كثيرون من المهتمين بشئون الشرق الأوسط، ربما يشاطروننى عدم الفهم المنطقى للدور الذى لعبته الإدارة الأمريكية الحالية التى أوشكت على الرحيل، هذه الإدارة " البترولية ـ العسكرية ـ الأيديولوجية " لا يزال لديها إصرار على صناعة المزيد من السخط والفشل المتوالى, ليس تجاه صنع السياسية الخارجية فقط ولكن تجاه " الأمة الأمريكية " نفسها فى الداخل .
أقرب القرائن لذلك هو إجراء مقارنة بسيطة بين إدارة " بوش " وإدارة سلفه " كلينتون "ـ اقتصاديا وسياسياـ ومن المؤكد أن الإدارة المقبلة سوف تتحمل إرثا صعبا للغاية، سيكون من الصعب عليها تجاوزه من دون البحث عن آليات جديدة، اللهم إلا إذا وصل " ماكين " فالرهان سيكون أصعب.
من وجهة نظرى، إسرائيل كانت أكثر حظاً فى عهد الرئيس رقم 43 ربما أكثر منها فى عهد الرئيس "هارى ترومان " الذى اعترف بها بعد ثمانى دقائق من اعلان استقلالها على جزء من فلسطين التاريخية، فإن بوش أعطاها "صك الغفران " وهو يتناول " العشاء الأخير " فى محراب الكنيست على كل ما فعلته على كل أرض العرب، مدعوما من سياسيى المحافظين الجدد، وأجادت الآنسة "رايس" استكمال ذلك العزف التراجيدى حين قالت فى "دافوس" للدبلوماسيين إنها راضية تماما عن سياسات واشنطن الخارجية تجاه كل دول المنطقة وقضاياها، وإن كل ما يحدث هو مجرد " آلام مخاض " للمنطقة . ولا أعرف-بالضبط- أى سياسة هذه التى ترتضيها "كوندي"، ولا أتخيل أن مولودها الشرق أوسطى سيكون أجمل صورة منها.
ربما لم ينم لعلم الآنسة كوندى أن "روبرت كاجان" ـ المنظر الرئيسى لمدرسة المحافظين الجدد ـ أعلن فشل مدرسته وصكّ اعترافاً بذلك فى كتابه الأخير " العودة للتاريخ ونهاية الأحلام " ليلقى بنظريتى " نهاية التاريخ " لفوكاياما " وصدام الحضارات " لهنتنجتون فى اليم، بعد أن كانا عماد هذه المدرسة، ورغم ذلك تردد رايس تلك التراتيل !
مشروع العراق فشل و قبله " أفغانستان" وبينهما " الشرق الأوسط الجديد"، وصعد كل أعداء واشنطن فى أفغانستان والعراق، والأدهى من ذلك أن بوش حقق حلم "الخميني" فى إحياء أمجاد إمبراطورية فارس .. الصفوية .
وباعتراف حلف بوش نفسه, لم يكن هناك تصور حقيقى لإدارة العراق بعد يوم واحد من سقوط بغداد، لكن أحمدى نجاد كان لديه هذا التصور الذى سجل به هدفا جديدا فى المرمى بعد هدفه السابق عام 1979 حين كان ضمن الطلاب المشاركين فى احتلال السفارة الأمريكية فى طهران .
وأتصور أن هذه الإدارة التى اتخذت من أحداث الحادى عشر من سبتمبر تكئه لتزييف الوعى الأمريكى، ولتمرير راية " الحرب المقدسة " على كل خصومها فى العالم، وأوقعت حلفاءها فى المنطقة فى شرك الوهم الذى سوقته لهم، فكلفت دول الخليج وعلى رأسها السعودية بما لا طاقة لها به، دون أن يكون لهم عدو حقيقى، اللهم إلا أعداء الولايات المتحدة نفسها.
وأعتقد أن هذه الإدارة أقنعت هؤلاء الحلفاء بعدم جدوى أى مشروع أمريكى فى المنطقة مهما تضمن من عناوين براقة مثل "الشرق الأوسط الجديد " وغيره من السيناريوهات التى طرحتها مراكز تفكير المحافظين الجدد كأميركان انتربرايز أو راند أو غيره .
وختاماً ليس العيب فى جنين "كوندى" المشوه، لكن المؤكد أن العيب سيكون فى الأب الذى يريد أن يحمل هذا الابن لقبه .
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة