«كان الله فى عونك يا مصر».. الحقيقة كان الله فى عون سمعتك، سمعتك التى يتاجرون ويتشدقون بها ليل نهار، إلى أن تحولت مثل باكو لبان من النوع الرخيص الذى يعطى بدلا من «الفكة».
الإساءة لسمعة مصر، لا نسمعها إلا «وقت الزنقة»، يخرج بها علينا السادة الحنجوريون، متهمين بها من عليهم الدور فى الحسبة السياسية أو الاجتماعية، لدرجة أن هذه الجملة أصبحت تتسرب إلى رجل الشارع البسيط، والذى لم يتمكن من التقاط الجملة بشكلها الصحيح، قال لى سائق التاكسى عندما شاهد بعض الفتيات والشباب يمشون على كوبرى قصر النيل وهم فى حالة من البهجة والاستمتاع بأقل القليل، فقط كانوا يمشون ويضحكون بصوت عال، ذلك المشهد الذى أسعدنى، استاء منه سائق التاكسى وهو يردد «أهم الشباب دول ح يوسخوا سمعة مصر!!!».
يا نهار أسود.. هؤلاء الشباب البسيط الذى يحاول أن يجد ما يمتعه فى الحياة، سائرا على كوبرى قصر النيل فى عز الضهر هم إللى «ح يوسخوا سمعة مصر»؟
حاولت مناقشة منطق الرجل، فقال بمنتهى الإصرار على فكرته الثابتة وبإقحام الدين والحلال والحرام - تلك المنطقة الكفيلة «بتلبيس أى منطق فى الحيط» - خاصة إذا كانت المناقشة مع شخص بسيط لا يحتمل أن تهز ما تبقى له من ثوابت من وجهة نظره «فين الحياء واحترام حرمة الطريق».
فضلت أن استمع إلى الرجل، أصمت تماما وألا أجادله، فلم يعد حكمه على الأولاد هو ما يزعجنى الآن، فقد شعرت بشفقة غريبة وساذجة عليه، لقد تحول الرجل إلى ماكينة لضخ جمل براقة تشبه جمل الحكومة والحنجوريين والمسئولين دون تصديقها أو بوهم أنه يصدقها ويؤمن بها. بالطبع لقد استغل الرجل صمتى واعتبر أنه «أفحمنى» وأخذ يواصل محاضرته فى القيم على طريقة «فين أيام زمان؟ والبنات المحتشمة إللى صوتها ما يطلعش لا جوه البيت ولا براه». فجأة.. وكأن البنات اللى ماشيين على كوبرى قصر النيل هم سبب «توسيخ» سمعة مصر من وجهة نظر السائق.
فى جملة اعتراضية حاولت أن أتسلل بها إلى محاضرته المتصلة، سألته:
إيه رأيك فى حكم البراءة على ممدوح إسماعيل بتاع العبارة اللى مات فيها أكتر من ألف مصرى؟ وإيه رأيك إنك أنت شخصيا ممكن تتسجن لو ركنت صف تانى مثلا عشان تنزل تجيب لك إزازة ميه ع السريع فى عز الحر؟ بحسرة شديدة وكأن الرجل كاد يقول لى «هو أنا ناقصك تقلبى على المواجع»؟ لكنه لم يقل ذلك.. لكنه اكتفى ببعض التعبيرات التى فهمت منها انهزامه وخيبة أمله واكتفى قائلا: «هو إحنا بقينا نملك فى البلد دى حاجة، ولا حتى أرواحنا.. أقولك إيه بس.. ربنا يلطف بعباده». نظر لى فى مرآته الأمامية وقال «هو أنت طول عمرك عايشة فى مصر؟». لم أفهم مغزى السؤال ولم أحاول حتى الاستيضاح.. والتزمنا الصمت والاستماع إلى نجوم FM.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة