هرباً من حرارة القاهرة، قررت طلب أجازة مصيف، وبما أننى دمياطى الأصل، فكان من الطبيعى أن أقضيها فى رأس البر، اتجهت مباشرة إلى المصيف، حيث يقضى أهلى فترة المصيف هناك، فى المساء اتجهت إلى بلدتى فارسكور لألتقى بأصدقائى كما الأيام الخوالى، وكان لقائى بهم فى مقهى شعبى، بادرت بسؤالهم عن التطوير الحاصل فى طريق خروج رأس البر، فقد لاحظت أن مساحات الأراضى الزراعية التى تمتد على طول الطريق تم استغلال جزء منها ليصبح الطريق حارتين، لدرجة أن توسعة الطريق لم يقف أمامها منازل الأهالى التى كانت بمحازاة الطريق القديم فتم هدمها ولم يتبق منها سوى أنقاض، وهناك منازل أخرى تم هدم نصفها، لترى أبواب حجرات المنزل تطل عليك بشكل يدعو للسخرية.
فكان الرد أن الطريق يمهد ليصبح الطريق الرئيسى للدخول والخروج لرأس البر، بهدف تخصيص الطريق الآخر لأجريوم عندما يبدأ فى العمل. نزل علىّ الخبر كالصاعقة، فكنا نسمع فى الأيام الماضية أن المصنع سيتم نقله لمكان آخر، وفى نفس الوقت تتم هذه الأعمال لصالح أجريوم؟
رد صديق جالس معنا وهو صاحب شركة تبريد وتكييف، العمل مستمر فى المصنع حتى هذه اللحظة، فقد قمت بتوريد بضعة أجهزة تكييف بناء على طلب شركة "أوده"، وفوجئت عند تسليمهم الأجهزة بطلب تركيب الأجهزة بمصنع أجريوم، لأصبح أمام الأمر الواقع.
فبادرت بسؤاله، لماذا لم ترفض التعامل معهم فور اكتشافك أنهم "أجريوم"، فتنال احترام عملائك؟ فأجابنى بتهكم شديد طبعاً هايكذبونى، عندما يعلمون بالأمر بل سيقللون من شأنى بسؤال كيف لمصنع كبير مثل أجريوم اللجوء لشركة صغيرة مثلى لتوريد صفقات ضخمة، وسأصبح مادة للسخرية لدى المنافسين لشركتى وسيلجأون هم لتنفيذ هذه الصفقات، فلماذا لا أكون أنا المستفيد منها، فما دام هناك غيرى سيورد فلماذا لا أكون أنا؟
لم أتمالك رغبتى فى إخباره أن اللافتات المنتشرة فى شوارع المحافظة، تصف كل من يتعامل مع المصنع بالخائن، ودهشت عندما رد على عبارتى، بأن معظم الدمايطة يطلقون على مدينة فارسكور "بلد الخونة"، لأن معظم العاملين فى أجريوم من شباب فارسكور.
هنا تدخل صديق آخر كان يلتزم الصمت منذ بداية الحوار محاولاً إختصار الإجابة فى بضع كلمات كانت، أن كل من له مصلحة مع المصنع يعتبر كل ما أثير حوله ما هى إلا إشاعات، أما من ليست له منفعة فيصفه بالمصنع القاتل ويجب وقفه فوراً، وطالما المصنع يحتاج لعمالة فلماذا لا يستفيد الشباب العاطل بهذه الفرصة، فأخى تخرج من معهد كمبيوتر، ولم يجد عملاً يستطيع أن يبدأ به حياته وجاءته فرصة المصنع من خلال صديق له يعمل فى ميناء دمياط ولم يتردد ثانية واحدة وقدم أوراقه وبدأ فى العمل بالمصنع بالفعل، بمرتب 1200 جنيه ويصل إلى 1500 فى بعض الأحيان، نظير عمله كفرد أمن خاص بالمصنع، فما بالك بمرتبات الوظائف الأخرى.
قاطعته بسؤالى كيف ستتعايشون مع فكرة تعاونكم مع مصنع سيئ السمعة، وماذا ستكون إجابتكم لأولادكم عندما يسألونكم لماذا اشتركتم فى بناء هذا المصنع السام؟ فأجابنى صديقى صاحب الشركة بدون أن يستغرق كثيراً فى التفكير، عندما يكبر أولادى لن يكون هذا السؤال هو مايشغل بالهم، بل سيكون همهم هو البحث عن كفيل يكفل لهم العيش فى بلدهم كما فى دول الخليج، "بلدنا بتتباع وياريتنا بنقبض الثمن". إذا من الأفضل البحث عن حقى وحق أولادى بدلاً من أن يتمتع به غيرى.
كانت هذه العبارة كفيلة بإنهاء الحوار الذى بدأ بالبحث عن الراحة فى مصيف رأس البر، وانتهى بالبحث عن من ينتشلنى من مستنقع أجريوم، فحتى الأن مازال هذا المصنع سؤالاً بلا إجابة فى عقول أهالى محافظة دمياط، وكل من اهتم بقضية نقل المصنع من دمياط وكل من تساءل هل أجريوم مصنع ملوث للبيئة أم لا، هل سيحقق تنمية حقيقية فى دمياط أم لا، هل سيأتى اليوم الذى يمشى فيه العاملون بأجريوم مرفوعى الرأس، بسبب وقوفهم بجانب مصنع مفيد لبلدتهم، أم سيكون عملهم سبباً لعذاب ضميرهم فى المستقبل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة