شهادة.. تنشر كاملة للمرة الأولى

الشيخ كشك «عدو الغناء» كان يعشق صوت عبدالوهاب وأم كلثوم

الجمعة، 25 ديسمبر 2009 12:01 ص
الشيخ كشك «عدو الغناء» كان يعشق صوت عبدالوهاب وأم كلثوم عبدالحميد كشك
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄شرائط عبدالوهاب كانت أجمل هدية يحملها إليه الشاعر أحمد شفيق كامل
◄◄ضحك من قلبه حين سمع أغنية «مريت على بيت الحبايب» واعترف لعمار الشريعى باستماعه لـ«غواص فى بحر النغم»

كان الهجوم على الفن والفنانين والغناء ضمن الخلطة السحرية التى اشتهر بها الخطيب والداعية الإسلامى الأشهر الشيخ عبدالحميد كشك، والذى رحل عن عالمنا منذ 13عاما، والغناء بقناعة قالها: «ليس اعتراضى على الكلمة المغناة وحدها وإنما هو الاعتراض على الغناء من حيث المبدأ، فإذا ما أضيف إلى هذا خلاعة الكلمة أيضا كان الأمر شرا ووبالا».

عبدالحليم وعبد الوهاب وشادية.. كذابين
بهذه القناعة هاجم كشك عبدالحليم حافظ وقال عنه إنه المسئول الأول عن إفساد شباب مصر، وتندر عليه فى أكثر من أغنية ومنها قصيدة «رسالة من تحت الماء» تأليف الشاعر نزار قبانى وألحان محمد الموجى، ويقول فيها: «إنى أتنفس تحت الماء.. إنى أغرق أغرق»، وأغنية «زى الهوا» كلمات محمد حمزة وألحان بيلغ حمدى، ويقول فيها: «ماسك الهوا بإيديه يا حبيبى.. ماسك الهوا» وأغنية: «جئت لا أعلم من أين».

أمسك الشيخ كشك الأغنيات الثلاث ليقول عنها: عبدالحليم حافظ ظهرت له معجزتان، الأولى أنه يمسك الهواء بيديه، والثانية أنه يتنفس من تحت الماء، وهذه معان قبيحة على أصل مرفوض من الأساس، فهو ليس سمكة، ولم يكن غطاسا أو معه جهاز أوكسجين يعينه على التنفس من تحت الماء، وعبد الحليم عندما يقول ذلك إنما هو فيه كاذب لا صادق مثله مثل الذى يقول: «جئت لا أعلم من أين»، فهذا رجل كاذب لأن عنده أولادا ويعلم كيف جاء بهم فإنه مثلهم جاء من نفس الطريق.

ويلتقط نفس المعنى السابق، ولكن فى أغنية محمد عبدالوهاب: «من غير ليه» قائلا: «هل من الإسلام أن يتساءل عبدالوهاب مندهشا أو معترضا: «جايين الدنيا ما نعرف ليه»، ألا يعلم الجميع لماذا جئنا إلى الدنيا وأننا إلى الله ذاهبون؟

لم تسلم مطربة أخرى بقامة وقيمة أم كلثوم من هجومه أيضا، خاصة فى أغنيتها «إنت عمرى» التى كتبها الشاعر الغنائى الكبير أحمد شفيق كامل، ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب، وقال عنها: امرأة فى الثمانين من عمرها تقول: «خدنى فى حنانك خدنى.. يا شيخة ربنا ياخدك»، أما شادية فى أغنيتها: «غاب القمر يا بن عمى يللا روحنى.. دا النسمة آخر الليل بتفوت وتجرحنى» وهى من تأليف الشاعر مجدى نجيب وألحان محمد الموجى: «فقال عنها: «وإيه اللى خلاكى يا مضروبة تتأخرى معاه لهذا الوقت بعيدا عن أعين الرقباء».

كان ذلك هو الجانب العلنى فى شخصية وأداء الشيخ عبدالحميد كشك لكنه يستدعى سؤالا: هل كان هذا الرجل معاديا للغناء من حيث المبدأ، أم أنه كان ذواقا له ولكن على طريقته الخاصة؟.

وحتى لا تكون الإجابة استنتاجا أو تأويلا على رجل هو الآن عند ربه، أتوقف عند شاهدتين فى صلب الموضوع، واحدة بحوزتى وسجلتها مع الشاعر الراحل الكبير أحمد شفيق كامل الذى ربطته به صداقة، والمفارقة أنه هو مؤلف أغنية«انت عمرى» التى كانت موضع الهجوم الكاسح من الشيخ كشك، أما الشهادة الثانية فهى من الفنان الكبير والموسيقار عمار الشريعى.

إيه علاقة شاعر «إنت عمرى» بالتدين؟
وأبدأ بشهادة الشاعر أحمد شفيق كامل من تلك اللحظة التى زرته فيها فى منزله بالقصر العينى عام 1996، وتوطدت العلاقة لتستمر معه حتى رحيله فى أغسطس عام 2008، كانت جدران حجرة الصالون فى منزله مزينا بصور لثلاثة من المشايخ الكبار، الأولى للشيخ الشعراوى وهو يرتدى بدلة، والثانية للشيخ كشك، والثالثة للشيخ ياسين رشدى، وفى مقابلها صورة له مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وهو يكرمه.

سألت الشاعر الكبير عن رحلته مع المشايخ الثلاثة، فقال كلاما كثيرا ما يهمنا منه كلامه عن الشيخ كشك الذى قال عنه: كنت أسمع هجوم الشيخ كشك الكاسح على الأغنية، وكنت أتعجب من تندره على أم كلثوم، وأتضايق فى الوقت نفسه من استخفافه بكلمات الأغنية، وأذكر أننى أثناء الفترة التى كنت أعمل فيها فى التمثيل التجارى بالسفارة المصرية فى تركيا كان لى صديق يعمل معى، وهو فى الوقت نفسه صديق حميم لكشك، وكان لا يمل من الحديث عن صديقه الشيخ، وأحدثه أنا متعجبا من هجومه على أغنية «إنت عمرى»، وتصادف أثناء خدمتى فى تركيا قيامى بأداء شعائر الحج لأول مرة فى حياتى، وأثناء اجتماع الفوج الذى أنا فيه بالسويس استعدادا للسفر إلى الحج، وقعت مشكلة فقهية بينى وبين الواعظ الدينى الذى عينته الحكومة لإلقاء درس دينى علينا، ودار الخلاف حول الحديث الشريف: «أى لحم من نبت حرام النار أولى به».

يضيف أحمد شفيق كامل، كانت معلوماتى الدينية بسيطة وقت سماعى هذا الحديث، وكنت أتصور أن «اللقيط فى الشارع» هو المقصود من كلمة اللحم فى الحديث الشريف، وبناء على هذا الاعتقاد سألت الواعظ الذى أوفدته الحكومة: «اللقيط ده ذنبه إيه عشان يدخل النار؟»، لكن الشيخ لم يجب عن سؤالى بما يكفى، واستمر انشغالى بالقضية إلى ما بعد الحج، فطلبت من الصديق المشترك بينى وبين الشيخ كشك، أن يتوجه بالسؤال إلى الشيخ أملا فى الحصول على الإجابة السليمة منه، لكن الشيخ كشك رد على صديقى حين عرض عليه سؤالى: «هو مال صاحبك ومال الحاجات الدينية دى، خليه مع انت عمرى وكلام الهلس اللى بيكتبه فى أغانيه»، فرد عليه صديقى: «يا فضيلة الشيخ... أحمد رجل متدين وطيب وهو يحتاج إلى نصائحك الدينية فلا تبخل عليه بها»، فهدأ الشيخ ليجيب عن سؤالى، وحملها صديقى إلىّ، كما حمل كل ما قاله عنى.

من تركيا إلى السعودية وتحديدا فى جدة، يأتى التطور الثانى يتذكره الشاعر قائلا: «كنت أعمل وزيرا مفوضا فى جدة، وكنت أسكن فى الطابق الخامس بعمارة يملكها رجل سعودى، وكلما صعدت بالأسانسير، كنت أتأكد من وجود صاحب العمارة من خلال الاستماع إلى شرائط كاسيت الشيخ كشك»، يضيف شفيق أن هذا الرجل لم يكن يسمع غير خطب كشك ولديه منها المئات ويصله جديدها أولا بأول، ويترك صوت الكاسيت مرتفعا بدرجة لافتة، وكأنه يقول للكل: «استمعوا لهذا الرجل فهو يهديكم»، وبالطبع كنت أستمع إلى هجومه الكاسح على «انت عمرى» وأم كلثوم، وفى كل جلساتى معه كان لا يمل الحديث عن الشيخ كشك، حتى نصحته بالنزول إلى القاهرة، والذهاب إلى مسجده فى دير الملاك بمنطقة حدائق القبة للالتقاء به، وراقت الفكرة للرجل وجاء بالفعل إلى القاهرة وحضر دروس الشيخ فى المسجد وتعارفا وأصبحا صديقين، ودعاه الرجل «السعودى» لتأدية فريضة الحج ولبى كشك الدعوة، ومنها بدأت رحلة التعارف بيننا والتى تطورت إلى صداقة كبيرة تزاورنا فيها، وتبادلنا الآراء والمناقشات.

بلغت العلاقة بين الشاعر والداعية عمقا سمح لهما أن يتحدثا فى كل المجالات، عن الشعر والموسيقى والغناء والسياسة وجمال عبدالناصر وأنور السادات، كان شفيق مثلا يحب جمال عبدالناصر ويراه زعيما لا يضاهيه أحد، لكن كشك كان يراه «طاغية وديكتاتورا»، ومع ذلك بقى كل منهما على عهده فى رأيه، ويقول شفيق: «الحاجات اللى كان فيها خلاف بينا زى كده، لم نكن نقترب منها كثيرا، وأنا مرة قلت له يا شيخنا، جمال عبدالناصر عند ربه فله الرحمة، وأعماله الطيبة فى ميزان حسناته، والله أعلم بالنوايا، كنت أقول له الكلام ده لكن هو دماغه كانت زى الحجر، والرأى اللى فيها لازم يقوله مهما كانت العواقب، والفعل اللى عايز يعمله بيعمله، مثلا كان الرئيس السادات يعتقله دائما، وأراد أن يأخذ معه هدنة، فاستخدم حيلة تمثلت فى إرسال زوجته السيدة جيهان للصلاة وراءه، وطبعا صورت الكاميرات لزوم الصيت الإعلامى ولزوم الإحراج، وللإيحاء بأن الشيخ كشك الذى يهاجم السادات بضراوة جاء عليه الوقت الذى سيقلع فيه عن هذا الهجوم، لكن كشك وبعد انتهاء الزيارة مباشرة واصل الهجوم وبحدة، فقلت له: «ليه كده يا مولانا الشيخ.. دى الست جيهان لسه كانت بتصلى وراك»، فرد: «لا يا أحمد دى حاجة ودى حاجة، وإياك تفتكر أنها باللى عملته لسانى هيتمسك».

شرائط كاسيت لعبدالوهاب
حين سألت شاعرنا الكبير عن كيف تم له فى بدء العلاقة مع الشيخ عبور محطة هجومه الكاسح على أغنية «انت عمرى»، أخذنى إلى السكة التى فاجأتنى، وهى علاقة الشيخ بالغناء، كان الكلام بخصوص هذه العلاقة يخرج من الشاعر أحمد شفيق كامل بطيئا ورغما عنه، وبعد أن ذكر جملة أو اثنتين طلب منى الانتقال إلى أى كلام آخر، لكنه عاد لاستكمال ما بدأه بعد اتصال هاتفى من صديق عمره الإعلامى الرائد أحمد سعيد رئيس إذاعة صوت العرب فى عهدها الذهبى فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، وأحد الكبار الذين أعتز بمعرفتهم.

واصل شفيق: كان الشيخ كشك يحب الغناء لكن ليس أى غناء، كان سميعا للأغانى بدرجة تفوق الامتياز، وكان عنده تذوق عال للنغمة الموسيقية الجميلة، وكلمة الأغانى الحلوة، هو كان ما شاء الله عليه فى التذوق، وخطبه كلها متركبة منه بتذوق، وكان يحب صوت محمد عبدالوهاب بل يعشقه، وحب عبدالوهاب بالتحديد كان من الحاجات اللى قربتنا من بعض، فأنا أرى أن صوت عبدالوهاب هو أجمل صوت بشرى فى الغناء، والشيخ كشك كان بيعشق كل أغانيه القديمة، مثل.. «يا جارة الوادى»، و«فى الليل لما خلى» و« جبل التوبات»، و«الجندول» و«كليوباترا» و«لك يوم يا ظالم» و«النهر الخالد»، وأغان أخرى، ولما عرف أننى من الهواة الكبار فى جمع التسجيلات الغنائية النادرة القديمة، كان يسألنى بين الوقت والآخر: «إيه أخبار أغانى عبدالوهاب القديمة عندك؟»، وغالبا تأتى إجابتى عليه بهدية، والهدية عبارة عن شريط كاسيت عليه بعض هذه الأغانى، فيطير فرحا بها.

يتذكر أحمد شفيق كامل أول زيارة له إلى منزل الشيخ كشك، بعد أن كان المسجد يشهد لقاءاتهما، يضحك الشاعر كثيرا وهو يستدعى ذكرياته، ومن روايته سنعرف كم كان الشيخ يحب الغناء، يقول شفيق: «لم يكن هو يعرف شيئا عن هذه الزيارة، فقرارها كان منى دون إبلاغه، وكنت أسعى إلى كسب وقت كبير للكلام معه فى أمور دينية كانت تشغلنى كثيرا، وبعد أن ذهبت إلى المنطقة وسألت عن مكان مسكنه، شعرت بالتأخير فقررت تأجيل الزيارة إلى اليوم التالى»، ولما ذهبت إليه فى اليوم التالى قلت له: «على فكرة يا مولانا، امبارح أنا جيت عشان أعرف البيت قبل ما اجى لك النهارده.. يعنى أنا عملت زى عبدالوهاب ما بيقول: «مريت على بيت الحبايب.. وقفت لحظة»، يستكمل شفيق ضاحكا: أنا قلت كده، وهات يا ضحك من الشيخ كشك.. هأ. هأ. هأ. وقال: «يا سلام عليك يا عبدالوهاب»، وقبل ما يخلص ضحك فاجأته بقولى: «معايا هدية لك هاتعجبك يا مولانا»، رد: «أكيد شرائط لعبد الوهاب»، قلت: «فعلا يا مولانا»، والهدية كانت شرائط جديدة، عبارة عن أغان لعبد الوهاب مسجلة بإيقاعات عصرية جديدة.

غواص فى بحر النغم
الشهادة الثانية التى تؤكد أن الشيخ عبدالحميد كشك كان سميعا للغناء، قالها الفنان والموسيقار الكبير عمار الشريعى فى حوار له مع الزميل أيمن الحكيم، ونشرته جريدة «القاهرة» منذ سنوات، كما رواها الشريعى بعد ذلك فى حوار له مع جريدة «الشروق»، وفى الحوارين نعرف أن الشيخ كشك كان من مستمعى برنامج «غواص فى بحر النغم»، وهو البرنامج الشهير الذى يقدمه عمار الشريعى فى الإذاعة، يقول عمار فى جريدة الشروق، اتصل بى أحد الأصدقاء يبلغنى أن الشيخ كشك يريد التحدث إلىّ، وكان ذلك قبل وفاته بـ 6 أشهر تقريبا، رحبت وتم الاتصال الذى قال فيه إنه من مستمعى برنامج «غواص فى بحر النغم»، ويضيف الشريعى: قلت للشيخ كشك، أنت تهاجم المطربين خصوصا أم كلثوم، فرد: شتمت من أحب لأنها قالت ما لم أحبه»، وأضاف كشك للشريعى: «لم أتصور أن الصوت الذى غنى عظائم السنباطى و«نهج البردة» و«إلى عرفات» تقول: «هات إيديك ترتاح للمستهم إيديا» ولم تخرج شهادة الشريعى لأيمن الحكيم عن نفس المعنى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة