حينما يتحدث مسئول وحدة الأمراض الطارئة فى المكتب الإقليمى لمنظمة الصحة العالمية فى إقليم ما، عن أى عرض صحى يجتاحه، يجب أن يتصدر حديثه قائمة اهتمامات مسئولى هذا الإقليم.
هذا المسئول، هو الدكتور جون جابور الذى يرى أن وباء إنفلونزا الطيور فى مصر، ساهم فى إعادة تنظيم قطاع الدواجن فى مصر وغيرها من دول العالم، كما أكد فى حواره مع اليوم السابع أنه لا يفصل مصر عن الوباء القاتل سوى شعرة، حسبما يقول المثل المصرى، وحسب تأكيد منظمة الصحة العالمية التى تخشى تعرض مصر لكارثة تجتاح البشر والدواب بسبب هذا الفيروس اللعين، ما لم يتم الالتزام باللوائح الصحية الدولية.
لماذا هناك تخوف من منظمة الصحة العالمية؟
سلالة فيروس الإنفلونزا الموجود الآن فى مصر، سلالة حيوانية ونادراً ما تصيب الإنسان، لكن بالتعرض المباشر والقريب مع الطيور المصابة والنافقة، ظهرت لدينا حالات بشرية فى كل العالم، لذا تنصب مخاوف منظمة الصحة فى استمرار التعرض للفيروس الحيوانى واستمرار الإصابات البشرية، مما يؤدى إلى تزاوج الفيروس الحيوانى مع فيروس الإنفلونزا البشرية وظهور السلالة الجديدة التى تتسبب فى الوباء.
هل استطاعت وزارة الصحة المصرية السيطرة على المرض؟
نقص عدد الحالات البشرية المصابة يعنى أن الوزارة استطاعت بمعاونة منظمة الصحة السيطرة على المرض، ففى عام 2007 وصلت الإصابات البشرية إلى حوالى 30 حالة، وتراجعت إلى 8 حالات فقط عام 2008.
من المسئول عن انتشار المرض بهذه الصورة؟
فى بداية ظهور المرض، فقدت الحكومة السيطرة على الوباء، نظراً لسرعة انتشاره، وساد الحكومة شئ من الضياع وعدم القدرة على تحديد المسئوليات وكيفية المواجهة، لكن بعد أن استطاعت الحكومة وضع خطة تشمل جميع القطاعات، امتنع المواطنون عن تنفيذ قرارت الحكومة وقابلوها باستخفاف وهنا استطاع المرض أن يتمكن، فالمسئولية هنا مزدوجة بين الحكومة والشعب.
لماذا انتشر المرض فى مصر بهذه السرعة مقارنة بدول أخرى؟
بدأ ظهور المرض فى مصر فى فبراير 2006 وبعد شهر مباشرة، ظهرت أول حالة بشرية، وارتبط المرض فى مصر بسلوكيات المواطنين، حيث تربية الطيور فى المنازل وهو شئ يصعب التخلص منه، حيث إنه مرتبط بالوضع الاقتصادى للأسرة المصرية، كون الطيور تعد أهم مصدر بروتينى للمصريين، وتدخل فى معظم الوجبات الغذائية. والسبب الثانى لسرعة انتشاره أن مصر هى مدينة كاملة متكاملة على ضفاف نهر النيل وهذه الطبيعة الجغرافية تجعل المناطق متشابكة مع بعضها وأى وباء بالعالم يحتاج للسيطرة عليه أن يكون فى منطقة صغيرة يمكن السيطرة عليها.
وهل الدول الأخرى ليست لديها تربية طيور فى المنازل؟
تربية الطيور فى المنازل موجودة فى معظم الدول، لكن الوضع فى مصر أكثر تعقيداً، ففى الدول الأخرى الطيور لا تعيش فى نفس الغرفة مع البشر، وهذا ما رأيته بنفسى فى جولة فى قرى مصر.
كيف أثر الفيروس على تجارة الدواجن فى مصر؟
هذا الفيروس ينتشر بسرعة فائقة، ولديه القدرة على قتل مليون طائر خلال 24 ساعة، مما جعله ينجح فى ضرب سوق تجارة الدواجن بشكل كامل، وساهم فى القضاء على 140 مليون طائر فى مصر.
هل كانت هناك شفافية فى الإبلاغ عن الحالات المصابة فى مصر؟
تميزت وزارة الصحة بشفافية تامة مع منظمة الصحة العالمية والمنظمات الدولية الأخرى فى الإعلان عن الحالات بنسبة 100%، مما شجع المنظمات الدولية على مساعدة مصر لتنفيذ الإجراءات الاحترازية والعلاجية بشكل سريع.
ورغم ذلك استوطن المرض فى مصر؟
مصر من الدول التى يصعب فيها محاصرة الوباء، بسبب المزارع الموجودة بشكل عشوائى على كل الأراضى المصرية، وكان الوباء قد سبب خسائر لهذه المزارع العشوائية التى يقدر عددها بالآلاف، وتم إغلاقها.
ما نسبة المزارع العشوائية بين مزارع مصر؟
كانت هناك نسبة كبيرة من المزارع المقامة بدون ترخيص، وبعد الوباء بدأ الميل إلى تنظيم وإعادة بناء استراتيجية قطاع الدواجن فى مصر.
ما مدى خطورة مزارع الخنازير الموجودة داخل الكتل السكنية، على خريطة المرض؟
إن جسم الخنزير مثل جسم الإنسان قد يصاب بالفيروس البشرى والحيوانى، ويحدث تحور وينتج الفيروس المتسبب فى الجائحة، ونلفت النظر إلى أن مزارع الخنازير الموجودة بجوار مزارع الدواجن هى التى تمثل خطورة، وبعد ظهور إنفلونزا الطيور تم غلقها بالكامل.
تراجعت الحملات التليفزيونية مما أدى إلى انتشار المرض، فأين إذن دور وزارة الصحة؟
منذ ظهور أول حالة بشرية فى مصر، بدأت بعدها مباشرة حملة مكثفة فى وسائل الإعلام وساعدت هذه الحملة على خلق وعى بالمرض وكيفية الوقاية منه، لكن الفيروس فى مراحل معينة مثل فصل الصيف، يقل نشاطه وإصابته، وبالتالى حدث تراجع فى الحملة الإعلامية، وظن الجميع أن أنفلونزا الطيور فى مصر انتهت، وهذا ساهم فى انتشار الفيروس بعد انتهاء موسم الصيف وأدى إلى ظهور حالات بشرية كثيرة.
هل نظمت وزارة الصحة حملات توعية داخل القرى المصرية؟
اليونيسيف ساعدت الحكومة المصرية، خاصة وزارة الصحة فى تنظيم حملات فى القرى، لتنظيم حملات توعية لربات المنازل بوسائل تثقيفية مبسطة جداً، وشملت جميع أرجاء الجمهورية، ومازالت هذه الحملات منتظمة فى المحافظات، التى مازال الفيروس يمثل فيها خطورة.
هل كان هناك إشراف من قبل المنظمة على هذه الحملات؟
كان هناك إشراف من قبل الحكومة المصرية ومنظمة اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية، وكانت الحملات تتم إما بوجودنا معهم أو بوجود خبراء دوليين.
هل تلقت مصر منحاً من منظمات دولية لمواجهة المرض؟
بالطبع، تلقت مصر منحاً من قبل المعونة الأمريكية ومنظمة الصحة العالمية ومن بعض السفارات الدولية الموجودة هنا، لتأمين العلاج للحالات المصابة وتأمين مخزون استراتيجى فى حال حدوث الجائحة، ولكن بحسب اجتماعاتنا مع المسئولين المصريين، تبين أن المنح غير كافية بالنسبة لاحتواء المرض بحجمه هذا فى مصر واستيطان الفيروس، ومازالت الموارد غير كافية، ومصر تحتاج الأكثر والأكثر لاحتواء المرض.
ما الذى يفصلنا عن حدوث الجائحة؟
يمر الفيروس بست مراحل ليتحول لفيروس بشرى يسبب الجائحة، ومرحلة ما قبل الجائحة هى حدوث إصابة بشرية بالفيروس الحيوانى ومرحلة التنبؤ بالجائحة ولدينا بعض الإثباتات الضعيفة لانتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان ثم مراحل الجائحة وهى الطور الرابع والخامس والسادس ونحن الآن فى الطور الثالث ويفصل بيننا وبين المرحلة الرابعة "شعرة".
من الذى يحدد المرحلة التى يمر بها الفيروس؟
الوحيد الذى يأخذ قرار بأننا فى المرحلة الثالثة هو منظمة الصحة العالمية وبقرار من المدير العام بجنيف، حسب الإثباتات العلمية.
أين مصر من التعرض للجائحة؟
مصر هى الثالثة عالمياً من حيث الإصابات البشرية، واستمرار حدوث إصابات بشرية أكثر يعمل على زيادة فرصة حدوث الجائحة فى مصر، لكن نحن لا يمكننا تحديد وقت ومكان حدوث الجائحة، ومدى استعدادنا لمواجهتها هو ما سيقلل من الخسائر ولا يوجد بلد على مستوى العالم لديه مناعة من حدوث الجائحة به.
ما الإجراءات التى تتخذها المنظمة فى حال حدوث الجائحة؟
يجب أن تتدخل منظمة الصحة العالمية خلال عشرين يوماً من اكتشاف الجائحة ونقوم بتطبيق الإجراءات الدوائية وغير الدوائية بمعنى البعد الاجتماعى بين المواطنين، ونمنع التجمعات البشرية، وقد نصل لوقت نغلق المدارس، ولكن هذا يحتاج لقرار.
من المسئول عن اتخاذ القرار؟
أولاً، يجب أن يكون البلد مستعداً لمواجهة الجائحة بوجود خطة وطنية، ولابد من أن تكون هناك خطة واحدة ومفصلة تشمل جميع القطاعات، ومنظمة الصحة تساعد جميع الدول خاصة مصر على بناء الخطة الوطنية.
وفى العام الماضى، كان هناك خبراء بالتعاون مع منظمه الصحة العالمية، وشكلنا بعثة زرنا خلالها القرى والوحدات الصحية، لقياس مدى استعدادهم لمواجهة الجائحة ووضعنا التوصيات، التى تم بناءً عليها وضع الخطة، وفى الخطة يتم تحديد من المسئول عن اتخاذ القرارات ومن المسئول عن تنفيذها.
وما مدى استعداد مصر لمواجهة الوباء؟
بناءً على توصياتنا، كانت مصر من أولى الدول التى تملك خطة مفصلة عن كيفية مواجهة الجائحة، وكانت الخطة تشمل جميع البدائل لمواجهة نقص الأطباء ونقص استيعاب المستشفيات للمرضى، إلى جانب تأمين الخطوط الهاتفية لاستقبال البلاغات، كما كانت الخطة تشمل جميع الجهات المعنية، وتحت إشراف إدارة الأزمات والقوات المسلحة.
كم يستغرق تصنيع المصل المضاد للمرض؟
يعد تصنيع المصل أهم إجراء لاحتواء المرض، ويستغرق تصنيعه فترة تتراوح بين أربعة وستة أشهر، ولذلك أكدنا على أهمية الإجراءات غير الدوائية، التى تساهم فى تأخير انتشار المرض.
فى ظل احتكار الغرب لتصنيع الأدوية، كيف ستحصل مصر على اللقاح؟
المنطق يؤكد أن أية دولة تنتج اللقاح، ستبدأ فى تأمين شعبها أولاً، قبل أن تتجه لتأمين بلدان أخرى.
إذن لن نحصل على اللقاح؟
مصر من الدول التى لديها القدرة على إنتاج اللقاح، والأدوية بشكل عام، لكنها تحتاج إلى بناء الموارد التقنية والمالية، وهذا ما تعمل عليه منظمة الصحة العالمية حالياً لتأمين المنطقة وقت حدوث الجائحة وضمان إنتاج اللقاح ذاتياً.
ما أهمية اللوائح الصحية الدولية؟
تم وضع اللوائح الصحية الدولية عام 1969، وكانت تنحصر فى أمراض الطاعون والكوليرا والحمى الصفراء، وعندما ظهر السارس، تبين أن حصر اللوائح الصحية بثلاثة أمراض لم يعد يجدى، ومن هنا كانت فكرة مراجعة وتنقيح هذه اللوائح، وتمت مراجعتها والتوقيع عليها من كل الدول الأعضاء، وهى تعتبر وثيقة قانونية ملزمة لجميع الدول الموقعة، وهى وثيقه بلدان وليست وثيقة منظمة الصحة العالمية، وموقع عليها جميع وزراء الصحه فى 93 دولة فى العالم، وهى لا تشمل فقط الأمراض، وأؤكد هنا أن اللوائح الصحية الدولية تشمل أى طارئ يمكن أن يهدد العالم.
تصوير سامى وهيب