«سأرحل، ولن أبقى يوما بجوار الجهلاء.. أعزائى سأفتقدكم كثيرا».
دقيقة واحدة قال فيها الناقد الرياضى اللامع الدكتور علاء صادق كلاما اختتمه بالكلمات السابقة، وذلك فى برنامجه على قناة «مودرن سبورت» الفضائية، ثم قام بخلع الميكروفون معتذرا لجمهوره عن استكمال البرنامج، وبالتالى الاستمرار فى العمل بالقناة.
اختار علاء صادق هذا الموقف على خلفية الخلاف حول ما يجب أن تفعله مصر حتى تصعد إلى مونديال جنوب أفريقيا عام 2010، قال صادق إن مصر عليها أن تكسب بثلاثة أهداف، فى حين قال مدحت شلبى فى برنامجه على نفس القناة إن مصر يكفيها هدفان فقط، وثبت فيما بعد صحة موقف علاء صادق.
قد يبدو هذا الخلاف عاديا فى قراءته الظاهرية، ويمكن احتسابه من باب الخلاف الذى وقع فيه معظم المعلقين الرياضيين فور انتهاء مباراة الجزائر ورواندا، وظهر منه أنهم لم يكونوا على اطلاع كاف بلوائح الفيفا لمواجهة الموقف بالمعلومة الصحيحة حتى لا يضحك على جهلنا الآخرون، وبالفعل ضحك علينا الجزائريون أنفسهم حين شاهدوا على القنوات الفضائية المصرية الزفة الإعلامية الكاذبة بأن المطلوب فقط من المنتخب المصرى الفوز بهدفين ليس أكثر.
استمر هذا اللغط حتى تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وتأكدت صحة وجهة نظر الدكتور علاء صادق الذى كان سفيرا ممتازا للمعلومة الصحيحة، وسفيرا أكثر امتيازا يغسل عار جهل البعض بالموقف الذى يجب أن يكون عليه منتخبنا الوطنى.
وبدلا من اعتبار هذا الأمر فى ميزان حسنات علاء صادق، ودليلا على التفوق المهنى لرجل يسهر على عمله، ويبحث كعهدنا به دائما عن المعلومة الصحيحة استعدادا لأى نزال يخوضه، وبدلا من حراسته حتى برمش العين، ومنحه تقديرا فوق التقدير الذى يلقاه من جمهوره، نقول بدلا من كل ذلك وجد من يقوم بالتشهير به فى القناة التى يعمل بها، مما دفعه إلى اختيار موقفه الذى فاجأ به المشاهدين، وهو الموقف الأصعب له من زاوية أنه سيفتقد جمهوره الذى تعود على لغته وطريقة تحليله، وطلته المؤثرة على شاشات الفضائيات.
اختار علاء صادق الاستغناء، وهو الفضيلة الأصعب على الإطلاق فى المسار المهنى لأى إنسان فى أى مهنة، الفضيلة التى تحفظ للإنسان كرامته وقامته، وتخلق مسافة بينه وبين التنازلات وصناعه، وربما يرى البعض أن ما فعله ليس من باب المهنية، وكان يجب عليه أن يقدم حلقته وينصرف تاركا الجمل بما حمل، لكن حين يتعلق الأمر بالكرامة المهنية والشخصية فى آن واحد، يتوارى الحديث عن المهنية وخلافه.
ربما يرى البعض أن ما حدث هو من قبيل صراع التورتة على القنوات الفضائية خاصة الرياضية منها، لكن هذا شأن والموقف الذى يعلو بقيمة الإنسان شأن آخر، وما فعله علاء صادق يعلو به حتى لو ذهب أصحاب القناة إلى القضاء لمطالبته بتعويض مادى عن الأضرار التى لحقت بهم.