عاد الحجاج من الأراضى المقدسة ومن المفترض أن أنوار الركن الخامس من الإسلام قد غمرتهم وعانقتهم وانتشرت فى قلوبهم وبالتالى لابد أن ينعكس هذا على تصرفاتهم على المستوى الشخصى والمستوى الاجتماعى، فإن حدث هذا فقد فاز الفرد وفاز المجتمع لأن الحياة ستتغير إلى الأحسن إلى الأفضل والأكمل والأفيد.
مع صدق النية تؤتى الرحلة الروحانية النورانية ثمارها ظاهرا وباطنا. لقد أدرك الإنسان المسلم فى كل خطوة من الركن الخامس من الإسلام معنى القرب ولذة المناجاة وبما أنه عرف فهو لا يريد البعد والاغتراب عن ربه. إنه يقول ما قاله العارف بالله سيدى إبراهيم الدسوقى رضى الله عنه «أمن خوفى وأذهب همى وغمى وخذنى إليك منى ولا تجعلنى مفتونا بنفسى محجوبا بحسى...» ويقول مثلما قال سيدى بن مشيش رضى الله عنه: «اقذف بى على الباطل فأدمغه. وزج بى فى بحار الأحدية... وأغرقنى فى بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أسمع إلا غيرها...».
قال سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم «الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل» ولقد وقر فى قلب الحاج الكثير من الأشياء الجميلة والسامية التى جاد بها الله سبحانه وتعالى عليه ومن واجبه الإيمانى أن يبث هذا الخير فى من حوله من الأهل والجيران والمعارف وغير المعارف. إنه يحمل شمسا فى صدره تشع خيرا وحبا وعطاء وحنانا. إن الحج اكتمال فى الظاهر يؤدى إلى اكتمال الباطن وله مردود على المحيط الذى يتحرك فيه الحاج.
أما إذا كان الحج مجرد رحلة يتعرف فيها العبد على الأراضى المقدسة أو رحلة قام بها الفرد ليقال إنه حاج ويتفاخر بقيامه بهذه الرحلة فهذا خسران مؤكد لأنه ذهب فى رحلة النور ولم ير النور ذهب ليأخذ ولم يأخذ لانصراف قلبه عن حقيقة الحج ولبى رغم أنه لم يلب وعاد بلقب لا يحمله ولا يستحقه. وهناك صنف آخر من الحجاج إنهم الذين ركزوا على ظاهر المناسك ويبذلون الجهد لكى يتعمقوا فى أسرار الحج وهؤلاء فاتهم الكثير من السعادة لأن الظاهر قد يرضى ولكنه لا يحقق السعادة الحقيقية من الفعل. لقد قال سيدنا ومعلمنا ومعلم البشرية كلها صلى الله عليه وسلم «خذوا عنى مناسككم». وهذا لأن فعله كامل لا نقصان فيه يدخل السعادة الكاملة على بدن وروح الإنسان. ولكمال فعله عليه الصلاة والسلام أمرنا الله العلى القدير «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة».