لا أنكر حالة الصدمة المروعة التى آلمتنى ولم أفق منها حتى الآن وذلك عقب المباراة الفاصلة لمنتخبنا الوطنى أمام الجزائر فى دولة السودان.. وليست الصدمة لأننا فقدنا حلم الوصول للمونديال الذى ظل يحلم به الشعب المصرى على مدار أكثر من عشرين يوماً من الأغانى الوطنية ورفع الأعلام المصرية والتوغل والمعايشة الكاملة فى حلم الوصول وليست الصدمة أيضاً لانحدار المستوى الفنى لنجوم منتخبنا فى المباراة وحالة الإحباط التى سادت جموع الفريق والتى شعرنا بها طوال الـ 90 دقيقة بأننا لن نحرز هدفاً ولن نستطيع، وليست صدمتى أيضاً لحالة الارتباك التى سادت تشكيل الفريق وما صاحبها من تغييرات أشبه بالعشوائية والتى بررها شوقى غريب المدرب العام عقب المباراة بأن عمرو زكى وأحمد فتحى لم يكونا على قدر المسئولية الكبرى وأخفيا عن الجهاز الفنى أنهما مصابان ولذا فقد طلبا التغيير وهذه أزمة كيف مرت؟، ولم يتم محاسبتهما عليها.
الصدمات كثيرة، وأولها كيف استخفت الدولة كلها بكل ما تملك حتى من أجهزة متنوعة سواء أكان السيد سفير مصر فى السودان أو الإخوة الأشقاء فى الخرطوم بالتسريبات التى جاءت قبل المباراة، حتى إن سمير زاهر نفسه رئيس اتحاد الكرة المصرى أكد لى أثناء مكالمة معه قبل المباراة بـ 24 ساعة أن هناك رجال كوماندوز من الجزائر سيحضرون إلى ملعب المباراة، وأضاف أن هناك أخبارا غير سارة تأتى إلينا وأخشى ما أخشاه أن يتأثر اللاعبون نفسياً بتلك الأخبار.. ولا أنكر خدعتى الكبرى وصدمتى العظيمة عندما رفضت تصديق هذا الكلام، وكان سر رفضى له أن مصر دولة كبيرة يخشاها اللائمون والمتربصون والمتطاولون لأنهم يعلمون أن لنا أيادى طولى تستطيع أن تفتك بمن يفكر أن يؤذى أبناءها.. ولكن تاهت وذابت وتدمرت ثقتى الزائدة بعدما شاهدت تلك المناظر غير الآدمية.. البربرية التى كان أبطالها بلطجية الجزائر، والذين ذهبوا وكأنهم سيدبرون انقلابا ضد دولة السودان.. نعم، هذا انقلاب، وأزعم أن هناك أيادى غير نظيفة من فصائل سودانية مجهولة بعيداً عن الدولة والحكومة والشعب ساعدت وساهمت فى تلك التدابير المنحطة، لأنه ليس من العقل ولا المنطق أن نجد جماهير الجزائر تحفظ عن ظهر قلب المداخل والمخارج للطرق السودانية وتعرف الأزقة والحارات والشوارع والفنادق التى يقيم فيها المصريون.
وتأتى الصدمة الثانية وذلك عقب وصول المصريين إلى أراضيهم بسلامة الله عندما وجدت ردود الأفعال كلها لا تسمن ولا تغنى من جوع فكلها أصوات مبحوحة تتفنن مع مقدمى البرامج الرياضية الفضائية فى توجيه سيول من الشتائم إلى العدو الجزائرى دون هدف واضح ماذا تريد بالضبط وكيف نأخذ حقوقنا ونستعيد هيبتنا.. وللأسف الشديد لم يقدم لنا أحد من هذه الأصوات أجندة واضحة ماذا نفعل وإلى أين سنذهب وما هى وجهتنا بالتحديد.
وجاءت صدمتى الثالثة عندما وجدت الحيرة والأيادى المرتشعة تهدد الخارجية المصرية.. ماذا تفعل هل تقطع علاقاتها مع الجزائر.. هل تجمد تلك العلاقات رغم أن الجزائر تعدادها وصل إلى 40 مليونا ونحن وهم أكبر الدول تعداداً فى المنطقة العربية وما هو السيناريو المستحب لقطع هذه العلاقات ففكر المفكرون الأشاوس أن يظلوا فى كراسى المشاهدة ويتركوا أمور البلاد للاعبى كرة القدم الذين يقدمون البرامج الرياضية وهناك على الطرف الآخر ترك بوتفليقة الرئيس الجزائرى أيضا أمور البلاد بل وانساق وراء صراخ جماهيرى كاذب وهتافات حادة جوفاء وغوغاء وشائعات لم يستطع مقاومتها أو إيقافها وعلى ما يبدو أنها أعجبته لأنه تصور أنها أعادته إلى شعبه، وانخدع الرئيس الجزائرى عندما ترك القرارات الحاسمة فى مقدرات شعبه تندفع وراء ما يتصور أنه تيار الرأى العام فى الجزائر فى حين أننى أعلم جيداً أن تيار الأغلبية فى الجزائر لم يرضه ما فعله أصحاب القرار الغاشم والجسر الجوى الذى هبط فى السودان بشكل مروع وغير مسبوق.
وتأتى الصدمة الرابعة وهى اللغة الركيكة التى سادت الأجواء والفضائيات المصرية وما ردده الجميع بأن هذه الأزمة وراءها مفهوم القومية العربية وتفنن أهل الجهل كله فى الربط بين همجية الجزائر ومحافظتنا على الهوية أو القومية العربية ونسى هؤلاء أن مصر إذا أرادت أن تظل كبيرة فهى كبيرة بالتفاف الدول العربية حولها والإمساك طول الوقت بها.. وأيضاً الدول العربية ستظل قوية وعظيمة طالما ظلت مصر واقفة على أرجلها بعيداً عن أمراض الشيخوخة أو أمراض الإهانة التى يمارسها بعض الصغار على أوقات متفرقة.
وأخيراً.. أقول.. تعالوا نفكر فى اقتراحات ربما نستفيد منها ونرد كيد المعتدى الجزائرى عملياً.
أولاً: لماذا لا يتم تشكيل مجموعة من رؤساء تحرير الصحف المصرية سواء كانت صحفا قومية أو مستقلة أو حزبية أو معارضة تحت راية نقابة الصحفيين وتذهب فى رحلة إلى نقابة الصحفيين السودانية لتواصل حوار العتاب والاعتذار معاً ويخرج من هناك بيان مشترك لإدانة المعتدى الجزائرى الذى نال من السيادة السودانية ودنس أرضها وزلزلها يوم 18 نوفمبر الأسود وأيضاً يرد إلى الشعب السودانى هيبته وكرامته التى تطاول عليها بعض الذين لا يعرفون قيمة السودان ولا ثقافته ولا حضارته الكبرى.
ويمكن التنسيق سريعاً مع نقابة الصحفيين لتطير أول طائرة هذا الأسبوع إلى السودان.. وأيضاً أطالب الدكتور أحمد كمال أبوالمجد والأستاذ حافظ أبوسعدة والأستاذ نجاد البرعى وكل المراكز حقوق المصريين أن تساعد وتساهم فى إعادة حقوق المصريين بعد حالة الترويع والإيذاء النفسى والبدنى التى تعرضوا لها علي أيد الجزائريين، وأزعم أن المراكز الحقوقية قادرة على ذلك وأجدها مرة وحيدة أن نتضافر جميعاً لإعادة هيبة مصر.. ربما تكون خطوة ناحية الاتجاه الصحيح وأرى أيضاً أنها فرصة لعقد اجتماع جديد بين فصائل وأمزجة وأيديولوجيات كل الجماعة المصرية لنعيد مصر إلى المصريين ونحاسب أهل الخطيئة فى الجزائر حتى لو اختلف بعض القوميين العرب.