درجة الحرارة فى الخارج كانت أقل بكثير منها داخل ثلاجة الموتى بمستشفى مدينة نصر «للتأبين الصحى».. عامل الثلاجة يسحب التروللى وعليه جثمان المريض الذى فارق الحياة للتو.. بسبب إهمال جسيم، فالأطباء هنا يتعاملون مع المرضى.. كل حسب واسطته.. أما البسطاء فليذهبوا إلى العالم الآخر.. ولهم رب يقى أرواحهم شر عبث الأطباء فى مستشفيات «التأبين الصحى».
ها هى الثلاجة.. إدارة المستشفى وضعت بها كم كبير من المهملات.. أسرة قديمة.. وكميات كبيرة من المفروشات الملوثة بدماء الضحايا.. الذين سبقوا الرجل الذى رحل قبل دقائق إلى رحاب ربه.. عامل الثلاجة.. دفع التروللى إلى داخل مبنى الثلاجة.. فبها اثنان نجح أطباء المستشفى فى إنهاء حياتهم ببراعة القاتل المحترف.
النصف العلوى من الميت مازال عاريا.. وكنت واهما أن للموتى وقتلى الإهمال حرمة.. أو حتى لتخفيف وقع الصدمة على أهل المتوفى.. ولكنك بعد لحظات ستكتشف أن الفساد وطلب الرشوة الإجبارية أى الإتاوة لا يرتبط بمكان.. فحتى داخل الثلاجة عليك بدفع المعلوم حتى تجد مايستر حرمة وجسد الميت الذى انتفخ من فعل عبث ما يطلق عليهم بأطباء التأمين الصحى.. إذا أردت سترة جيدة للميت فعليك أن تدفع لعامل المشرحة الذى يشبه جزارى الدبح.. فالدماء تغطى ملابسه.. وقلبه غادرته الرحمة منذ أن ألحقوه بهذا العمل..
زوجة الميت التى كانت تتحدث إلى الراحل.. تسأله عما تفعل فى الدنيا من بعده، وماذا تقول لأطفاله الذين لايعلمون أن أباهم لم يعد موجودا بينهم.. زهو المعلم الفاضل الذى كان يستذكر لهم دروسهم كل يوم.. الأطفال النائمون فى ساعات الصباح الأولى.. قسوة البرودة.. والحياة القادمة بدون الأب، وبكاؤها لم يشفع لها عند جزار ثلاجة الموتى.. وكان عليها الإذعان لطلبه بالدفع حتى يستر عورته.
وبعد ساعات وصل أهل قتيل الإهمال بعد إبلاغهم.. هم أقدر على التعامل.. وأصرت زوجة الميت على الجلوس بجوار جثمانه فى ثلاجة الموتى.. أحدهم ذهب إلى إدارة المستشفى لإنهاء الإجراءات.. ولكن مشهد الرشوة والفساد لايميز حتى مع الموتى.. يتكرر.
ست ساعات.. أحداث شاقة متتابعة للميت وأسرته.. حتى يفلتوا بجثمان الراحل من جحيم مستشفى «التأبين الصحى».. وها هى السيارة تنطلق بالفقيد وزوجته.. عبر بوابة الثلاجة إلى الشارع.. وتنفس الجميع الصعداء.. فالفقيد سيذهب الآن إلى قبره ليرتاح من وهم اسمه العلاج فى مصر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة