فى محيطات النجوم الطاهرة سبحت وأنا ارتجف من وجدى الذى ملأ صدرى فسمعت أصواتاً هى معانى ولكنها كجبال السحاب.. بيضاء.. محلقة بأجنحة من الأثير.. هائلة الحجم والشمم تسحق حجب المادة والأنانية الصفراء.. الجراد الذى يقتل اخضرار القلب ويمتص نور العين وبصيرة القلب.. تشع نورا أتى من بين أصابع الأوليا والأنبياء فى لحظه التسبيح والتسامى.. ازددت حيرة الظمأ إلى المزيد.. شق صدرى وقلبى سيف الحب الربانى النورانى الذى شرب من أنوار النجوم «أصحابى كالنجوم» التى دارت وذكرت وأنشدت معه «صلوا كما رأيتمونى أصلى» وأدركت بملكه الحب أنه المحراب المقدس وأن صلاته علم ونور ومحيطات من الترتيل وسيل علوى منهمر من الحمد «أفلا أكون عبداً شكوراً».
المحراب المعلم.. جاذب الأرواح والأكوان لا يختفى ولا يخفت أبدا، فهو البدر الكونى الذى لا أفول له فى المادية الكونية وفى صدور النجوم والشموس وفى الأنوار البازغة الوليدة «ولكم فى رسول الله أسوة حسنة» إنه النور الهادى الذى جاد به القدوس والرحمة والحب والجود والحق.. لنتعلم.. لنعلم من هو الخير المطلق والقدرة المطلقة «إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم..» ونتعلم منه الفناء فى المحبوب حتى يتحقق المعراج القلبى ويلتقى العبد بالرب ويعود العبد إلى بارئه «أنى أبيت عند ربى يطعمنى ويسيقينى».
يالها من لحظات أو هى فى الحقيقة قرون من الوجد النقى خلالها يدرك العبد أن فى الانصياع وفى أغلال الوجد الحرية الكاملة وأن يصبح البصر هو البصيرة ويرق البدن فيصبح كزجاج المشكاة، فيرى من خلال القلب النورانى العوالم العليا الساجدة لله والذاكرة له ويصبح اللسان رطبا بذكر المحبوب ويسكر العقل من ذكر صفات العلى العظيم كما علمنا المعلم الأكبر والرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم.
والذكر غذاء الروح، الروح تضاء به وتتحول إلى بدر فى سماء الزمن يشفى الناظرين والشاربين من بحار أنوار الروح العاشق الذاكر السابح فى مدار «وكل فى فلك يسبحون»، إن الروح تسبح ساجدة فيطلعها الرب السرمدى المحبوب على أسرار فى عالم الملك وفى عالم الملكوت فتعلم أن العلم يأتى بالطاعة وهو عطاء من الرب الكامل إلى العبد وأن الأنوار ألعقلية هى منحة منه.. وأن القدوس يجعل للعبد «نورا يمشى به فى الناس» فيرى «سنريهم آياتنا فى الآفاق»، آفاق العوالم كلها فتكتمل المعرفه البشرية بأن الكون له خالق واحد يتصف أولا بالرحمة والحب لمخلوقاته، وهو قائم بنفسه والكل قائم به ومن رحمته أنه يظهر الجميل ويخفى القبيح فى أفعال مخلوقاته ويرسل لهم الرسل لتبصرهم وتعلمهم وتقدم لهم غذاء الروح والنور الذى يبعث الحياة فى الجسد ويجلى الروح.... فتتساقط الذنوب من على الإنسان كما تتساقط أوراق الشجر فى الخريف.
ان الكون كله هو بيت ومسار ونزل وصومعة وجامع العبد المؤمن. فكلما زاد الوجد وتعبيراته تغيرت طبيعة الكون، كيف؟ فهناك من العباد العشاق من يرى الكون برهة أو يلمحه لمحة أو حتى يدرسه.. ثم بعد ذلك ينساه؟ لماذا؟ والرد ببساطة هو أنه رأى ما وراء الكون وجماله، رأى الخالق البارىء.. خالقه العظيم، فقد أدرك العبد العاشق ذو البصيرة أن الكون أكوان.. وأدرك أيضا أن الكون هو صورة الإنسان أو أن الإنسان هو الكون وكلاهما من صنع الله، والإنسان خلقه وسواه الله سبحانه بيده، ورفعه فوق كل شىء «وعلم الإنسان ما لم يعلم».