فى كتابه "الفتنة الكبرى الجديدة" الصادر عن مركز الأهرام للنشر، يحكى الكاتب محمد الأنور قصة رحلته إلى العراق عام 2004 ليعمل مراسلاً صحفياً للأهرام فى ذروة تعقد الأحداث فى العراق ووصولها إلى حد دموى، بعد أن تفكك الجيش العراقى بقرار من بول برايمر وتسريح ما لا يقل عن 400 ألف ضابط وجندى بأسلحتهم، وهو ما كان سبباً مباشراً لانفجار حرب داخلية وفتنة من طراز جديد، أعادت إنتاج الفتنة الكبرى فى صورة جديدة وحديثة.
ومن هنا تأتى أهمية هذا الكتاب الذى لا يبحث عن ميلاد الفتنة الثانية بشكل مباشر، وإنما يساعد فى البحث عنها بما يقدمه من جهد مؤلفه، الذى بدأت رحلته فى طائرة كانت تقل هوشيار زيبارى وزير الخارجية العراقى، ويشير الأنور إلى أن الطائرة ظلت تدور أكثر من 45 دقيقة حول مطار بغداد "صدام سابقاً" لتفادى أى صاروخ محتمل.
ويؤكد الأنور، أن دخول بغداد لم يكن سهلاً أو متروكاً للمصادفة، بل كان مرتباً من قبل أعضاء فى السفارة المصرية فى بغداد، وعلى رأسهم القنصل المصرى السيد بدر الدين الدسوقى.
ويتميز الكتاب بعرضه لأدق تفاصيل رحلته فى بغداد والتى امتدت حتى عام 2008، وانتهت قبل التوقيع على الاتفاقية الأمنية الأمريكية فى سبتمبر 2008، فعرض فيها لإقامته مع عدد من الشخصيات العراقية أثناء بحثه عن سكن مناسب، كما أورد حواره الذى أجراه مع أمين عام هيئة علماء المسلمين الشيخ حارث الضارى، وهو أبرز قادة ثورة العشرين، وكانت هيئة علماء المسلمين على رأس الجهات المعارضة لإجراء الانتخابات العراقية فى 30 يناير عام 2005.
والفصل الأول من الكتاب يحوى العديد من الحوارات على غرار حوار جواد الخالصى إمام روضة الكاظمية فى مكتب رئيس هيئة علماء المسلمين، حميد مجيد موسى أمين عام الحزب الشيوعى العراقى، أياد علاوى رئيس الوزراء العراقى الأسبق.
وتحدث الأنور فى الكتاب عن السفير المصرى إيهاب الشريف الذى تم اغتياله هناك، كما أشار إلى محاكمة صدام التى بدأت فى 18 نوفمبر 2005، ويحكى الأنور عن تجربة حضور الصحفيين لهذه المحاكمة وسط إجراءات أمنية مشددة، ومشاهدة المحكمة من وراء زجاج، ويؤكد الأنور على عدم حضوره هذه الجلسات واكتفاؤه بمشاهدتها عبر التليفزيون.
الفصل الثانى من كتاب الأنور سماه "الحرب الأهلية" وفيه تطرق لأحداث الأنفلات الأمنى التى حدثت عام 2006، وتناول سلسلة التفجيرات جعلت الأجهزة الأمنية العراقية تصطبغ بالصبغة الطائفية وتتحول إلى ميليشيا رسمية، ويشير الأنور إلى أن الاتهامات وجهت لها بأنها تمارس القتل الطائفى، خاصة للمعارضين للحكومة والاحتلال من العرب السنة والعرب الشيعة.
وفى الفصل الثالث من الكتاب يعرض الأنور لما حدث عام 2007 بعد إعدام صدام حسين، من تكريس للفوضى، ويحكى المؤلف تفاصيل ما حدث فى بغداد وسائر العراق بعد إعدام صدام، من تطور لعمليات الميلشيات المسلحة، وتركيز عملها على قتل الأجانب وتطهير بغداد منهم.
ويختم الكاتب فى الفصل الرابع والأخير من كتابه بالتأكيد على أن عام 2008 لم يكن أقل دموية وعنف عن الأعوام التى سبقته، وإن كانت أمواج العنف قد بدأت تنحسر، حتى شهد هذا العام صفقة التهدئة التى وقعها جورج بوش مع نورى المالكى، لكن الأنور يركز أيضا فى هذا الفصل عن الملفات الأمنية العراقية التى ناقشها نائب الرئيس العراقى عادل عبد المهدى مع المسئولين الإيرانيين، وعرض أيضاً الفصل للفساد المالى والإدارى الذى شاب أنحاء العراق رغم التحسن الأمنى النسبى الذى شهدته شوارع بغداد، رغم استمرار عمليات القتل الجماعى فى الكثير من الأنحاء العراقية سواء فى الفلوجة أو الموصل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة