وصف رب العزة سيحانه وتعالى المؤمنين بأنهم هؤلاء الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. الصفة الأولى خارجية تشير إلى الصورة التى يراهم الناس عليها والثانية داخلية عقلية يدركها أهل العلم والدين لأن هذا الصنف من الرجال قد امتلأ بالإيمان فنشر الإيمان على باطنهم وظاهرهم السكينة وجعلهم يتعالون على الصغائر وجعلهم لا يلتفتون إلى افتراءات الجهلة.
إن منهجهم فى الحياة يفجر ينابيع الحب فى قلوبهم فينعكس هذا على سلوكهم ويظهر على وجوههم وفى أقوالهم ونظراتهم...... إنهم يحبون الله الكمال المطلق والإله الواحد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. ويحبون الإنسان الكامل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى أمرهم الله العزيز الحكيم بأن يكون هو قدوتهم وبدرهم الذى يهتدون به فى ظلام الحياة الدامس وبنور سلوكه يتمسكون ويطبقونه. فهو صلى الله عليه وسلم الكمال البشرى المبهر والجمال النورانى العلوى الذى اصطفاه رب الوجود كله فشق صدره ورفع قدره وأنزله فى ليلة الإسراء فى مكان القرب.
النور والقرب والكمال والحب..... رأى بقلبه ورأى بعينيه ما رأى.... رأى مالا يطيقه لا إنس ولا ملك. ويتمناه كل إنس وملك..... كان خطاب الرب إلى أحب عبد «سبحان الذى أسرى بعبده....» ثم عرج به إلى العالم العلوى.... فخاطب الله نور السماوات والأرض عبده نور الهداية للخلق أجمعين. سجد العبد للرب وتلقى وأطاع وأبلغ الأكوان كلها بهدية الرب لعباده.... الصلاة..... وسيلة القرب ومظهر الحب.
قال العارف بالله سيدى أبومدين رضى الله عنه: «الفقر فخر (أى الافتقار إلى الله سبحانه) والعلم غنم والصمت نجاة والزهد عافية ونسيان الحق طرفة عين خيانة والحضور مع الله سبحانه وتعالى جنة والغيبة عنه نار والقرب منه لذة والبعد عنه حسرة والأنس به حياة.
بهذا السرد لبعض أحوال العباد يدرك الفرد أن هذا الصنف من البشر يزرعون الحب فى القلوب ويزرعون الأرض بالخيرات. إن الحب لله ولرسوله سرى فى خلايا أجسادهم وقلوبهم فتلاشت منهم الكراهية للغير إنسانا كان أو حيوانا.... فالجميع صنعه الله سبحانه وتعالى,,, إنهم قد يرفضون بعض أفعال الإنسان ولكنهم لا يرفضون الإنسان ذاته. إنهم يتمنون للضال الهداية ويخاطبونه بالفعل الطيب فإن فهم فاز وإن رفض الفعل وأنواره فقد سقط فى حبائل الشيطان الذى يتبرأ منه يوم الحساب. فيكون قد خسر الدنيا والآخرة.