إبراهيم ربيع

الكرة المصرية لم تنجز إلا بانفصال مدربين أقوياء عن منظومة فاسدة

الخميس، 05 نوفمبر 2009 10:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم تكن للكرة المصرية إنجازات ذات قيمة إلا فى حالات استقلال مدربين أقوياء أصحاب شخصية مسيطرة عن مجالس إدارة اتحاد الكرة فى كل العصور ومهما ضمت من أسماء.. لأن تركيبة اللعبة فى مصر لا تتيح للمؤسسات الشرعية السيطرة على أفراد فى مراكز قوى.. الفرد فى مصر هو المؤسسة الحقيقية الحاكمة فى أى مجال وليس الرياضة فقط.

أى نظام معمول به فى أى نشاط مصرى يرتبط نجاحه بالقدرات الخاصة للفرد الذى فكر فيه وأدار عملية تنفيذه منفصلا عن المنظومة الأساسية التى من المفترض قانونا أن تدير وتنفذ بآليات محددة وفكر متفق عليه قابل للدوام مهما تغير الأفراد.. وإذا استعرضنا الإنجازات الحقيقية البراقة للكرة المصرية نستطيع بسهولة أن نثبت صحة هذه الحقيقة المؤكدة، التى كثيرا ما تثير الدهشة والاستغراب فى أن يخرج مثلا من اتحاد الكرة، الذى أصبح مثل «مجمع» فوضى ومخالفات وتجاوزات وغرائب، إنجازات بحجم الفوز بكأس الأمم الأفريقية مرتين متتاليتين وما ننتظره من تأهل لنهائيات كأس العالم ليكون حجم إنتاج الكرة المصرية فى السنوات الخمس الأخيرة غير مسبوق، رغم أن «مجمع» الجبلاية ليس مسبوقا فى الفشل الإدارى.

تحقق ذلك بفضل الانفصال التام والاستقلال الكامل لمدرب قوى الشخصية انفصل ذهنيا وإداريا عن الجبلاية، وأدار مع معاونيه أنفسهم وعزلوا المنتخب عن بيئة التخبط والضعف والهوان، ووجدوا من الدولة سندا وعونا فى تنفيذ عملية الانفصال والانقسام مع حماية علنية من محاولات التخلص من هؤلاء الانفصاليين الذين حددوا أهدافهم وفرضوها على الاتحاد بدون مناقشة، ولم يهتزوا للخوارج الذين تكلموا كيفما شاءوا دون أن يسمعهم أحد، وهى نفس فكرة الديمقراطية المستحدثة فى مصر التى تتيح للجميع أن يتحدثوا ويتحرروا فى الكلام إلى أعلى سقف لكن دون أن يعيرهم أحد انتباها.. هذه الفكرة التى فى ظاهرها رحمة وفى باطنها عذاب كانت الأنسب فى مكان مثل الجبلاية.

حقق حسن شحاتة هذا الاستقلال بقوة شخصيته، وقبل ذلك سار فى الدرب محمود الجوهرى ففاز بكأس الأمم الأفريقية وتأهل لنهائيات كأس العالم.. وكان يقول ما يشاء وينفذ ما يريد حتى بلغ به الأمر إلى إلغاء الدورى.. ولو أن مدربين آخرين ضعاف الشخصية تولوا المهمة لما أنجب اتحاد الكرة فى أى عصر أى إنجاز من أى نوع.. فمنذ أن تجمع مسئولو الجبلاية مع بعضهم البعض وهم يفكرون فى كرة القدم على أنها ملكية خاصة أو مشروع استثمارى تدور فيه الأموال، وخلال دورانها لا تستطيع الفصل بين العام والخاص، وإذا عرفت كيف تدخله الأموال لا يمكن أن تعرف كيف تخرج منه.. وهم يظهرون مثل «الصحبة» التى تجمع أفرادها طباع واحدة ولا يخترق عالمهم إلا من تشابهت طباعه مع طباعهم، بل هم يبحثون عن أقرانهم فى كل مكان لتكبر وتنمو مؤسسة المنفعة وتستطيع أن تحمى نفسها بكوادر من كل اتجاه ومن كل مجال بما فيه الإعلام.

و عندما وفرت الدولة والرأى العام الحماية للجوهرى وحسن شحاتة فإن الحماية امتدت للاتحاد نفسه.. أى أن الحماية شملت الصالح والطالح ولم يكن مجتمعنا قادرا على «الفرز» وفصل هذا عن ذاك ليحمى الصالح ويرفض الطالح، لأن الصورة الجماعية الأخيرة على منصة التتويج تجمع الاثنين، ولأن عمليات تجميل الأفعال شديدة الفاعلية فى خداع الرأى العام.. فلا مانع أن تسمح منظومة الجبلاية المظلمة ببعض الاختراقات المضيئة.. وهذا ما نراه فى محمد حسام رئيس لجنة الحكام المحمى بتطوعه الحقيقى ورفض المشاركة فى مأدبة أكل تورتة الجبلاية.. والذى كان سببا فى لحظة طيش حولت مجدى عبدالغنى من محترف فى كل شىء إلى هاوٍ ومتطوع بتقديم استقالة كان ينتظرها زملاؤه الذين رأوا فيه زميلا مخلصا فى منظومتهم لكن صوته العالى غير مطلوب لعمل سرى للغاية.

واستعانت المنظومة أيضا باللواء نايف عزت، رئيس لجنة المسابقات، وهو رجل نزيه لكنه اختلف عن محمد حسام فى الأسلوب واخترع لنفسه نظرية خاصة جدا هى أن يقول الصح ثم يرضى بالخطأ.. أن يضع جدولا للدورى ثم يجلس ليعدله كل شهر من منطلق «اربط الحمار مكان ما يريد صاحبه».. فنراه أكثر من التهديد بالاستقالة وبالغ فى العدول عنها، وشدد فى تطبيق اللوائح ثم تساهل فى السماح للإدارة بمد يدها فى محاضر اجتماعاته.

هذه حكاية صغيرة فى مكان صغير تكفى لرؤية شاملة صحيحة عن مكان كبير هو المحروسة مصر.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة