اللى بيقول على محمد سعد أراجوز.. أقوله له: أحمد السبكى بيقولك «طظ». ومن هم هؤلاء الذين وصفوا «سعد» بكلمة «أراجوز»؟ إنهم نخبة من النقاد والفنانين والكتاب لم تنقصهم الجرأة ليعلنوا «سقوط الأراجوز» بمناسبة الفشل الذريع لفيلم «كركر»، فلم يتورع منتج الفيلم عن توجيه هذا السباب الجارح إلى أسماء فى حجم أسامة أنور عكاشة وصلاح السعدنى وماجدة خير الله ونبيلة عبيد، فضلاً عن أساتذة فى أكاديمية الفنون تتلمذ «سعد» على أياديهم حين كان طالباً.
ابتسم أنت فى ضيافة السبكية، العائلة الأشهر فى حقل الإنتاج السينمائى، والتى بدأت رحلتها نحو الشهرة والأضواء والملايين انطلاقاً من محال جزارة فى الدقى لتؤكد أن منهجهم فى التعامل مع الخصوم قائم على «الذبح» وأن الخلاف فى الرأى يستدعى سن سكاكين الألفاظ الخارجة، أما المشاكل فى العمل فلا يحلها سوى إرسال 30 بودى جارد ليهدوا المكان على رأس من فيه! كثيرون «يؤرخون» لمسيرة السبكية بفيلم «عيون الصقر» باكورة إنتاجهم «الحراق» عام 1992، ولكن البداية الحقيقية لعلاقة العائلة بالفن السابع تعود إلى عام 1985 حين افتتح أحمد السبكى نادى فيديو أعلى محل الجزارة الذى يمتلكه والده حسن السبكى.
تخصص هذا النادى فى تسويق الأفلام الأجنبية فى مصر، وسرعان ما انضم محمد السبكى إلى شقيقه أحمد، وفى سنوات قليلة أصبح الشقيقان يمتلكان أكبر شركة لتسويق الأفلام فى الشرق الأوسط! آنذاك كانت موجة أفلام المقاولات فى أوجها، وكان المطلوب إنتاج الفيلم فى أسبوعين أو ثلاثة على حد أقصى، وتعبئته سريعاً، وتصديره إلى السوق الخليجية، مع أكبر مساحة ممكنة من اللحم الأبيض العارى، أما الأفلام الأجنبية التى شكلت ذائقة شريحة كبيرة من المصريين وانفجرت بها سوق الفيديو فركزت على الخلطة السحرية لقدرات «بروس لى» المذهلة فى الكونغو فو والكاراتيه، مع الأكشن والمطاردات الأمريكية، وقصص الميلودراما والدموع الهندية على إيقاع موسيقى وغناء أميتاب باتشان.
على هذه الخلفية، قرر الشقيقان أحمد ومحمد اقتحام دنيا الإنتاج السينمائى، فقد عرفا «سر الخلطة»، وتراكمت لديهما الفلوس الأزمة، لم يعد متبقياً سوى الاقتراب من جميلات الشاشة الفضية، وتوزيع الابتسامات أمام كاميرات التليفزيون، وكانت البداية «عيون الصقر»، فيلم لا يتذكره أحد، تلته أفلام: مستر كاراتيه «1993»، سواق الهانم «1994»، امرأة هزت عرش مصر «1995»، الرجل الثالث «1995»، حلق حوش «1997»، شجيع السيما «2000»، الرغبة «2001».
والملاحظ أنه فى «الرغبة» لم يكتفيا بالإنتاج، فقاما بتوزيع الفيلم أيضاً، ومع ذلك لم تحقق هذه الأفلام المكاسب المتوقعة، كما لم تنفجر قنبلة الشهرة التى يحلم بها الأخوان، وألقى الرجلان بآخر «كارت» لديهما، فيلم يستنسخ الشخصية التى ظهر بها محمد سعد فى فيلم «الناظر» لعلاء ولى الدين حين لفت الأنظار بشخصية البلطجى المسطول، ابن الحى الشعبى، وسيكون اسم الفيلم هو نفسه اسم الشخصية «اللمبى».
تكلف الفيلم مليونين ونصف المليون جنيه، وكان آل السبكى قد عقدوا العزم على ترك حكاية الإنتاج هذه تماماً، لو فشل الفيلم أو حتى جاءت إيراداته عادية، والعودة إلى ملعبهم القديم وكانت النتيجة مذهلة والإيرادات استثنائية، 25 مليون جنيه، مليون «ينطح مليون»! هنا انفتحت شهية الشقيقين، فقررا اللعب مع الكبار، و«على تقيل»، كل عام فيلم جديد، بل ربما فيلمان فى العام الواحد كما حدث فى «كلم ماما» و«بحبك وأنا كمان» اللذين أنتجا فى 2003، ثم تطور الأمر فى «آخر كلام» و«بلطية العايمة» و«بوشكاش» و«حلم العمر» و«كباريه» التى خرجت من عباءة السبكية فى عام واحد، هو العام الحالى!
استقرت عميقاً فى وجدان السبكية فكرة أن «الفلوس فلوسنا» و«إحنا عارفين الناس عاوزه إيه»، فهم الذين يختارون نجوم العمل ويوجهون المخرج لما يريدونه بالضبط، ويحددون كل تفاصيل «الأفيش»، ولا يتم تصوير مشهد واحد إلا فى وجودهم، حتى يخرج الفيلم فى النهاية تجسيداً لرؤيتهم للحياة: سيجارة وكأس ورقصة وأغنية شعبية..
إنها رؤية «غلابة» لا تعترف لمخرج بدور أو لممثل بخصوصية، وعلى سبيل المثال مصطفى قمر المعروف بأغنياته العاطفية اضطر لأداء «اللون الشعبى» لأول -وياريت تكون آخر مرة فى حياته- حين تعاون مع السبكية، الإنصاف يقتضى منا الاعتراف بأن هذه العائلة «متسقة» مع نفسها، فهى لم تدع أنها صاحبة رسالة أو أنها المبعوثة الإلهية لانتشال السينما من أزمتها، وتدخلها السافر فى كل تفاصيل صناعة الفيلم يرجع ببساطة إلى فكرة أن «دى فلوس ناس» كما قال ظهر محمد السبكى فى مشهد النهاية من فيلم «آخر كلام» ليقول بفجاجة وبعيداً عن أى سياق درامى لحسن حسنى: قوم يا راجل أنت صدقت.. عاوزين نخلص الفيلم.. دى فلوس ناس!
فى هذا المشهد كان حسن حسنى راقداً على الفراش يتألم، والمفروض أن الجمهور يصدق تأوهاته، لكن السبكى أعجبته فكرة أن يقتحم الفيلم على هذا النحو وكأنه يخرج لسانه للجميع: جمهوراً ونصاً وممثلين، ومن قبل ومن بعد من يفترض أنه مخرج.. والحق أن غرام محمد السبكى بالظهور فى مشاهد من أفلامه على طريقة «فلوسى وأنا حر فيها» يبدو مغرياً بالتأمل، فقد جربها فى اللمبى عندما ظهر فى عزاء والد حسن حسنى، وعدت الحكاية علىخير وقرر أن يزود العيار فى «عمر وسلمى» فظهر -كما لو كان ممثلاً محترفاً- ليجسد شخصية أستاذ جامعى متشدد فى رفضه عدم الانضباط. ولا تنتهى غرائب وطرائف السبكية، فقد أعلن محمد السبكى أنه سينتج فيلما تاريخيا عن غزوة مؤتة.
نعم لا يوجد أى خطأ مطبعى فيما قرأت.. السبكية الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف بقيادة أحمد ومحمد وأولادهما ندى وكريم، وتغرق أفلامهم فى بحر من الإفيهات والتلميحات والحوارات الجنسية، هم أنفسهم الذين سينتجون فيلماً عن الغزوة الشهيرة التى جرت أحداثها فى شهر جمادى الأول من العام الثامن للجهرة، وكان سببها قتل الحارث بن عمير الأزدى مبعوث رسول الله «صلى الله عليه وسلم» إلى ملك بصرى على يد شرحبيل بن عمرو الغسانى، ووقعت أحداث الغزوة فى منطقة مؤتة التى تقع اليوم جنوب غرب الأردن. الأكثر طرافة تلك المسابقة الفريدة من نوعها التى أعلن عنها محمد السبكى لحصر عدد الصفعات التى يوجهها حسن حسنى لابنه فى فيلم «آخر كلام» نص المسابقة يقول «لو عايز تبقى ممثل ونجم كمان مطلوب منك عد الأقلام اللى ضربها حسن حسنى لابنه فى الفيلم» ورغم أن الموضوع مجرد دعاية للفيلم على طريقة السبكية، فإنه يشى بنظرة العائلة للممثل، فأى شخص يمكن أن يكون كذلك «بل ونجماً»، فالمسألة فى النهاية «مش كيميا»! وهذا بالضبط ما أغضب نقابة الممثلين وجعل مجلسها يوجه إنذاراً شديد اللهجة لشركة السبكى يتضمن تنبيهاً بضرورة رفع المسابقة من حملة الدعاية وإلا ستوقف النقابة تعاملها مع الشركة.
ولم تكن هذه المشكلة الأولى التى أثارها السبكية، فالإذاعى أسامة منير أقام دعوى قضائية ضد محمد السبكى والمخرج أكرم فريد لاستخدامهما صوته فى فيلم «عمر وسلمى» دون الرجوع إليه، واعتبر الأمر «سطواً» على حقوقه علماً بأن فيلمى «ظرف طارق» و«مرجان أحمد مرجان» استخدما صوت منير، ومر الأمر دون مشاكل لوجود اتفاق مسبق. وفى فيلم «بوشكاش» اعتذرت «نور» بشكل مفاجئ كما اعتذر المخرج عمرو عرفة، وتعرض أحمد السبكى لخسائر فادحة، فأراد كريم السبكى -الابن- أن يعالج الأمر على طريقته وينتقم من «نور»، فقام باصطحاب عدد وفير من البودى جارد واقتحم استديو السمنودى الذى كانت تصور فيه مسلسلها الجديد «دموع القمر» وقام بتحطيم الديكورات بالكامل وذهب لقسم الشرطة ببلاغ ضد مخرج المسلسل عصام شعبان يتهمه فيه بالسب والقذف، وتحمل دفاتر قسم شرطة قصر النيل وقائع المحضر رقم 2 أحوال الذى يتهم فيه المؤلف السينمائى صابر هلال أحمد السبكى بالسب والضرب لدى مطالبته له بسداد قيمة شراء قصة «الملاكم» والتى تبلغ 20 ألف جنيه.
وقد يبدو مفهوماً غضب نجمة مثل رولا سعد من السبكية واتهامها لهم بأنهم ظلموها، حيث ظلوا لفترة طويلة يطاردونها من أجل التعاقد على بطولة فيلم، وفجأة ألغوا التعاقد دون أن يخبروها وأعلنوا ذلك فى وسائل الإعلام بشكل مستفز لها، وبالتالى فهى ترفض التعاون معهم إلا بعد اعتذار رسمى فى الصحف، لكن ما لا يبدو مفهوماً على الإطلاق هو أن يتم التحقيق مع أحمد السبكى بتهمة قيامه بتهريب اثنين من أصدقائه من مقر مديرية أمن الجيزة هما عمر الطويل صاحب شركة «لورد» للإنتاج الفنى وأمير عبدالرحيم صاحب شركة «الأشراف» للاستيراد والتصدير.. أراد الصديقان مجاملة السبكى و«عمل واجب معه» فانتحلا صفة ضابطى مباحث واستخدما سيارة شيروكى مملوكة للسبكى وقاما بمصادرة كل «السديهيات» التى تحمل نسخاً مقلدة من أفلام السبكى وتباع بسعر رخيص، وأثناء مصادرتهما 40 اسطوانة بحوزة بائع يدعى كرم عبدالرحيم طالبهما بإبراز تحقيق الشخصية، فضرباه ورفضا إبرازها وانصرفا، فقام الضحية بالإبلاغ فى قسم العجوزة فأكد له الضابط عدم وجود حملة للمباحث، وقام بتعميم نشرة بمواصفات السيارة وراكبيها، وتم القبض عليهما وترحيلهما إلى مديرية أمن الجيزة، وأثناء وجودهما هناك جاء السبكى وحاول تهريبهما فتم القبض عليه معهما، وتم تحرير محضر بالواقعتين.
السبكى من ناحيته نفى -لاحقاً- تلك التفاصيل وأشار إلى أن ما حدث كان «سوء تفاهم» وأنكر صديقاه تهمة انتحال صفة ضابطى شرطة، وإن لم ينكر الثلاثة أن الواقعة لها «أساس» من الصحة، ويبدو أن قدر أحمد السبكى المعروف فى الوسط الفنى باسم «الحاج أحمد» أن ينفى ويبرر ويهاجم من باب.. الهجوم خير وسيلة للدفاع، وهذه المرة على الهواء مباشرة، فقد اتهمه عصام الوريث مصمم المعارك السينمائية بعدم صرف مستحقاته فى فيلم «بوشكاش»، فقد كان يفترض أن يصمم خناقة لمحمد سعد مستعيناً بـ 8 مدربين، وفى مكان التصوير اكتفى كريم السبكى بـ 3 مدربين وحين انتهت المشاهد طالب عصام كريم بالفلوس فأخذ يماطله وحين ذهب للحاج أحمد قال له: ليس لك عندى فلوس.. اتفاقك مع كريم، وحين نشرت الصحف الخبر اتصل به «الحاج» قائلاً: انت لك حق.. أنا أخطفك وأجيبك متكتف فى المكتب هنا، وأديلك حقك اللى تستاهله.
وعلى الهاتف جاء رد السبكى عنيفاً وهو يخاطب معتز الدمرداش فى 90 دقيقة قائلاً: ده كداب.. أنا اديته ألفين جنيه ولما جه وقاللى ضلعى اتكسر اديته 1300 جنيه، مين ده يا معتز اللى انت بتسمع له، إحنا السبكية مش بنخطف حد.. وبعد كل هذا هل يجوز أن نسأل أنفسنا لماذا فزنا بنصف جائزة فقط فى مهرجان القاهرة السينمائى؟
لمعلوماتك..
◄25 مليون جنيه حجم إيرادات «اللمبى» الذى فاجأ «السبكية» وأعادهم مرة أخرى للسينما بعد تفكير بالبعد عنها إذا فشل الفيلم مثل سابقيه.
◄1995 بدأت علاقة آل السبكى بالفن من خلال افتتاح نادى فيديو أعلى محل الجزارة الذى يحمل اسم العائلة وتخصص فى توزيع الأفلام الأجنبى خاصة الهندى منها.. حتى بدأ إنتاج الأفلام عام 1992 بفيلم «عيون الصقر».