى خلص الماتش».. فى الثامنة إلا الربع خرج عفاريت باتشوكا من الأساطير ووضعونا فى حجمنا الطبيعى، وجلسنا نتأمل خيبة فريق القرن وهو يتراجع، ويستسلم، لم يكن لدينا سوى الدعاء واحتمال مذيع «إيه آر تى» الثرثار السخيف الذى يخطئ فى العامية المصرية، الأهلى «ضحك علينا»، نعرف منذ فترة إنه «فى النازل» ومع هذا لا نتوقف عن الإشادة به، لأنه يحقق البطولات، ولكنه فى اليابان وضعنا وجها لوجه أمام فشلنا، فشلنا جميعا، أنت لا تستطيع أن تحافظ على تقدمك، أنت خائف من النصر، خائف من الهزيمة، الأهلى يحمل توكيل الفرح لا شك، ولكنه فى اليابان بدد «الحلم الكبير»، كنا فى حاجة إلى انتصار ما، حتى لو فى كرة القدم، أهلنا أنفسنا للحديث عن أنفسنا، فى هذه اللحظة الخالية من الأهداف «العامة والشخصية»، أنت أمام لاعبين يفكرون فى أنفسهم، لا يثقون فى أنفسهم، باتشوكا فريق قوى، منظم، لا يفقد الكرة بسهولة، فريق يحب اللعب، قرأ فريق البطولات فوجده سهلا، ووجد مدربه «الحانق» مانويل جوزيه غير قادر على التفكير، اكتشف أن «الخيل الهبلة بتجرى فى أول السباق»، وفاز بأربعة أهداف، لأننا تصورنا أننا انتصرنا، لم يتعلم لاعبو الأهلى أن الكرة لا تأتى مطلقا نحو أحدنا من الجهة التى ينتظرها منها، وأنها ليست مجرد لعبة، اكتشف النادى المكسيكى أننا جئنا من زمن الحرب الباردة وأن جنودنا انهكهم المجد وكبلتهم النياشين، لن يغفر الجمهور للأهلى ما فعله به، لأنه كان يحتاج النصر، صحيح هى مجرد مباراة «واللعب مكسب وخسارة»، ولكن هناك أشياء أكبر، لأننا تعاملنا مع فريقنا على أنه كبير «مصريا وعربيا وإفريقيا»، ولم يعرف اللاعبون أن النادى أصبح - عند قطاعات كبيرة من المجتمع - هو الهوية الشخصية الوحيدة التى يؤمن بها المشجع، وفى أحيان كثيرة تجسد «الفانلة» والنشيد والراية تقاليد حميمة جدا، يجرى التعبير عنها فى المستطيل الأخضر، ولكنها تأتى من أعماق تاريخ الجماعة البشرية، فمثلما يمثل نادى برشلونة مثلا بالنسبة إلى الكتلانيين «أكثر من ناد» لأنه رمز لنضال طويل من أجل الهوية الوطنية فى مواجهة البرجوازية «المدريدية» يمثل الأهلى معنى غامضا لدى الناس، فهو نادى الأغلبية الذى ينتصر لها ردا على هزائمهم الشخصية، ظن لاعبونا أن الجسارة غير مربحة فخسرنا نحن، واستيقظ منا من استيقظ «وطبق من طبق» ونمنا حزانى، ونحن لا نستحق هذا، لقد خذلنى الأهلى لأننى شاهدت فريقا غير الذى أشجعه، وجعلنى أتجاهل هذا الأسبوع أشياء أهم منه.
مثلا نشرت «الأهالى» - الأربعاء - أن مصدرا مسئولا قريبا من رئاسة الجمهورية، قال إن مبادرة الحزب الوطنى والحكومة لبيع الأصول المملوكة للدولة ليس من أجل توريث جمال مبارك الحكم وأن الاتجاه الغالب اعتزام الرئيس مبارك ترشيح نفسه لفترة رئاسية سادسة تنتهى فى 2017، وكنت أتمنى أن أعلق على مصافحة فضيلة شيخ الأزهر للسفاح شيمون بيريز وبعدها يطالب برفع الحصار عن غزة!.. ولكنى سأكتفى بدعاء أحمد فؤاد نجم فى الدستور «إلهى يريح قلبك ويبرد نارك ويتجاوز عن سيئاتك ويجعل قرارك الجنة فى أسرع وقت ممكن، إنه تعالى سميع مجيب الدعوات».