أمام الكاميرات يحصل كل المتضررين على شقق بديلة.. خدعة تليفزيونية

فى القاهرة والصعيد والإسماعيلية تعددت البلوكات والمشاكل واحدة

الخميس، 03 أبريل 2008 09:27 م
فى القاهرة والصعيد والإسماعيلية تعددت البلوكات والمشاكل واحدة البلوكات.. حال الواقع فى مصر!!
كتبت ـ منى سليم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الكاميرات تحيل الواقع إلى خيال، والجحيم إلى جنات عدن، والمسئولين إلى ملائكة، وبعد رحيلها لا تبقى إلا الحقيقة بكل بؤسها وقبحها وآلام الواقفين فى خلفيتها البعيدة، وقد حرص الجميع على ألا يظهروا فى الصورة.
هذه الكاميرا انتقلت إلى الهضبة الوسطى بالمقطم منذ أكثر من 10 سنوات أثناء تسليم ما يزيد على 25 ألف أسرة من متضررى الزلزال شققهم البديلة، لتنقل صورة مبهجة للمسئولين وهم يعربون عن سعادتهم بتحمل المسئولية و«إيواء المتضررين». ولو أن هذه الكاميرا انتقلت حالياً إلى المكان نفسه لرصدت معاناة هؤلاء الأهالى، الذين تضرروا من مساكن الإيواء والمسئولين، أكثر مما تضرروا من الزلزال.
خمسون أسرة من ساكنى مساكن الإيواء بالهضبة الوسطى بالمقطم أقاموا مؤخراً دعوى قضائية لمطالبة الحكومة بالكف عن تهديد استقرارهم، من خلال مطالبتهم بدفع مبالغ مالية طائلة، مقابل حصولهم على عقود تمليك، كان من المفترض تسلمها منذ ما يزيد على 10 سنوات.
عقود التسليم.. بـ 15 ألف جنيه
عبد الناصر محمود ـ أحد المتضررين ـ يقول: القصة بدأت عام 2000، حين استلمت أغلب الأسر المتضررة من الزلزال إخطارات إدارية من محافظة القاهرة، تفيد بضرورة حضورهم لتسلم عقود ملكية الوحدات السكنية البديلة، التى حصلوا عليها فى المقطم والنهضة بمدينة السلام، حيث كانوا يسكنون الشقق بموجب محضر تسلم فى قسم الشرطة. وفى إدارة الإسكان بالمحافظة فوجئ الأهالى بمطالبتهم بدفع 15 ألف جنيه مقابل إيجار السنوات السابقة ودفع إيجار شهرى 50 جنيهاً، ثم توالت الإخطارات إما الدفع وتسلم العقد أو الحجز والطرد.
مجدى القاضى محامى الأسر يقول إن الدعوى الأخيرة تمثل خمسين أسرة لكنها تقريباً الدعوى العاشرة فى القضية نفسها، حيث أقام ما يزيد على 7 آلاف أسرة طوال الأعوام الماضية قضايا مماثلة. وقضت المحكمة فى كل منها بحق السكان فى سكن "لا تعاقدى" دون مقابل نظير ما تهدم من أملاكهم أثناء الزلزال، ورغم هذا مازالت المحافظة وهيئة تعاونيات البناء والإسكان ترسل إخطاراتها على صورتها القديمة غير القانونية للأسر التى لم تحصل على العقود.
هناء الولى، إحدى المتضررات، تقول: حصلنا على هذه الشقق بعد معاناة، إلا أننا فوجئنا بحالتها السيئة فقد كانت غير مكتملة التشطيب، وبدون مواسير صرف أو مياه أو خطوط كهرباء، وتحملنا المصاريف بالكامل، وبعد هذا تطالبنا الحكومة بمبالغ كبيرة، ونحن نقول لها: أعيدى لنا مساكننا وخذى بلوكاتك ويا دار ما دخلك شر!".
حبس 6 شهور.. بسبب عقد شقة!
أهالى المساكن يتندرون بقصة عم حسين الذى تم حبسه لمدة 6 أشهر بسبب عقد الشقة، إلا أن هذه القصة تمثل مأساة حقيقية لدى بطلها حسين عباس البالغ من العمر 65 عاماً. فهو من سكان الدرب الأحمر، تهدم بيته على تحويشة العمر التى جمعها من العمل لمدة طويلة فى السعودية، يقول عم حسين: "فى يونيو 2006 فوجئت باثنين من رجال المباحث يقبضون على كأننى حرامى، واصطحبونى إلى القسم رغم مرضى الشديد، وهناك اكتشفت أن المحافظة أقامت ضدى دعوى حجز وطالبتنى النيابة بالدفع أو الحبس، وظللت بالحبس عدة شهور حتى تمكنت من دفع جزء من المبلغ".
الرئيس مبارك فى عام 1993 وعد بحصول متضررى الزلزال على مساكن بديلة بأقصى سرعة دون مقابل وصرف 5 آلاف جنيه لكل أسرة، هذا ما يؤكده عم حسين مضيفاً: لماذا لا تنفذ كلمات الرئيس فى هذا البلد؟!
بلوكات.. لا تصلح للاستخدام الآدمى
«اليوم السابع» قامت بجولة داخل البلوكات السكنية، المنازل تكاد تخلو من الأثاث، والكهرباء مقطوعة أغلب الوقت، والمبانى متصدعة رغم مرور أقل من 15 عاماً على إنشائها. يقول فتحى رمضان، من سكان بلوكات إسبيكو بالمقطم،: هناك أكثر من 5 شركات مسئولة عن تنفيذ هذه البلوكات، وكل مجموعة منها تحمل اسم إحدى هذه الشركات، وبرغم هذا فحالها جميعاً واحد، وقبل أن تحاكمنا المحافظة وتطالبنا بمبالغ فوق طاقتنا، هنا نسألها: لماذا تسلمت الشقق على هذا الحال؟، ونسأل الحكومة: إذا كانت تبحث عن أموالها فى جيوبنا، أين ذهبت أموال التبرعات من المواطنين والدول العربية التى تم جمعها لصالح متضررى الزلزال؟.
يوم ممطر فى يناير الماضى شهد سقوط عقارين بحارتى محمد قسام والشيح أبو على ببولاق أبوالعلا بالقاهرة، راح ضحيتهما 5 أشخاص، كما أدى السقوط إلى تهدم وتضرر أكثر من عشرة بيوت حولهما، الكاميرات سارعت بالطبع إلى هناك، ولهذا وعدت المحافظة أهالى هذه البيوت بتسليمهم مساكن بديلة فى مساكن النهضة بمدينة السلام مقابل مقدم رمزى وإيجار شهرى.
هذا ما تم أمام الكاميرات أما ما حدث بالفعل، فهو تسلم أسرتين فقط شققاً كتعويض عن وفاة أبنائهما، أما باقى الأسر والتى وصل عددها إلى 30 أسرة فبقوا على حالهم مشردين فى الأرض رغم استيفائهم الأوراق المطلوبة، ووصل بهم الأمر إما إلى الرجوع والبقاء داخل المنازل المتهدمة التى قد تسقط على رؤوسهم بين لحظة وأخرى، أو نصب الخيام أمامها.
أم عمر واحدة من المتضررين تقول: أذهب يومياً إلى المحافظة دون فائدة، والرد الوحيد أن أصحاب البيوت المتهدمة هم الأولى، وكأن المطلوب منا أن نهدم منازلنا بأيدينا، أو أن ننتظر داخلها حتى نموت، وهنا تصورنا الكاميرات، وتصرف لنا الحكومة مقابر بديلة.
الاعتصامات.. هى الحل
هذا الوضع المتناقض أمام الكاميرات وخلفها لا يقتصر على العاصمة وحدها، ففى فبراير الماضى قد شهد الصعيد اعتصامين للسكان، الأول فى الأقصر حيث استغاث قاطنو مساكن الإيواء من محاصرة المياه لمنازلهم، وقال الأهالى إنهم جاءوا لهذه المساكن كإجراء مؤقت حتى يتم تسليمهم الشقق التى وعدتهم المحافظة بها، بعد تضررهم من سيول 1996.
الاعتصام الثانى كان فى أبو قرقاص بالمنيا حيث تظاهرت 400 أسرة احتجاجاً على تساقط أسقف مساكن الإيواء فوق رؤوسهم، ووجود عيوب كثيرة فى التنفيذ أدت إلى تهالك العمارات قبل مرور عشر سنوات على إنشائها، وبالرغم من هذا تستمر المحافظة فى تحصيل أموال الصيانة التى تصل إلى 600 جنيه سنوياً من السكان.
الإسماعيلية أيضاً كان لها نصيب من احتجاج السكان على سوء حالة مساكن الإيواء التى هللت لها كاميرات الفضائيات، حيث اعترض عدد من سكان عمارات المستقبل على ضيق الشقق التى لا تزيد على 68 متراً وتتكون من غرفة واحدة وصالة، والتى أخذوها تعويضاً عن شقق ثلاث غرف وصالة، وهو ما يتنافى مع وعود المحافظ الذى قرر، عقب انهيار عمارة لوران الإسكندرية إزالة منازلهم المسماة "عمارات الطرنشات" مقابل تعويضهم وهو ما لم يحدث، رغم التزامهم بدفع المقدم والإيجار الشهرى.
منطقة الدويقة حالة أخيرة صارخة وصريحة، ففى نهاية رمضان الماضى وزعت السيدة سوزان مبارك شقق ليلة القدر على بعض أهالى المنطقة، وأكدت أن مساكن الدويقة ستكون لأهالى الدويقة، كما حدث فى منطقة زينهم، إلا أن الأهالى اتهموا محافظة القاهرة بخداعهم وإخراجهم من بيوتهم قسراً، ونقلهم إلى مساكن مدينة بدر النائية، وإرغامهم على دفع مقدم كبير، رغم أنها أخذت مساكنهم وأراضيها فى المقابل.
المفارقات المثيرة فى عالم الإيواء وبريقه الكاذب لا تنتهى، حيث يتم اختيار أسماء متفائلة لمدن الإيواء، كالنهضة والأمل والمستقبل وبدر، فى حين تتسم جميعها برداءة التنفيذ والبعد عن العمران وقلة المواصلات وافتقاد الصرف الصحى والمياه والتهالك السريع.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة