قالت تسيبى ليفنى، وزيرة الخارجية الإسرائيلية، Enough is enough، يعنى فاض الكيل بإسرائيل من «حماس»، ولابد أن تضربَ. وضربتْ! لكنها ضربتْ بالصواريخ مدنيين وأطفالا ونساءَ وعجائزَ.
ولم نُصدَم فى إسرائيلَ! فقد عودتنا على هذا. هى تقوم بدورها الذى جَنّدتْ نفسَها من أجله، حتى قبل مولدها السِّفاح قبل ستة عقود، وهو إفناءُ العرب، أو بالأحرى إفناءُ العالم بأسره، كما ورد فى بروتوكولات صهيون، كيما تتسيد العالم بعدئذ. هذا دورُها، وهى، للحقّ، تقوم به على الوجه الأكمل. فهل يجوز لنا أن نلومَ أحدًا لأنه يؤدى دوره، ببراعة ودقّة وهِمّة ودون تكاسل أو تراخ؟ لا يجوز.
لكن صدمتنا الكبرى هى الأنظمةُ العربيةُ، الأكولُ الكسولُ المتخمةُ بالسُّلطة والفساد، هى غُصّةُ حلوقِنا التى تملأ أرواحَنا مُرًّا فوق مرٍّ. يفكرون أن يعقدوا قمة عربية طارئة لدراسة الموقف المتأزم فى قطاع غزة! يفكرون بعدما قارب عدد الشهداء الخمسمائة، وجاوز الجرحى ألوفا!! وكأن عدّادَ الموتى عليه أن يتوقف، حتى يعقد زعماؤنا العرب قمّتهم على مهلهم يوم الأربعاء أو الخميس، أو فى اليوم الثامن الذى لا يأتى أبدا! لكنْ هل بالفعل صَدَمَتنا الأنظمةُ؟ كلا والله ما حدث. فحكّامنا العرب حرمونا الدهشةَ منهم، من فرط وطول مُقامهم فوق كراسيهم، على رغم أنوفنا. علّمونا أن نقبلَ كل ما يفعلون بنا صاغرين، وأن نسكتَ عن كل ما لم يفعلوا حين يجب أن يفعلوا. نسخوا من قاموسنا العربى عبارة enough is enough التى قالتها ليفنى، والتى حريّ بنا أن نقولها لحكامنا كل يوم: الكفايةُ تكفى وكفى، ما يكفى يكفينا منكم. حِلوّا عن سمائنا لكى نذودَ عن كرامتنا، التى لم تحفظوها لنا، ونحقن دماءنا مادمتم لا تعرفون كيف تحقنونها لنا، ولا تتحركون لتحموا أطفالنا من حتف وتشويه يليق بالسفاحين!
منذ متى اتخذ الحكامُ موقفاً كريماً حاسماً، رداً على قصف بيروت أو فلسطين أو بغداد؟ لم يحركوا ساكناً أبدا! لكنهم لا يحرموننا من تصريحات الشجب والرفض والتنديد فى صوت خافت مرتعب يشبه قلوبهم الرجفى. ثم يُخرسون أفواهنا بعقد قمم عربية بين الحين والحين، فنكظمُ غيظنا، ونجلس نترقب على أمل أن تحدث المعجزة المرجوة من عشرات السنين، فيتمخض الجبلُ عن فأر، فى كل مرة!
للمرة الألف يثبتُ التاريخُ، وتؤكد الأحداثُ أن الشعوبَ أرقى من حاكميها. وأن أرواح المواطنين البسطاء أكثر تطوراً، وأعلى وعياً من ساستهم! وأنَّ الفردَ العربيَّ المحكومَ، أرقى كرامةً وأنبلُ كبرياءً من حاكمه. ملايين البشر العربى النبيل خرجت من مصر والأردن والكويت والعراق والبحرين وغيرها، بل وفى أوروبا، فى تظاهرات غاضبة تصرخ فى وجه إسرائيل وأمريكا الداعمة لها. عشراتُ الأطنان من المؤن والأدوية، خرجت نحو قطاع غزة تنتظر معابرَ أن تُفتَح. وآلاف اللترات من الدم العربى الذكى ،سالت طواعية وحبًّا من شرايين الشباب العربى، لتُضّخُ فى شرايين النازفين من أبناء غزة.
يزايدون على مصرَ؟ مصرُ التى قدّمت على مدى التاريخ شهداءها فداءً لفلسطين واليمن والعرب! قالت سيدةٌ مصرية وهى تبكي: «قلوبُنا معكِ يا فلسطين ودماؤنا لكِ، يعلمُ اللهُ كم نتمنى الاستشهادَ فوق ثراكِ!« وقالت سيدةٌ أردنية: «اطردوا السفيرَ الإسرائيلى، ذلك الذى لم يجلب سوى العار لهذه الأرض الطاهرة!». مئاتُ الأعلام الصهيونية أُحرِقت ودُهستْ أنجمُها السداسيةُ بالأقدام الغاضبة. ملايين الحناجر هتفت بفتح المعابر لقطاع غزة الأعزل المحاصَر فى الهولوكوست الصهيونى الخسيس، وصرخت مطالبةً بإغلاق سفارات العدو فى بلادنا، وطرْد سفرائهم العملاء من بيوتنا. ملايين الصرخات طالبت بقطع ضخِّ الغاز المصرى السيال فى أرض إسرائيل!
لكن الغازَ ما يزال يُضخُّ. وسفراؤنا ما يزالون كامنين فى بيوتهم بتلّ أبيب، يعلم الله وحده فيم يفكرون، وأيّ خزى يملأ قلوبهم. وأما السفيرُ الإسرائيلى فلم يزل، ولا يزال، ينامُ ملء جفونه عن شواردها، رَغِدًا مطمئناً، فى بيته المطلّ على حديقة الحيوان المصرية، بعدما كحَّل عينيه بمشهد جثث العرب المنثورة بغير عدد على أرض غزة، وبعدما ضحك ملء شدقيه على زعمائنا المترهلين، الذين لا أدرى من أين يأتيهم النومُ بليلٍ!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة