أحمد عليبه

إعادة التوجيه

الإثنين، 10 مارس 2008 11:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عنوان هذا المقال ليس من عندى، فهو عنوان مقال للصحفى الأمريكى الأشهر "سيمور هيرش" نشرته مجلة "نيويوركر" قبل عام تقريباً، أتصور أنه طرح فيه بعمق رؤية تحليلية ثاقبة حول الاستراتيجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، وأزاح فيه الستار عن خفايا الإطار السرى لكيفية إدارة واشنطن للملفات الساخنة فى المنطقة.
وأعتقد أن أهم ما جاء فى المقال هو البحث فى طبيعة المهمات الموكولة للحكومات العربية الحليفة لواشنطن والتى أطلق عليها دول "محور الاعتدال " فى مقابل دول "محور الشر"، وفى رأيى أن تلك المهمام المقررة هى التى ستضرب فى الصميم آخر نمط للنظام العربى. المقال أيضاً ركز بالخصوص على العلاقات السعودية – الإسرائيلية برعاية أمريكية على اعتبار أن الرياض هى الحليف الأهم استراتيجياً لواشنطن، وأطلق على هذا الشكل من العلاقات "العناق الاستراتيجى الجديد"، منطلقاً من فرضية حالة الاتفاق الضمنى بين المملكة وإسرائيل على أن إيران باتت تمثل لهما خطر تهديد وجودياً، وبالتالى فعليهم أن يدخلوا فى محادثات مباشرة .
وإن كنت لست مهتماً بالدرجة الأولى بالبحث فى مدى العلاقة التى تجرى على قدم وساق وتحت جنح الظلام بين آل سعود والإسرائيليين برعاية آل بوش، فإنى معنى أكثر بالتطرق إلى محاولات التزييف المستمرة فى الوعى الجمعى العربى ومحاولة تشتيت رؤاه فى أكثر من اتجاه لتكريس حالة الفوضى المبتغاه .
وقصدت التطرق إلى هذه النقطة على وجه التحديد بمناسبة مؤتمر القمة الذى سيعقد فى دمشق بعد أسبوعين وتستبقه فى العلانية حالة من اللغط يتم خلالها تسويق وضعية الانقسام العربى إلى معسكرين أو محورين بات من المؤكد أنهما يخوضان غمار معارك سياسية حادة قد تتطور مستقبلياً إلى اتساع الرقاع المتأزمة على خريطة العالم العربى أكثر مما هى عليه الآن، وكأن هناك مجالاً لما هو أكثر .
غير أن هناك واقعاً آخر لما يتم تسويقه على هذا النحو يتم فى الكواليس ، والذى يمكن أن نطلق عليه "دبلوماسية الترانزيت" التى ظهرت للمرة الأولى الأسبوع الماضى بلقاء منوشهر متقى ووليد المعلم فى مطار دمشق، ثم اتبعت بلقاء مماثل فى مطار القاهرة بين متقى وسعود الفيصل، والتى كانت بعيدة عن شاشات الفضائيات ومنشطات الصحف، ولنضع هذا إلى جوار حالة النهم فى التمحور العربى، والتى ظهرت مع عودة العلاقات الدبلوماسية بين قطر ـ المهندس الآخر للعلاقات العربية الإسرائيلية فى المنطقة ـ والسعودية بعد حالة القطيعة الدبلوماسية التى دامت خمس سنوات، وكل هذا يجعلنا نسأل أنفسنا ما الذى يجرى فى المنطقة الآن ؟ ربما نجد إجابة فى المستقبل القريب.
وأستغرب أن لبنان بات يحتل واجهة المشهد، وكأنه أضحى مفتاح حل القضايا العربية المزمنة، والسعودية وسوريا كلتاهما تتشدق فى وجه الأخرى بمطالبها، وكأنهما تتنازعان على مزرعة خاصة لهما، فأى نطاق نفوذ سعودى تخشاه فى لبنان وهى التى سحبت رعاياها قبل إطلاق رصاصة واحدة فى ضواحى بيروت، وأى نفوذ لسوريا فى الضاحية الجنوبية وهى التى سحبت جيشها الجرار مع إطلاق أول صافرة إنذار أمريكى طالبها بالانسحاب.
لكن ربما تسعفنا الذاكرة بأن المبادرة العربية للسلام التى أعلن عنها فى 2002 كانت مبادرة سعودية وقدمت فى قمة بيروت، وأنها لم يلق لها بال حينها رغم سخاء العرض، وبيروت هى التى شهدت شق الصف العربى وكرست لسياسة المحاور بدخول إيران على الخط العربى، وهى التى شهدت آخر معركة إسرائيلية عربية قبل شهور، فهل ستكون بيروت هى بداية التغيير فى ملامح خارطة النظام الرسمى العربى ؟! وهناك توجه لتشكيل جديد فى المنطقة خطط له بمنتهى الدقة، وأنها ستكون بداية النهاية وساحة تصفية الحسابات الحقيقية بالفعل وليس العراق كما كنا نتوقع قبل أعوام، وأكبر دليل على ذلك هى محاولة الإجابة على تساؤلات مثل: أى تصفية حسابات تمت فى العراق ؟ وبين من ومع من ؟ هل بين إيران والولايات المتحدة ؟ لا أعتقد وإيران تفانت فى فتح أجوائها للطيران الأمريكى حين غزو العراق، وهى التى تفوقت بشكل فارق على كل العرب بتقديمها مختلف أشكال الدعم اللوجسيتى للولايات المتحدة متجاوزة كل ما قدمه العرب من السماح باستخدام الأراضى كقواعد لإطلاق النار والمياه كموانى للأساطيل. وجلستا سوياً أربع مرات لرسم مستقبلهما معاً فى العراق، وليس معنى هذا الوفاق، ولكنه شهر عسل سيزول قريباً بعدما تجهزا للمواجهة، فطالما بقيت إسرائيل هى صاحبة الرغبة الأولى فى دك إيران فالأمر مؤجل، ولكن حينما تكون رغبة الإدراة الأمريكية تسبقها فسيكون الأمر واقع، وعلينا أن نراجع تاريخ ما قبل غزو العراق لندرك ذلك بجلاء، ومن ثم فلا تزال هناك الكثير من الخطوات على رقعة الشطرنج الشرق أوسطية، والصدام قادم بين حكومات اليمين الفارسية واليهودية طالما هى باقية فى الحكم، وطالما بقى لكل منهم مشروع إقليمى يبحث كل فيه عن هويته، والعرب سينصهرون فى منتصف المسافة بين طهران وتل أبيب، والبداية قمة دمشق التى ستشهد وفق كل المؤشرات إعلان وفاة الجامعة العربية ومعها شهادة وفاة قممها التى لم تقدم ولم تؤخر فى يوم من الأيام .
فى نفس المشهد، لبست الحرب الأهلية فى لبنان ثوباً جديداً نحت فيه آلة السلاح جانباً وأطلقت فيه العنان لآلة الحرب الحنجورية إلى أقصى حدودها ، يعزف أقطابها على صدى الخارج، وبعد كل هذا يعول العرب على مقعد لبنان فى قمة دمشق، فهذا يعترض وذاك يملى إرادته، وكأن مقعد لبنان هو الذى سيحل الأزمات من المحيط إلى الخليج، وكأن العماد ميشيل سليمان هو المهدى المنتظر الذى سيغير وجه التاريخ، وكأن بغداد لم تسقط بعد عقد قمة بأيام ، وكأن السوادن لم يفتت وهو على رأس كل قمة، وكأن القدس لم تحتل قبل كل القمم، وكأن العرب لم يعد مطلوبا منهم الآن "إعادة التوجيه" بالنظر إلى الداخل وإصلاح ذات البين.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة