صلاح جاهين من رموز الإبداع فى مصر فى القرن العشرين.. أولاً لأنه موهوب، وكانت موهبته كبيرة، ولا تتسع بشكل واحد من أشكال الإبداع.. ولذلك مارس الشعر والنثر، والكاريكاتير والتمثيل، والكتابة للمسرح والسينما، وثانياً لأنه كان مصرياً يعبر عن الشعب المصرى بكل طبقاته ومستوياته على نحو لم يتحقق إلا نادراً فى موسيقى سيد درويش وأدب نجيب محفوظ ولوحات محمود سعيد وتماثيل مختار.. وتتجلى هذه المصرية فى مسرحية "الليلة الكبيرة" التى أصبحت من أيقونات المصرية.
ومن ناحية أخرى، تجسدت مصرية جاهين فى إبداعه وفى مماته أيضاً، فقد عبر فى أغنياته السياسية الشهيرة مع عبد الحليم حافظ مغنياً، وكمال الطويل ملحناً عن أحلام ثورة يوليو وقائدها جمال عبد الناصر، وعندما وقعت هزيمة 1967 وسقطت تلك الأحلام شعر أنه لم يكن يغنى للناس، وإنما "يعنى عليهم" حسب تعبيره، ومرض بالاكتئاب، وهو مرض مثل أى مرض نفسى وعضوى، وعولج فى القاهرة وموسكو.
والمريض بالاكتئاب كما شرح المرحوم الدكتور عادل صادق يرى فى الانتحار النجاة وليس الموت، مثل من يلقى بنفسه من الدور العاشر للنجاة من حريق. وقد قاوم صلاح جاهين الاكتئاب بروحه الإنسانية العالية وسخريته المصرية الصميمة، ولكن المرض الوحشى هاجمه عام 1986، فانتحر وأنا لا يعنينى هنا من ينكرون انتحاره وكأنه جريمة، فقد عاصرت الموقف بنفسى، والساكت عن الحق شيطان أخرس، وعاصرت محاولات المنتج السينمائى حسين القللا وهو يأتى بالدواء المضاد للحبات التى تناولها صلاح جاهين، ولكنها وصلت من سويسرا بعد فوات الأوان.