قبل أربع سنوات ارتفع منسوب الأمل، وتخيل المتفائلون (وأنا منهم بالطبع)، أن التغيير قادم لا محالة، ولم لا؟، فالمظاهرات والاعتصامات والإضرابات فى كل مكان، تجلت الأصوات التى كانت مكبوتة فى الصحف المستقلة والفضائيات، وارتفع السقف، ووقف النظام حائرا أمام حركات التغيير التى طالبت بأشياء مشروعة يحتاجها المجتمع بالفعل، وارتبكت الآلة القمعية أمام شباب المدونين والقضاة وأساتذة الجامعات والصحفيين والعمال، حركة كفاية لعبت دورا عظيما فى انتزاع حق التظاهر، و«جرأت» الناس وجذبت شرائح من المجتمع إلى المشاركة فى العمل العام، ولكنها أسرفت فى التظاهر «عمال على بطال» إلى أن جاءت المظاهرة التى طالبت الرئيس مبارك بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية بعد تعديل الدستور، لترتكب الحركة أكبر أخطائها، لأنها بدلا من الوقوف بجانب مرشح آخر، راحت تعترض بشكل مجانى على مرشح له حق الترشيح، فى 2005 والنصف الثانى من العام التالى كانت القاهرة تتنفس رفضا، وكانت عاصمة حقيقية للتغيير، ظهر فجأة روائيون وشعراء شباب رائعون، وازدهر النشر الخاص واستردت صناعة السينما عافيتها، وكثرت دور العرض الجديدة، وحدث ازدهار ملحوظ فى سوق الفن التشكيلى، ووضعت الصحافة المستقلة أقدامها على الأرض بعد أكثر من نصف قرن من احتكار الدولة للمهنة، تم تحرير شهادة وفاة للأحزاب الشرعية، لأنها لم تشارك فى حالة الارتجال العظيم التى اجتاحت المجتمع، اكتشف الناس أن وجودهم معا ضرورى، وأنهم من الممكن أن يكونوا فريقا منسجما، وفاز منتخبنا الوطنى بكأس الأمم الأفريقية بالقاهرة فى 2006، فى لحظة نادرة من الفرح، الجماهير هى التى كانت تبحث عن الانتصار، وانتصرت، لأن شيئا غامضا وحقيقيا كان يحدث فى الشارع، وحقق الأهلى (نادى الأغلبية) أرقاما قياسية فى البطولات، وباتت لعبة كرة القدم هى الفرصة الوحيدة تقريبا لرفع العلم الوطنى، واختفى المشجع التقليدى من المدرجات، وظهر آخرون مفرحون، ذهبوا لتشجيع بلدهم أكثر من اهتمامهم باللعبة، واكتشف النظام هذا، وتعامل مع «الفريق» باعتباره مسكنا لآلام المواطنين الروحية، لأنه يحقق لهم انتصارا ما، وبقى هذا الجيل من اللاعبين الموهوبين يغرد ويحرز أهدافا، وتوج مشواره بأمم غانا فى العام الماضى، فى واحدة من أعظم إنجازات الكرة المصرية، رغم هزيمة الشارع مرة أخرى، وتداعى حركات التغيير، وانشغال النخبة الجديدة (التى شكلها الفراغ ورجال الأعمال) بالصفقات الجانبية، وانشغال النظام بحل مشاكله الشخصية على حساب الناس، جيل أحمد حسن وأبو تريكة وعمرو زكى وبركات كبر فجأة، ولم يعد يفكر فى كرة القدم فقط، هو يفكر فيما بعد توديع المستطيل الأخضر، وبدأ المدرب القدير حسن شحاتة يضع نفسه فى موقع الوطن ويتهم خصومه بأنهم أعداء لهذا الوطن، ولا يكف عن الإشادة بنجل السيد الرئيس ودعمه له، فى التصفيات المؤهلة لكأس العالم فى جنوب أفريقيا العام المقبل..
سرق شىء لامع من روح اللاعبين، تشعر أنهم لا توجد لديهم مبررات كافية للفوز، لم نعد نلعب كما كنا قبل أربع سنوات، بعد أن فقد الجمهور الثقة فى التغيير، وبات مستسلما لما يخطط له النظام فى الخفاء، ولهذا لم يكن مستغربا خروج منتخب الشباب من بطولة على أرضه بشكل مهين، لا يوجد انسجام، لايوجد هدف، لايوجد إحساس بالمسئولية، ووصل الأمر إلى اعتبار الفوز على زامبيا هو الحفاظ على الأمل، بعد مباراة لم نصوب فيها غير كرة واحدة أحرزنا منها هدفا، ونجح عصام الحضرى فى صد ستة أهداف مؤكدة، ما يحدث الآن هو نهايات زمن، حتى لو تأهلنا لكأس العالم، لأن ما حدث قبل أربع سنوات لم يتم استثماره، ولأن معظم الذين رفعوا راية التغيير، تغيروا، وأصبحوا يلعبون «بفانلة» النظام.. ورجال الأعمال.