هل سمعت عن فتنة طائفية لم يكن بطلها بنتاً من «هنا» أحبت ولداً من «هناك» أو العكس؟

لماذا اعترفت دينا؟ وكيف تفجر مناخ الاحتقان الطائفى فى البلد؟

الخميس، 18 ديسمبر 2008 05:53 م
لماذا اعترفت دينا؟ وكيف تفجر مناخ الاحتقان الطائفى فى البلد؟ دينا عبد العليم
كتب محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لكى تكتشف كارثة مجتمع ما، لست فى حاجة إلى أسطول من الخبراء، ولم يعد الأمر مثل الزمن الماضى حينما كانت الشدائد فقط هى التى تفضح المجتمع وتكشف عوراته، الآن وبالتجربة العملية تم إثبات أنه بمجموعة من السطور الصادقة التى تمثل فى مجملها حدوتة لمعاناة إنسانية عاشتها فتاة مصرية لم يغادر قطار عمرها محطة العشرينيات، يمكنك أن تكتشف الحقيقة الكاملة لمجتمع ظل يكذب على نفسه مؤكدا أن روابطه الوطنية أكبر من كل شىء، فأيقظته تلك السطور على حقيقة أخرى مختلفة تماما.

السطور التى كتبتها صاحبتها بعفوية تبحث لها عن رفقاء فى المعاناة، وتعطى درسا للاحقين بتجربتها فى ضرورة تحكيم العقل جيدا لأن خطأ بسيطا قد يشعل معركة لا تنتهى أبدا، أشعلت بالفعل معركة لم تنته رغم مرور أكثر من أسبوعين على نشرها، بالإضافة إلى فشل احتفالات العيد وإجازته فى التخفيف من حدتها.

فى العدد الماضى من «اليوم السابع» كتبت الزميلة «دينا عبد العليم» تجربتها الشخصية عن مرورها بثلاث تجارب عاطفية متتالية، يصادف فى كل تجربة أن يكون الطرف الآخر فيها «مسيحيا»، لم تتخل دينا عن عقيدتها، ولم تلعن قواعد دينها التى تحرم عليها ارتباطا بهذا الشكل، وفى نفس الوقت لم تغفل الظرف الاجتماعى الذى يجرم هذا النوع من العلاقات، ولم تنس أيضا رغم صغر سنها وقتها أن تلوم قلبها الصغير على اختياراته التى قد تتسبب فى إشعال فتنة طائفية، لأنها تعلم جيدا ما يحدث من معارك دموية إذا تعلقت المشكلة بين الطرفين -المسلم والمسيحى- بواحدة ست.

كتبت دينا ما كتبته لتستخلص من قصتها معنى يبحث عن سر الفتنة الطائفية الجاهزة للاشتعال دوما، رغم أنها فشلت لثلاث مرات متتالية فى اكتشاف ديانة من أحبتهم، متشابهون إلى أبعد حد، هذا ما أرادت أن تقوله، لم تستغث بأحد ليغير العرف الاجتماعى حتى تجد نفسها مع من أحبت، ولم ترفع راية الحرية الدينية وتستنجد بمنظمات دولية لتحصل على من تحب، لم تتحد دينها، ولا مجتمعها، بل انسحبت بهدوء حينما اكتشفت الخطأ، الذى تحول بعد نشر قصتها إلى خطأ ذى معنى كبير يؤكد على ما نريده حينما نرفع شعار الوحدة الوطنية.. معنى يقول إن عنصرى هذه الأمة متشابهون لدرجة يصلح معها أن نقول إنهما واحد.

عقل دينا ومنطقيتها فى التعامل مع تجربتها العاطفية، لم يشفع لها عند مجتمع يتغنى بوحدته الوطنية بمناسبة وبدون مناسبة وينتج لها من الأغانى والأفلام والكتب والصور ما هو قادر على علاج التشوهات النفسية التى أصابت قضية الوحدة الوطنية نفسها دون غناء أو كلام، ويكفيك أن تقرأ ما تلقته اليوم السابع من تعليقات على الموضوع لتكتشف بنفسك مدى حاجاتنا إلى مستشفى أمراض نفسية قد يمتد من جنوب أسوان إلى شمال الإسكندرية لتحقيق علاج فعال.

اعترافات الفتاة المسلمة التى أحبت 3 مسيحيين، لم تكشف لنا الطبيعة الدموية للمجموعة المسلمة والمسيحية التى لم تدخر جهدا فى انتقاء أقسى الألفاظ والتهديدات وهى تعلق على ما كتبته «دينا عبد العليم»، بل كشفت عن مصيبة أخرى تقول بأن الفتنة الطائفية فى مصر لم تعد مجرد وحش كريه نائم يستيقظ كل فترة مع مشكلة ما، بل أصبحت الفتنة مناخا عاما يحيط بنا نستنشقه ونخرجه للحياة مع زفيرنا.

هذه هى الطريقة الوحيدة التى يمكننا أن نقرأ بها ردود الأفعال على اعترافات الفتاة المسلمة التى أحبت ثلاثة شبان مسيحيين، وبالمناسبة ردود الأفعال لم تكن لتتغير لو كانت الفتاة مسيحية وأحبت ثلاثة شبان مسلمين.

ردود الأفعال تؤكد فى أغلبها أننا أصبحنا أمام مجتمع يسيطر العنف على عواطفه وتتحكم الرغبة الدموية فى أفعاله، وتهم التكفير والتخوين أصبحت على لسانه وكأنها «لبانة»، ردود أفعال تكشف عن مجتمع يعشق أن يكذب على نفسه وينام فى حضن أكاذيبه حتى يصدقها، ولا يكتشف الكذبة حتى لو اشتعلت النار فى الوطن بأكمله. ردود أفعال تؤكد على أن المسلم والمسيحى فى مصر الآن لا تجسدهما الحكايات القديمة عن جرجس ومحمد (مع الاحتفاظ ببعض الاستثناءات التى تعود إلى التركيبات الشخصية)، ولا تعبر عنهما تلك الصورة المفتعلة والمكررة للبابا وهو يصطنع الابتسام فى وجه شيخ الأزهر الذى يبادره بعناق أقل ما يوصف به أنه عناق يفتعله ممثل مبتدئ فى أولى تجاربه المسرحية على مسرح درجة عاشرة.

ردود أفعال ألفاظها نابية، ومهددة بالقتل والحرق وفى نفس الوقت تقرأ لنا حقيقة الوضع الآن فى مصر والذى يسير على هذا النحو.. مسلم يخرج من مسجده بعد أن صب لعناته على النصارى الكفرة، ومسيحى خارج من كنيسته بعد أن صب لعنات غضبه على المسلمين الكفرة، يلتقيان على جانب الطريق ليتحدثا بتلك الحواديت عن الوحدة الوطنية وخلافه وكأن شيئا لم يكن، وتظل البطون مغلقة على ما بها من »قىء« طائفى حتى تظهر شرارة واحدة فتنفجر البطون بما فيها من غضب وكراهية مثلما حدث فى الكشح، ومثلما حدث فى العباسية، وفى الإسكندرية، ومثلما سيحدث قريبا فى أى بقعة من بقاع مصر.

ردود أفعال تؤكد لو أن شابا مسيحيا عاكس فتاة مسلمة.. ستعلن ميكروفونات المساجد الجهاد للدفاع عن عرض الإسلام، ولو حدث العكس ستطلب عظة الأسبوع من شعب الكنيسة الانتقام لشرف الصليب، حتى لو تعلق الأمر بفتاة وظيفتها الرسمية «فتاة ليل» ستستيقظ الفتنة ويروح ضحيتها المئات فى بداية المعركة، ووطن بأكمله فى نهاية المعركة.

ردود الأفعال على اعترافات الفتاة المسلمة التى أحبت ثلاثة شبان مسيحيين ونشرتها «اليوم السابع» فى العدد الماضى خيبت الآمال، لأن النشر كان هدفه التأكيد على معنى ظننا أنه مازال يحيا بيننا الآن، معنى أن الدين لله والوطن للجميع، والإشارة إلى فكرة كانت سائدة منذ عقود قليلة تقول بعدم الاختلاف، تقول بأن المسلم والمسيحى فى مصر نسخة كربونية واحدة يأكلون من نفس الطبق، وينامون على نفس الفرشة ويحتفلون بنفس المولد ويقسمون بالسيد البدوى والسيدة العذراء، ويتفاءلون بنفس العبارات، متشابهون لدرجة تجعل فتاة مسلمة تحب شابا مسيحيا دون أن تعرف ديانته إلا بعد شهور.

هذا ما كان سائدا فى مصر قبل أن تنتشر فكرة دق وشم الصليب لتصنع شرخا جديدا فى العلاقة، وقبل أن ينتشر الشادور الإيرانى، واللحية السعودية لتزيد من حدة الشرخ فى العلاقة التى كانت وحدة وطنية بجد، لا يخدشها الصراع على امرأة أو يجرحها سور كنيسة، لهذا السبب نشرنا تجربة «دينا عبد العليم» ربما لأننا تصورنا مثل دينا وغيرها من أبناء جيلها الذين لم تشوههم بعد أمراض التعصب، أن قصتها الطفولية ومشاعرها الخضراء قد تكون جرسا يضرب فى الرؤوس ليوقظها، علها تكتشف عدم وجود مبرر واقعى لاشتعال فتنة طائفية دموية فى مصر لأننا جميعا مسلمين ومسيحيين متطابقون نعيش على أرض واحدة وفى أحضان ثقافة مشتركة، وسلالة عرقية متقاربة فى الكثير من تفاصيلها.

هذا ما أردناه من القصة، وهذا ما كشفته لنا القصة التى تخيلنا أنها قد تكون كشاف نور يضىء الظلام الذى صنعته الفتنة فى السنوات الماضية، فوجدناها كشاف نور يكشف لنا حقيقة مجتمع يعيش مشكلة حقيقية، ومع ذلك لا يريد أن يتبناها أو يبحث لها عن حل، بل يريد فقط أن يرفع شعار الوحدة الوطنية الوهمى ويردد أن كل شىء تمام، بينما دماء المعارك يسيل من الطرفين -المسلم والمسيحى- تمهيدا لخراب الطرف الأهم.. الوطن!

لمعلوماتك..
2004 العام الذى شهد فتنة جديدة بسبب وفاء قسطنطين.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة