أربعة عشر يوما، احتاجتها أمريكا قبل أن تسمح بتمرير قرار فى مجلس الأمن الدولى يدعو لإيقاف إطلاق النيران فى غزة، وحتى فى لحظة الحسم، اختارت لنفسها الامتناع عن التصويت. أربعة عشر يوما من القصف جوا وبحرا وبرا من جيش إسرائيل ضد مليون ونصف مليون فلسطينى محشورين فى قطاع غزة. أربعة عشر يوما من الحرب غير المتكافئة مارستها إسرائيل ضد مدنيين فرضت عليهم الحصار قبلها طوال 18 شهرا فى عقاب جماعى غير مسبوق. أربعة عشر يوما دمرت فيها إسرائيل مرافق ومنشآت ومدارس ومساكن ومحطات مياه، فقتلت حتى كتابة هذه السطور 850 فلسطينيا، أربعون بالمائة منهم نساء وأطفال، بخلاف 3300 جريح. أربعة عشر يوما دمرت فيها إسرائيل مبانى فوق رؤوس ساكنيها، وأبادت عائلات بكاملها بعضها يضم ثلاثة أجيال. وبعد أن أخذت إسرائيل كل وقتها بتصريح أمريكى معلن، بحجة أن إسرائيل تمارس حربا مشروعة تدافع فيها عن نفسها ضد الإرهاب، أصدر مجلس الأمن الدولى قراره 1860 لكى ترفضه إسرائيل فى التو واللحظة، مستمرة أكثر وأكثر فى حربها المتوحشة سعيا إلى استخراج نصر من قاع الهزيمة.
لم تكن أمريكا تريد هذا القرار أصلا. كانت تهدد باستخدام سلطتها فى النقض /الفيتو، ضد أى مشروع عربى أو غير عربى يستهدف وقف تلك الحرب الإسرائيلية المتوحشة، والتى يتابعها العالم على مدار الساعة بالصوت والصورة. مساومات واجتماعات ومشاورات ومساومات من جديد، أدارتها أمريكا مع وفد عربى مشكل لأول مرة من وزراء خارجية سبع دول عربية زائد الأمين العام للجامعة العربية . كلها دول وثيقة الصلة بأمريكا. أحيانا كانت أمريكا تراوغ بنفسها لكى تتيح لإسرائيل أطول وقت ممكن، وأحيانا كانت تستخدم دولا أخرى. فرنسا مثلا استمرت حتى ليلة التصويت على القرار، تصر على أن الموقف لا يتطلب قرارا من مجلس الأمن، ويكفى مجرد بيان مطاط وعائم وغير ملزم يقرأه رئيس مجلس الأمن، الذى هو مندوب فرنسا نفسها لهذا الشهر.
كان هذا أمرا ملفتا تماما. فالرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى جال ببعض دول المنطقة وأعطى تصريحات مختلفة فى كل مرة، موهما العرب بأنه يريد للحرب الإسرائيلية أن تتوقف، لكنه عمليا كان يعطى لإسرائيل كل ما يلزمها من وقت لاستكمال «المجزرة». لم تتحرك فرنسا ولا أمريكا ولا كل من لف لفهما، حتى حينما قصفت إسرائيل عمدا مدرسة تابعة للأمم المتحدة فى مخيم جباليا بقطاع غزة، كان قد لجأ إليها 300 فلسطينى بأطفالهم، ظنا منهم أنها مأوى يحميهم من الغارات الإسرائيلية. وبالنتيجة سقط 40 فلسطينيا قتلى وأصيب 55 آخرون. وحينما حاولت إسرائيل التعلل بأن المدرسة كان يوجد بها مسلحون فلسطينيون، أثبتت الأمم المتحدة أن هذا غير صحيح بالمرة. هنا خرجت أمريكا لتقول إن إسرائيل ربما قصفت المدرسة من باب الخطأ. كانت تلك صفحة تكرر بها إسرائيل سوابقها وآخرها ضد لبنان فى سنة 1996 حينما قصفت مجمعا فى قانا، يحمل علم الأمم المتحدة، فقتلت أكثر من مائة شخص. يومها كان رئيس الوزراء الذى أصدر قرار القصف هو شيمون بيريز، الذى وفرت أمريكا الغطاء الكامل له ولحربه ولمجزرته فى قانا حماية له من الإدانة الدولية.
والآن تستأسد إسرائيل من جديد وتصول وتجول ضد السكان المدنيين فى قطاع غزة ،مستخدمة قنابل عنقودية وفسفورية حارقة، ممنوع استخدامها دوليا. لكن.. لا حياة لمن تنادى. لم تستهدف إسرائيل ترويع الفلسطينيين فقط. كانت تريد تحقيق «إنجازات واضحة لا تقبل التأويل لكى تجلجل فى أنحاء العالم العربى» بكلمات مائير داجان رئيس المخابرات الخارجية الإسرائيلية (الموساد).
بدأت إسرائيل حربها الجديدة صباح السبت 27/12/2008 قصفا لألف هدف مدنى فى قطاع غزة بدءا بمرافق البنية التحتية. هذا جعل رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا يقول علنا بغضب واحتجاج، إنه يشعر بالخديعة، لأنه كان مجتمعا لساعات برئيس وزراء إسرائيل قبلها بأربعة أيام فقط، بغير أن يشير الأخير أو يلمح بأى شىء عن حربه الوشيكة ضد قطاع غزة.
هذا أيضا وضع مصر فى موقف مشابه، لأن وزيرة خارجية إسرائيل تسيبى ليفنى كانت فى القاهرة قبلها بـ 48 ساعة، واستخدمت مؤتمرا صحفيا لإنذار حماس. كان وجود الوزيرة الإسرائيلية فى القاهرة خطأ من الأساس وسوء تقدير. فتوجه إسرائيل إلى ضرب قطاع غزة كان خبرا متاحا على قارعة الطريق من قبلها بأسابيع.
هناك اتفاق للتهدئة جرى بين إسرائيل وحماس بوساطة مصرية، ليسرى ستة أشهر تنتهى فى 19/12/2008 وجوهره منع أى صواريخ من قطاع غزة مقابل التزام إسرائيل بإنهاء حصارها ضد القطاع. هذا الاتفاق أدى فى التطبيق إلى انخفاض صواريخ حماس المنطلقة من قطاع غزة من مئات فى شهر مايو إلى عشرين صاروخا فقط خلال الأشهر الأربعة التالية ،أدت إلى مقتل إسرائيلى واحد، وتلك أرقام إسرائيلية. لكن الحصار الذى فرضته إسرائيل ضد قطاع غزة منذ وصول حماس إلى السلطة استمر قائما. بل إن إسرائيل شنت فى الرابع من نوفمبر هجوما جويا وبريا ضد حماس فقتلت ستة. جيمى كارتر الرئيس الأمريكى الأسبق، يقرر فى مقال منشور له أن هذا يعنى أن إسرائيل هى التى تتحمل مسئولية خرق التهدئة.
فضلا عن ذلك لم تسمح إسرائيل بتدفق المؤن الإنسانية ومياه الشرب والوقود إلى سكان القطاع كما يقضى اتفاق التهدئة. سمحت فقط بعشرين فى المائة من احتياجات السكان.
هذا يعنى عمليا أن يعيش مليون ونصف مليون مواطن فلسطينى فى قطاع غزة على حافة مجاعة مستمرة، علما بأن أرض القطاع (350 كيلومترا مربعا) هى الأكثر كثافة سكانية على مستوى العالم. السبب هو أن معظمهم شردتهم إسرائيل فى حرب 1948 خارج مدنهم، مثل عسقلان وبير سبع وقرى أخرى، فلجأوا إلى قطاع غزة هربا من إرهاب إسرائيل.
وفى حصار إسرائيل لقطاع غزة، كانت تزعم أنها تفعل ذلك فقط عقابا لمنظمة حماس، منذ فازت فى الانتخابات التى جرت فى يناير 2006 بأغلبية مفاجئة من مقاعد المجلس التشريعى. الانتخابات كانت سليمة وديمقراطية بشهادة مراقبين دوليين. وفوز حماس كان بالدرجة الأولى رفضا من الشعب الفلسطينى لفساد واستبداد وتجبر منظمة فتح المسيطرة على السلطة القائمة فى رام الله وغزة. وحماس نفسها نشأت أصلا فى 1987 بتسهيلات من إسرائيل، استهدفت منها إيجاد قوة أخرى تزاحم منظمة فتح. فى النهاية كانت إسرائيل تريد لكل منهما أن تقضى على الأخرى، فتصبح هى الفائز الأخير، وتلك سياسة تقليدية لكل قوة احتلال.
الخدعة الكبرى بعدها هى أن إسرائيل أوهمت الجميع فى 2005 بأنها انسحبت من قطاع غزة. فى الواقع كان إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل الراحل هو القائل منذ وقت مبكر «أتمنى أن أصحو ذات يوم لأجد قطاع غزة وقد ابتلعه البحر». السبب هو الكثافة السكانية للقطاع مع فقر موارده. ولأن البحر لم يبتلع قطاع غزة، فقد كان رئيس آخر لوزراء إسرائيل هو آرييل شارون ،الذى أعلن خروج قوات إسرائيل ومستوطنيها من القطاع فى 2005 بقرار منفرد. لم يكن هذا انسحابا وإنما إعادة انتشار ميزته الكبرى أن تقلل إسرائيل من عبء مواجهة قواتها للسكان يوميا، فتتفادى الخسائر المستمرة فى كل مواجهة. لكن عمليا تحول من احتلال عن قرب إلى احتلال عن بعد. فقوات إسرائيل تحاصر قطاع غزة برا وبحرا وجوا، وتسيطر على كل مخارج ومداخل القطاع، وتتحكم فيما يخرج منه أو يدخل إليه من سلع وأشخاص. وفى جميع الحالات تستطيع القوات الإسرائيلية اقتحام قطاع غزة كلما ناسبها ذلك.
حينما رفضت حماس (وفصائل أخرى قبلها) تجديد اتفاق التهدئة مع إسرائيل إلا بتعهدات جديدة، تضمن فك الحصار الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة استخدمت إسرائيل هذا الرفض حجة تبرر بها حربها التى تبين لاحقا أنها كانت تجهز لها منذ شهور.
من بين أخطاء عديدة ارتكبتها حماس كان خطؤها فى تحويل قضية معبر رفح إلى قضية للتلاسن مع مصر. فى الواقع أن معبر رفح هو الوحيد مع مصر، لكنه ضمن معابر ستة، كانت إسرائيل قد أبرمت فى 15/11/2005 اتفاقا خاصا بها مع السلطة الفلسطينية. ومع أن معبر رفح هو الوحيد المشترك مع الحدود المصرية، إلا أن الاتفاق المنظم له، لم تكن مصر طرفا فيه، وإنما أبرمته سلطة محمود عباس مع إسرائيل والاتحاد الأوروبى برعاية أمريكية.
من وقتها ظاهره فلسطينى، لكن إسرائيل هى التى تتحكم فيه من خلال كاميرات مراقبة ولها سلطة الاعتراض على دخول أو خروج من تشاء، وفى وجود مستمر لمراقبين أوروبيين تختارهم إسرائيل.
من اللافت هنا، أن رجل السلطة الفلسطينية الذى أعد ذلك الاتفاق عن الجانب الفلسطينى، كان محمد دحلان الذراع الأمنى اليمنى وقتها لمحمود عباس. دحلان هذا بالحق أو بغيره أحاطت به شبهات وعلامات استفهام عديدة، كانت بحد ذاتها أحد أسباب انقلاب حماس على جماعة فتح فى السلطة، وانفرادها بقطاع غزة بعدها. من وقتها أحكمت إسرائيل حصارها على قطاع غزة بما فى ذلك الوقود والكهرباء والمياه والأدوية والأغذية والحركة التجارية دخولا وخروجا، بما جعل حياة الناس لا تطاق. ومن الغريب هنا أن التليفزيون الحكومى المصرى النبيه، والذكى، والذى لا تفوته التايهة لم يجد من يستضيفه مؤخرا سوى محمد دحلان، ليتولى هو بالذات القدح فى حماس، بينما نصف أهالى غزة بمن فيهم زملاء له فى منظمة فتح، بينهم وبينه دم وثأر بائت. وسواء بعدم معرفة من المذيع أو بعدم رغبة، فإنه لم يسأل دحلان عن دوره فى اتفاقية المعابر تحديدا. وهو من جانبه لم يجرؤ على فتح تلك الصفحة التى أتاحت لإسرائيل سلطة شاذة فى التحكم بحياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، بعد أن تحررت هى من أعباء الاحتلال اعتمادا على وكلائها الجدد.
الهدف الإسرائيلى الصريح هنا كان تحويل حياة سكان قطاع غزة إلى جحيم. هذا يعنى عقابا جماعيا، ودفعا لهم حتى يسقطوا حماس ويتخلوا عنها، فتعود جماعة عباس ودحلان كما كانت سابقا. المشكلة هنا مزدوجة. فإذا كانت تهمة حماس إسرائيليا هى أنها ترفض الاعتراف بإسرائيل، ومن ثم تصبح إرهابية، فإن الفلسطينيين سبق لهم إعطاء الفرصة لياسر عرفات وجماعته، ثم محمود عباس وجماعته، طوال 15 سنة، وهم الذين اعترفوا بإسرائيل، وتحولوا فى قاموسها من إرهابيين إلى معتدلين. مع ذلك استمر الاحتلال وضاعف من الاستيطان فى الضفة الغربية والدولة الفلسطينية الموعودة لم تنشأ. بل إن الرئيس الأمريكى جورج بوش أعلن فى 2002 عن أن أمريكا ستعمل لقيام دولة فلسطينية خلال خمس سنوات. ومع ذلك فها هو يغادر البيت الأبيض فى 2009 وقيام الدولة الفلسطينية أبعد الآن عن أى وقت مضى.
وقد مات ياسر عرفات محاصرا ومقهورا، رغم أنه استجاب لمعظم ما طلبته إسرائيل بما فى ذلك المجىء بمحمود عباس رئيسا للوزراء، وبمحمد دحلان وزيرا للداخلية. وبعد رحيل عرفات خلفه عباس بترحيب حار من إسرائيل وأمريكا، ومع ذلك فمنذ دخل مفرمة المفاوضات مع إسرائيل لم يخرج منها. وإذا كانت إسرائيل تعللت بوجود حماس فى قطاع غزة لكى تحول القطاع إلى سجن كبير مفتوح لسكانه، فإن سلطة رام الله (محمود عباس) تحاصرها إسرائيل أيضا بسجن من نوع آخر. ولم ينجح عباس وسلطته فى إقناع إسرائيل بإزالة حاجز واحد من ستمائة حاجز، تقطع بها إسرائيل أوصال الضفة الغربية، ولا أقنعها بالإفراج عن سجين واحد من 11 ألفا من بينهم مروان البرغوثى أحد قيادات فتح ومعه أعضاء منتخبون فى المجلس التشريعى، جريمتهم الانتماء لحماس. فى الخلاصة.. إسرائيل لا تعنيها حماس ولا فتح. إسرائيل هدفها الأرض. وتحديدا فى الضفة الغربية.
بل إن جون بولتون، أحد نجوم «المحافظين الجدد» فى أمريكا وسفيرها السابق لدى الأمم المتحدة، ومن أبرز المقربين من إسرائيل، كتب مؤخرا مقالا فى جريدة الواشنطن بوست الأمريكية (5/1/2009) يقول فيه: «على الفلسطينيين القبول بالأمر الواقع، والإقرار بما يترتب على فشل السلطة الفلسطينية وفسادها وانتخاب حماس».
والحل عنده: «يقتضى إعادة غزة إلى الوصاية المصرية والضفة الغربية إلى السيادة الأردنية.. وبسط مصر والأردن سلطتهما على غزة والضفة الغربية يوسع رقعة السلام فى هذه المنطقة، ويرسى السلام والاستقرار فى البلدين». مثل تلك الكلمات والأفكار المسمومة هى تقليب فى أوراق ومشروعات قديمة سبق لمصر على الأقل أن رفضتها. وحتى فى حالة الضفة الغربية، فبعد أن ابتلعت إسرائيل أجزاء معتبرة منها ،وزرعت أجزاء أخرى بمستوطنيها، لن يتبقى منها فى ظل الضعف العربى السائد سوى أجزاء متفرقة، تريد مثل تلك المشروعات المشبوهة توريط الأردن فى إدارتها. ربما هذا هو ما جعل الملك عبد الله فى الأردن ينبه مؤخرا إلى أنه بدأ يتوجس من مؤامرة قادمة على الأردن ذاته.
المسألة إذن أكبر من حماس فى غزة، ومن سلطة محمود عباس الكاريكاتيرية فى رام الله. المسألة هى الاحتلال. وهى الأرض. وهى الدور الإمبراطورى الذى أصبحت إسرائيل تمارسه إقليميا فى وضح النهار، بقوات مسلحة كفلت لها أمريكا أن تصبح الأقوى من كل الدول العربية مجتمعة. مصر مرتبطة بمعاهدة سلام مع إسرائيل منذ 1979، والأردن بمعاهدة أخرى منذ 1994، والحدود مع لبنان تراقبها قوات من الأمم المتحدة وجنرالات من حلف شمال الأطلنطى. لماذا إذن تتضخم ميزانية إسرائيل العسكرية بانتظام سنة بعد أخرى؟ ولماذا أعلنت أمريكا فى العام الماضى عن برنامج إضافى لتسليح إسرائيل يتكلف 30 مليار دولار، بما فى ذلك إمدادها بجيل جديد من الطائرات الحربية طويلة المدى؟ ضد من هذا التسلح المتزايد؟ بالتأكيد ليس ضد حماس فى غزة، ولا سلطة محمود عباس فى رام الله.
من جانب آخر، أصبحت يد إسرائيل الطليقة فى هذه المنطقة مستثناة من أى عقاب. لقد تابعنا رئيس وزراء تركيا، يرفض الرد على مكالمات رئيس وزراء إسرائيل ووزيرة خارجيتها. وتابعنا هوجو شافيز رئيس فنزويلا يطرد السفير الإسرائيلى لديه. وتابعنا مظاهرات الغضب ضد إسرائيل فى مدن وعواصم العالم، من برلين إلى جاكارتا، ومن باريس إلى كيب تاون، ومن مدريد إلى لندن. وحتى تابعنا فى يوم الخميس 8/1/2009 هانس دى بروك وزير الدولة الهولندى مثلا، يقرر علنا أن إسرائيل اعتادت منذ أعوام على ضرب القانون الدولى بالحذاء وهى ستستمر فى ذلك طالما استمر الدعم الأمريكى الأوروبى لها ولتصرفاتها، واكتفى الأوروبيون بالكلام دون ربط كلامهم بالفعل . وأضاف بأن إسرائيل أثبتت على مدى العقود الماضية عدم احترامها لأى قانون أو مواثيق لحقوق الإنسان، ولم تثبت رغبتها الحقيقية فى السلام، وتتصرف على أنها الأقوى رافضة الخضوع للإرادة الدولية أو القانون الدولى.
مع ذلك فقد عطلت أمريكا بمفردها مجلس الأمن الدولى طوال 14 يوما قبل أن يصدر قرار بوقف إطلاق النار. وحتى هنا.. لم يحدد القرار موعدا للتنفيذ، ولا عقوبة لعدم التنفيذ. الأسوأ من ذلك أن القرار لم يذكر مطلقا كلمة »احتلال«إشارة إلى إسرائيل. وفرنسا استمرت حتى اللحظة الأخيرة ترفض أساسا صدور قرار. وساركوزى رئيس فرنسا، هو ذاته الذى كان فى الشهر الماضى القوة المحركة لاستصدار قرار من الاتحاد الأوروبى يكفل لإسرائيل كل مزايا العضوية بغير أعبائها، وهو عمل شاذ لا سابقة له. ومنذ قيام الجمهورية الخامسة فى سنة 1958 برئاسة الجنرال شارل ديجول، وهناك حرص فرنسى على الاحتفاظ بمسافة استقلال عن السياسة الأمريكية بالمنطقة، وخصوصا دعمها المطلق لإسرائيل. الآن يقلب ساركوزى تلك السياسة رأسا على عقب، وهو ما أصبح بدوره دافعا إضافيا لإسرائيل فى تصعيد بلطجتها بالمنطقة، بينما تعلن وزيرة خارجيتها بكل تبجح، أن ما تقوم به إسرائيل من حرب فى غزة، إنما هو دفاع منها عن «قيم العالم الحر».
لكن بعيدا عن مثل تلك الشعارات الرنانة، التى تروج لها الوزيرة الإسرائيلية فى الإعلام الغربى، فإنها جربت أولا أن تقول إن هدف الحرب هو إسكات صواريخ حماس. كلمة «صواريخ» هنا بها كثير من المبالغة أصلا، فهى قذائف بالغة التواضع والكفاءة، ومنذ بدأ قصفها لأول مرة من قطاع غزة فى سنة 2001، لم يزد قتلاها عن عشرين إسرائيليا طوال سبع سنوات حسب إحصاءات إسرائيلية. بالطبع لها مردود معنوى وتلك كل الفكرة منها. لذلك عدل الإعلام الإسرائيلى مؤخرا من تبريره للحرب، فكرر أن هدف الحرب هو «استعادة صورة إسرائيل الرادعة». أما الأقرب إلى الدقة، فهو ما كان قد أعلنه موشى يعلون ،رئيس أركان القوات الإسرائلية فى 2002 حينما قال: «لابد من جعل الفلسطينيين يفهمون فى أعمق تلافيف وعيهم، أنهم شعب مهزوم».
كان ذلك فى 2002 حيث الفلسطينيون الموجودون فى السلطة برام الله وقتها لم يكونوا من حماس. كانوا ياسر عرفات ومحمود عباس ومحمد دحلان وباقى قائمة «المعتدلين» ،سواء منهم المقتنع باعتداله أو الملعوب فيه. والآن فى 2009 أصبحنا نتكلم عن وقف إطلاق النار، وعن معبر رفح، وعن حماس وفتح، وعن مهلة للمعونات الإنسانية، وعن الحاجة إلى رفع الحصار و.. و.. طوال سنوات وسنوات أغرقتنا إسرائيل بتفاصيل التفاصيل ،ابتعادا عن أصل الموضوع. وأصل الموضوع هو الاحتلال والأرض والحياة بكرامة وحرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة