كل شىء متوفر على الشاشة.. الحرب والموت والبيانات والتهديدات والمزايدات.. على الهواء مباشرة، إسرائيل تشن حربا متلفزة، فيرد العرب ببيانات متلفزة.. وكلما أحب مسئول عربى أن ينفى عن نفسه تهمة الخنوع يخرج ليطلق بيانا متلفزا، فيزايد عليه منافسوه ببيانات أكثر تلفزة. حكومات متلفزة، ومعارضة.. مظاهرات.. وحتى الدموع أصبحت متلفزة.
وفى المساء تنتقل الكاميرات إلى الأستوديوهات لتبدأ حالة التحليل العميق ويتراشق المحللون بالتحليلات الانكشارية، ويحرص كل منهم على هزيمة خصمه بالضربة القاضية «التليفزيونية»، فهذا يرى «ضرورة الدخول فى المخارج.. وذاك يشير إلى أن الحالة ليست كما يظهر فى الأفق.. وثالث ينثنى واقفا بأن الوضع أصبح لا يطاق».
وفى الصباح تصدر الصحف ليواصل الكتاب حالة التلفزة ويكتبون خطابات يبدأونها بشتم الخنوع وسب النفس ومعايرة الذات يقدمون خططهم للمحاربين والمفاوضين والشهداء، بيقين نهائى، مع إدانة الحكام والشعوب والجمهور والنفس على سبيل الاحتياط.. وينصرف الجميع راضين فى انتظار تأييد مؤيديهم وتصفيق «مصفقيهم» كل هذا والمعركة دائرة تنقلها شاشات التلفزة على الهواء، مع عداد يحسب أرقام الشهداء، كل هذا مطعم بمؤتمرات صحفية متلفزة، وخطابات متلفزة سورية ولبنانية وإيرانية ومصرية وأردنية وحماسية وفتحوية.
سنوات ولم تتوقف حروبنا المتلفزة، أمريكا تضرب أفغانستان ونحن نراها على الشاشات، ثم العراق ونحن نشاهد، ونحرص على مواجهة كل حرب بمظاهرات متلفزة، ومنذ اكتشف الشيخ أسامة بن لادن رئيس جماعة القاعدة السر بدأ نوع آخر من المواجهة، يظهر كل فترة بكليب، يملؤه تهديدات ووعيداً، لقوى الشر والاستكبار التى تستمع وتواصل حروبها المتلفزة، نائب القاعدة الشيخ أيمن الظواهرى يمارس هو الأخر تهديدات تلفزيونية للعدو أمريكا وإسرائيل.
ومن المؤكد أن المشاهدين فى أحداث غزة افتقدوا البيانات المتلفزة لبن لادن ونائبه، ليقدموا تحليلا للأحداث وشرحا من «التوك شو»، التى أصبحنا ننتجه أكثر من البترول، وقد صرنا أمة متلفزة، ذات رسالة «توك شو».