معلقاَ على غياب «غزة» من خطاب تنصيب أوباما، تساءل الكاتب البريطانى روبرت فيسك إن لم يكن الرئيس الأمريكى الجديد «مهتما بالأزمة المتفاقمة فى غزة؟ أم هل اعتراه الخوف؟» قد يكون الاثنان معاَ. خطاب أوباما عكس فعلاَ الأولويات التى حددها مسبقاَ وأطلق على أساسها حملته الانتخابية. لم يكذب الرجل. برنامجه منشور تفصيلاَ على موقعه الإلكترونى الرسمى.
المساحة التى أفردها للقضية الفلسطينية الإسرائيلية هى ثلاثة أسطر وثلاث كلمات! أما المساحة التى أفردها موقع أوباما لإسرائيل فهى ثلاث فقرات (أكثر من ثلاثة أضعاف الثلاثة أسطر) مرفقة بورقة تفصيلية كاملة عن رؤيته والتزاماته تجاه إسرائيل! أما المضمون واللغة: لغة قوية وواقعية فى: «أوباما ساند بقوة حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها أمام صواريخ حزب الله فى 2006» ولغة فضفاضة فى حديث عن حل يرى البعض أنه مات: «سيدفع أوباما فى اتجاه تقدم لقيام دولتين»، البعض يرى بوضوح أن كل ما سيتغير هو ابتسامة أوباما الذكية بدلاً من بلاهة بوش.
أما عن الخوف الذى تساءل عنه فيسك فهو أيضاً له أساس. فى خطابه أمام لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية (آيبك)، أوائل يونيو 2008 ألقى أوباما قنبلة الموت على آمال الرأى العام العربى فى أن يكون سنداً للحق الفلسطينى. هذه الآمال لم تأت من فراغ. كانت صلة أوباما بالعرب الأمريكيين قوية. كانت له صداقات مع ناشطين مؤيدين للفلسطينيين. كان فى كلماته العلنية مؤيداً للحق الفلسطينى ومنتقداً بوضوح للسياسة الأمريكية بأنها تكيل بمكيالين. صُورته على العشاء مع الراحل إدوارد سعيد وزوجتيهما فى حفل للجالية العربية استغلها خصومه فى الهجوم على حملته فى الانتخابات الرئاسية. ولكن لم ينجح أوباما فى إلينوى بالمساندة العاطفية للعرب الأمريكيين فى انتخابات الكونجرس2000 إنما نجحت النائب هيلارى كلنتون فى نيويورك وآخرون غيرها بمساندة آيبك المالية. «خاف» أوباما، ولا نلومه، من استمرار الفشل. بدأ فى 2002 مغازلة (آيبك)، ولكنه خشى أيضاً أن يفقد أصدقاءه الذين اقتنع بقضيتهم طويلاً. فى هذا يروى الكاتب الفلسطينى الأمريكى على أبونعمة عن لقاء لم يكن الأول بينهما فى 2004 عندما كان يحاول أوباما ضمان ترشيح الحزب الديمقراطى له للرئاسة. فور انتهاء خطاب ألقاه أوباما فى شيكاغو، قال لأبونعمة عندما رآه: «آسف، لم أقل الكثير عن فلسطين، نحن فى مرحلة منافسة صعبة.
أرجو أن أكون أكثر صراحة عندما تهدأ الأمور»، هدأت الأمور. هل يستطيع الطرف العربى حمل أوباما أو حتى خلَفه على أن يكون أكثر صراحة؟ سؤال قديم أزلى لن أمَّل منه: متى تدعم النظم العربية جالياتنا دعماَ منهجياَ فى الولايات المتحدة؟ وسؤال بسيط: مع بعض التوقعات فى تنامى قوى أخرى غير واشنطن بعد الأزمة المالية، هل علينا خلق حلفاء جدد فى آسيا وخلق مصالح مع أطراف مؤثرة بعينها تحمى متخذ القرار فى هذه القوى من «الخوف» ليساندنا «بصراحة»؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة