حمل وصول المدمرة الأمريكية "كول" قبالة السواحل اللبنانية، العديد من علامات الاستفهام التى ارتبطت بالتوقيت والحدث على السواء. فتمركز المدمرة فى الجانب الشرقى من البحر المتوسط، الذى يشهد العديد من التوترات والتصعيد السياسى والمسلح على السواء، يثير تساؤلاً مهماً حول مغزى وصول المدمرة "كول" أمام السواحل اللبنانية.
فقد تباينت الرؤى حول هذه الخطوة الأمريكية، وذلك لكونها مفاجأة غامضة، لم تعلن واشنطن أهدافها ومقاصدها. فبالنسبة لتقييم بعض المصادر الدبلوماسية الغربية لما حدث، فقد شمل عدة ملاحظات منها:
أن المدمرة الأمريكية لا تقف تماماً قبالة لبنان. بل إنها تكاد تقف فى المياه الدولية، حيث تتمركز المدمرة "كول" على مسافة واحدة تقريباً لثلاث دول، وهم: لبنان وسوريا وإسرائيل. وقد علقت تل أبيب على أهمية هذه الخطوة نظراً لعدم الاستقرار الإقليمى فى المنطقة، وهو ما فسرته العديد من التحليلات بالتصعيد بين إسرائيل وحزب الله من جهة، بالإضافة إلى حالة التوتر التدخل السورى فى لبنان.
إن قرار إرسال المدمرة إلى شرق المتوسط ليس وليد الساعة، فهو ثمرة تقاطع حوادث عدة مرت بها لبنان فى الأسابيع الأخيرة، ضاعفت من قلق الإدارة الأمريكية، ودفعها إلى دعم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة فى ظل المأزق السياسى بين الأكثرية والمعارضة.
وقد زاد من هذه المخاوف انفجار الكرنتينا الذى استهدف فى 15 يناير الماضى موكباً للسفارة الأمريكية فى بيروت، وأوقع قتيلين وعدداً من الجرحى، فضلاً عن التهديدات عالية النبرة والمتبادلة بين حزب الله وإسرائيل على إثر اغتيال عماد مغنية فى 13 فبراير الماضى. وما بين هذا وذاك، فإن التطور غير المحسوب للأزمة اللبنانية قد يدفع إلى ضرورة إجلاء الرعايا الأمريكيين وهو ما يعد سبباً آخر لوجود المدمرة الأمريكية.
ملاحظة أخرى نوهت إليها التحليلات تتمثل فى أن الحدث ذاته قد تم تحميله أهمية أكثر مما ينبغى، فوصولها إلى مسافة قريبة من المياه الإقليمية هو رسالة فى ذاتها، إلا أنها ليست فى مهمة طارئة وعاجلة، ولا تنطوى بالضرورة على تهديد فورى ومباشر.
على الجانب الآخر، اختلفت رؤى ومواقف فريقى الأكثرية والمعارضة، شأن أى قضية مشتركة بينهما، لكن هذه المفاجأة الأمريكية أدت أيضاً إلى نتائج عدة منها:
1.أنه رغم تحمس بعض الأكثرية لوصول المدمرة، وتحفظ وتنصل الآخر، فإن وصول المدمرة أربك قوى 14 آذار باعتبارها جاءت فى توقيت غير مناسب، ولن تؤدى بالضرورة إلى تعديل توازن القوى المحلى والإقليمى - وقد لا تكون هذه مهمتها -. إلا أن هذه الخطوة أشاعت انطباعاً بدخول أمريكى مجدداً على خط الخلاف الداخلى الناشب بين الأكثرية والمعارضة، والإيحاء بأن المدمرة عصا تلوّح بها واشنطن لدمشق كى تسهّل الحل اللبنانى ولتساهم فى انتخاب رئيس جديد له. ومفاجأة كهذه يتنظرها فرقاء كثيرون، إلا أنهم يجدون أنفسهم عاجزين عن الترحيب بها علناً أو تبنيها، أو فى أبسط الأحوال يتصرفون وكأنها تمكنهم من أوراق تفاوض جديدة وقوية فى الحوار المتعثر مع المعارضة وبالضغط غير المباشر على سوريا.
2- تشبه هذه الخطوة، فى توقيتها وظروفها السياسية اللبنانية على الأقل، المفاجأة التى أطلقها الرئيس جورج بوش فى ديسمبر الماضى، عندما حث الأكثرية النيابية على انتخاب رئيس جديد للجمهورية بنصاب "النصف + واحد" لحسم المسألة الدستورية وتغليب كفة 14 آذار على معارضيها. فقد شهدت هذه الدعوة ترحيب من قوى الأكثرية إلا أنها تراجعت عن ترحيبها بعدما وجدت نفسها عاجزة عن اللجوء إلى هذا الخيار بسبب التريث الأمريكى فى الدفع باتجاه تطبيقه.
2-على النقيض، استفز وصول المدمرة الأمريكية المعارضة، وخصوصاً حزب الله، ورغم معرفته مسبقاً بحدود تأثير تواجدها فيما يتعلق بتوازن القوى الداخلى. فإنها ليست موجهة ضد هذا التوازن وغير قادرة على التأثير مباشرة فيه، وجدت المعارضة فى المفاجأة عرض قوى محرجا لها أكثر مما تخوف خصومها. ورغم وجود الجيش الأمريكى فى العراق - على حدود سوريا -، فلم يبادر إلى تهديدها بحشود تهدد نظامها، كذلك لم يلجأ عندما حدث تمرّد كردى فى شمال سوريا عام 2003 إلى دعم التمرد بما يتيح حدوث اختراق أساسى فى حكم الرئيس بشار الأسد ويقتطع جزءاً من الحدود الشمالية بهدف إرباكه. لكنه ترك للنظام حسم التمرد على طريقته، والواضح تبعاً لذلك أن واشنطن لا تستعجل تهديد نظام الأسد، لكن فى نفس الوقت تريد أن تمنعه من التدخل فى الشئون اللبنانية. وهو ما يعول عليه أركان المعارضة.
وما بين هذا وذاك تظل وصول المدمرة الأمريكية "كول" إلى منطقة التوتر فى الشرق الأوسط، حدثاً لا يمكن تجاوزه، بل ويحمل العديد من الدلالات التى قد تتضح معالمها فى المستقبل مع تطور الأحداث..
فى التوقيت والأهداف والنتائج..
المدمرة "كول" أمام سواحل لبنان.. لماذا؟!
الأحد، 02 مارس 2008 03:08 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة