انتهى سباق الانتخابات على منصب نقيب الصحفيين ، وبعد أن وضعت الانتخابات أوزارها وفاز الأستاذ مكرم محمد أحمد ، يحق لنا أن نتحدث بحرية أكثر من دون أن نتهم بالانحياز.
والأستاذ مكرم مشهود له بالمهنية من خصومه قبل أنصاره، ومع أن أنصاره ركزوا على مهنيته التى لم يشكك فيها أحد، فإن آلاف الرسائل القصيرة التى وصلت إلى تليفونات الصحفيين بدت كأنها تستجدى الصحفيين، ولم تكن أى منها موجهة للضمير المهنى كما تردد. وربما تكون الفرصة سانحة الآن لاختبار مدى مصداقية برنامج الأستاذ مكرم.
الأستاذ مكرم بدا كأنه يريد إنجاز كل واجباته النقابية فى أيام، مع أنها كانت معلقة منذ سنوات، فتم تنشيط مدينة الصحفيين قبل الانتخابات بأسبوع، بالرغم من أن أرض مدينة أكتوبر ظلت منسية عامين، وتم فتح باب التقديم بلا استعدادات، وتزاحم الصحفيون وثارت الشكوك. اضطر الأستاذ مكرم لأن يقضى أسبوعا قبل الإعادة فى محاولة إزالة الشكوك، واكتشف أن 80 جنيها زيادة فى البدل لا تكفى لجنى أصوات تكفى ليفوز بالضربة القاضية، واضطر لجلسة مطولة مع رئيس الوزراء لخفض سعر المتر فى الشقة، وهو إنجاز يعود إلى جولة الإعادة، وبالتالى ينسب للمرشح المنافس بقوة ضياء رشوان، الذى لم يقدم وعودا بخدمات، غير عدد من الشقق أتاحها من شروع تعاونى، وعليه أن يقدمها كما أعلن أثناء جولته، لتضاف بالضرورة إلى إنجازات مكرم بعد فوزه.
كانت الرسائل القصيرة هى البطل المهم فى انتخابات النقيب، وهطلت آلاف الرسائل على أجهزة التليفونات المحمولة، وكانت الوعود والعروض تدور على الهواء، وفى نهاية الجولة كانت رسائل الـ«إس إم إس» تخاطب الضمير الصحفى «ارضِ ضميرك وانتخب مكرم»، وقد أرضت الأغلبية الأستاذ مكرم، فهل يرضى هو ضميره ويوفى بوعوده التى قطعها على نفسه؟ أم أنه سوف يكتفى بهذا القدر من الوعود ويمضى عامين فى استمتاع بالفوز الصعب؟
الفوز الذى حققه الأستاذ مكرم، هو فوز غال، على الحكومة وعليه هو شخصيا، فقد استمر فى استجداء الجمعية العمومية، ومخاطبة ضمير الصحفيين بالخدمات، كان يخاطب الضمير المهنى، لكنه يتوجه إلى «الضمير المعوى»، البدل والمسكن والتليفونات، وأقرب طريق إلى قلب الناخب «معدته».
ومع اعترافنا بأن الأستاذ مكرم محمد أحمد مهنى، فإننا نلاحظ أنه حتى يوم الانتخاب نسى البعض أحيانا الضمير المهنى، وركز على الضمير المعوى. وبالرغم من أن الزملاء رؤساء المؤسسات الصحفية الحكومية انتفضوا بعد الجولة الأولى ليعلنوا وقوفهم خلف الأستاذ مكرم، فقد بدا أكثرهم كأنهم مدفوعون أو غير مقتنعين، وإلا كانوا ساندوا الرجل فى الجولة الأولى، وتحدثوا عن المهنة، بينما كل الوعود تتوجه إلى المعدة، ولانلوم زميلا يطمح إلى زيادة فى البدل أو يحلم بشقة أو تحسن فى المستوى الاجتماعى، لكن التركيز على الخدمات والمغريات كشف عن هلع ورغبة فى النجاح بأى قدر من التنازلات للجمعية، وهى تنازلات أتت أكلها، لكنها تحتاج إلى وقت وجهد، وترتيب للنقابة من الداخل، حتى يمكن لمجلس النقابة أن يساعد النقيب على إنجاز برنامجه الكثيف، وهو أمر يصعب تحقيقه بتركيبة المجلس المتصارع.
لقد انتهت الانتخابات، وحقق ضياء رشوان نتيجة محترمة، ونافس بشرف يستحق عليه التحية، كما أن الأستاذ مكرم خاض المنافسة بصلابة وإصرار، رافقته بعض الضغوط وبعض المغريات، وأكد أنه رشح نفسه من أجل المهنة، والصحفيون يطالبونه بأن ينفذ وعوده، حتى يؤكد أنه كان يخاطب الضمير المهنى، وليس الضمير المعوى.